شباب الجامعات والصراع بين القيم الاخلاقية والفوضى العصرية
يعيش شبابنا العراقي حالة من الفوضى وعدم الإدراك بما يدور حوله من قضايا العصر ومتطلبات الحياة فهو جيل ( التحشيشات ) كما يطلقون عليه باللغة العامية الدارجة ولا سيما شباب الجامعات فأوجه الضوء على هذه الشريحة تحديداً ؛ لأن هذه الشريحة ينبغي لها أن تكون حجر الأساس في بناء الدولة وتثقيف المجتمع وتثقيف الشباب الآخرين ، علماً إنني ممّن ينتمي إلى هذه الشريحة الواسعة و أعاصر قضايا الشباب وأعيشها يوم بعد يوم فأفهم ما يدور في ذهن الشاب وأراه منهمك ومشغول بتفاصيل سطحية غير جوهرية مثل ماذا يلبس غداً وبأي شكلاً يظهر ؟
وكأنما داخل حفلة تنكرية أو حفلة زفاف صاخبة وليس ذاهب إلى الجامعة معبد العلم والمهم عنده ( طلعت ألبسة مال باجر ) والظهور بالشكل الجديد و ( النيولوك ) الجديد وبعد ذهابه إلى الجامعة ينتظر أن يثير الطلبة حتى يقال له أنت ( شيك…! ) وكأنما المظهر العام والتغير به هو المقياس الذي يقاس عليه في الحكم على الطالب بغض النظر عن السلوك والوعي والثقافة والأخلاق والعلمية وهذه ظاهرة مرسخة في عقول اغلب الشباب ومع ذلك فهي حرية شخصية ؛ ولكن ينبغي أن يكون طالب ذو وعي وثقافة واطلاع واسع ؛ لأنه سيكون الأساس في بناء الجيل الجديد ،
ومن الظواهر الأخرى التي نراها كل يوم عند طالب الجامعة هي أن يخرج صباحا من البيت ويصعد الخط الذي يوصله إلى الجامعة وعند صعوده السيارة وضع سماعة الهاتف بأذنيه والعلك في فمه وضل يستمع نغمات (mb3 ) حتى وصوله الجامعة ويبدأ يومه في الجامعة مع ( الكروب ) والمباشرة إلى النادي الطلابي وعدم دخول المحاضرات والبحث عن ( الكبل ) وكأنه داخل إلى الجامعة من اجل التعرف على فتاة واللعب بمشاعرها وعواطفها وإذا قلت له هل تتزوج إذا أحببت في الجامعة ؟
فيرد عليك التي تعمل علاقة معي فأنها قد عملت بالتأكيد علاقات كثيرة مع آخرين من قبلي ولا تصلح أن تكون زوجة لي ، حتى وان كانت هذه العلاقة الأولى إلى الفتاة فعند ما تجيء الفتاة له وتقول أنت أول حب لي وأصبحت جزء من حياتي فلماذا تتركني بهذه السهولة ؟ فيقول لها بلغة ( التحشيشات خلي يولن hard luck ) أي حظ أوفر وهذا مثال على حالة اغلب الشباب وليس الكل ، فالشاب يعيش حالة من الازدواج في الشخصية أي انه ذو شخصيتان شخصية تتمثل في البيت والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها وهذه الشخصية تحمل الصفات المثالية والكمالية في سلوكها ولبسها وتصرفها فهو أمام أمه وآخته حكيم عالم يرشد ويعدل سلوك الآخرين ويتمثل بالقيم الأخلاقية وعند خروجه من محيطه الأسري والاجتماعي ودخوله عالم الانفتاح في الجامعة نراهُ ذو شخصية مناقضة تماماً إلى الشخصية الأولى التي يتظاهر بها أمام أسرته وبيئته فإذا به وكأنه يعيش في غابة يتسابق على كسر شيء متأصل به اسمه الأخلاق واخص الشباب والفتيات عموماً
ويرى الطالب أن الأربع سنوات التي يعيشها في الجامعة يجب عليه أن يحقق اكبر قدر من المغامرات والبطولات التي يعتبرها مفخرة له أما الجانب العلمي والمهني لا يعير لهما أهمية فيدخل الجامعة ويخرج منها ولا يدري ماذا درس وما هدفه وتوجهه في الحياة ؟ ولا اعني الكل وإنما البعض فيعدون الجامعة رحلة من رحلات الحياة الجميلة فعليه أن يحسن استخدامها ولا يدعها تضيع منه دون أن يسجل مغامراته فإذا احد يقدم له النصيحة أن يجتهد ويتفوق فيرد عليه ويقول بالعامية : ( يمعود هي خربانة ) لأن النتيجة أتخرج من الجامعة وأصبح ( حديقة ) أي عاطل دون عمل
فيمكن أن نوجز نتيجة هذا الصراع بين القيم الأخلاقية والفوضى العصرية إلى ثلاث أسباب هما العامل التربوي والعامل الاجتماعي والعامل السياسي ، فالعامل التربوي متمثل بالمنهج العلمي التقليدي البعيد كل البعد عن واقع وفكر وذهن الطالب ؛ لأنه لا يتناسب مع القرن الواحد والعشرين فالمنهج نظري أكثر ممّا هو عملي هذا من ناحية ومن ناحية أخرى وضع المدرس الذي يعطي مادة علمية مجردة من التربية والأخلاق والثقافة العامة بالإضافة إلى فقدان الروح التربوية له واقصد البعض من المدرسين وليس الكل فهذه كلها لها أثار سلبية على الطالب وتركيبته الشخصية والثقافية ، والعامل الثاني هو الاجتماعي والمتمثل بوضع القيم الاجتماعية العتيدة والصارمة التي تحرم تعامل الولد مع البنت منذ نشأتهما فيفقدا ثقافة المعاملة بين الجنسيين وعند دخوله الكلية يحاولان أن يكسرا هذه القيم الاجتماعية المتخلفة ويتحرران من المحيط الأسري والاجتماعي
، أما العامل الثالث السياسي وله دور بارز في انهيار المؤسسة التربوية بسبب العقود الاستبدادية والظلامية التي عاشها العراق نتيجة التقلبات السياسية التي انعكست سلباً على المجتمع وعزلته تماماً عن العالم الخارجي ، وبعد سنة 2003 والانفتاح على الحريات ورفع القيود فسرت الحرية وفهمت على أنها الفوضى وهي أن تعمل كل ما ترغب به دون مراعاة الآخرين والآداب السائدة وهذه من أهم العوامل التي أدت إلى هذا الصراع بين القيم الأخلاقية والفوضى العصرية
. حيــــــدر الخضــــــــــر