محاولة الانقلاب الفاشلة لـ “14 آذار”…الأسباب والنتائج
شهد لبنان في الأيام الأخيرة الماضية تطورات وأحداثاً أمنية خطيرة كادت تطيح بسلمه الأهلي وأمنه واستقراره وتفضي إلى ادخاله في دهاليز الفتنة والحرب الأهلية التي عانى من ويلاتها اللبنانيون جميعا، وتمثلت هذه التطورات والأحداث بجريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات اللواء وسام الحسن، ومحاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت بها قوى 14 آذار التي استغلت الجريمة وعملت على توظيفها سياسيا لإسقاط حكومة الرئيس نجيب ميقاتي قبيل إجراء الانتخابات النيابية عام 2013، في سياق خطة وضعت على عجل استهدفت تكرار سيناريو عام 2005 الذي نفذته إثر جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومكنها من الوصول إلى السلطة.
وقد طرح ذلك سلسلة من الأسئلة بشأن الهدف من توقيت اغتيال اللواء الحسن، وأسباب فشل قوى 14 آذار في تحقيق هدفها باسقاط الحكومة والعودة إلى السلطة على أبواب الانتخابات، واستطرادا ماهية النتائج السلبية التي حصدتها هذه القوى نتيجة فشل خطتها الانقلابية.
أولاً: في التوقيت والهدف من اغتيال الحسن:
من الواضح ان من نفذ جريمة الاغتيال في هذا التوقيت بالذات أراد خلط الأوراق على الساحة اللبنانية وضرب الأمن والاستقرار وإثارة الفتنة واضرام نار الحرب الأهلية من جديد، ويبدو أن الجهة التي لها مصلحة في ذلك هي «إسرائيل» التي تعرضت مؤخراً لضربة معنوية كبيرة ألحقتها بها المقاومة نتيجة نجاحها بإرسال طائرة أيوب المتطورة بدون طيار إلى سماء فلسطين المحتلة وتمكنها من اختراق الدفاعات الجوية المتطورة للعدو الصهيوني الأميركي، والتحليق فوق أهم المناطق الحساسة والحيوية ووصولها إلى مقربة من مفاعل ديمونة، والنجاح في تصوير كل هذه المواقع وإرسال صورها مباشرة إلى قيادة المقاومة، قبل اكتشافها وإسقاطها من قبل طائرات العدو، الأمر الذي شكل انجازا نوعيا للمقاومة باختراق منظومة الأمن الجوي الصهيوني، واعاد توجيه البوصلة نحو الصراع مع العدو الذي يحتل فلسطين وأجزاء من أراضي لبنان وسورية، في وقت ينشغل فيه العرب في صراعات داخلية أبعدتهم عن القضية المركزية في فلسطين ومواجهة الخطر الصهيوني الذي يهدد الأمة العربية ويسعى إلى تقويض أمنها واستقرارها ووجودها.
ولهذا استهدف الاغتيال تحويل الأنظار عن الانجاز النوعي الجديد للمقاومة المتمثل بطائرة أيوب، عبر تفجير الاستقرار الداخلي وإعادة توجيه الاتهامات للمقاومة.
وكذلك العمل على تغذية خطاب الفتنة المذهبية بهدف إعادة شد عصب قوى 14 آذار وتعويم شعبيتها من خلال إحياء مقولة ان الاغتيال يستهدف طائفة بعينها، وجعل ذلك مادة استغلال لإجبار حكومة ميقاتي على الاستقالة، وتشكيل حكومة اقرب إلى هذه القوى، ومواصلة الشحن والتعبئة المذهبية وصولا إلى موعد الانتخابات النيابية لتأمين فوز قوى 14 آذار بالأغلبية النيابية، والتمكن من العودة إلى السلطة والاستئثار بها، على غرار السيناريو الذي حصل في اعقاب اغتيال الرئيس الحريري عام 2005.
ثانياً: خطة انقلاب 14 آذار وأسباب فشلها
لقد لجأت قوى 14 آذار إلى تنفيذ خطة للإطاحة بحكومة الرئيس ميقاتي ارتكزت على التصعيد السياسي والتحريض المذهبي وتكرار الاتهامات المسيسة وتحميل الرئيس ميقاتي المسؤولية عن جريمة الاغتيال وطالبت المقاومة بتسليم المتهمين الأربعة زوراً إلى المحكمة الدولية، والعمل على تكرار سيناريو عام 2005 عبر محاولة استعادة مشهد الحشد المليوني في ساحة الشهداء في يوم تشييع اللواء الحسن لإجبار الرئيس ميقاتي على الاستقالة، وإذا لم يستجب يجري العمل على اقتحام السرايا الحكومي بالتزامن مع قيام الميليشيات التابعة لها بفرض سيطرتها على بعض المناطق عبر تطهيرها من أي وجود للقوى الوطنية، مثل مناطق الشمال وصيدا والبقاع الغربي لفرض أمر واقع يقود اما إلى تحقيق ما تصبو إليه أو دفع البلاد إلى حالة من الفوضى والانقسام والفتنة والحرب الأهلية.
غير ان هذه الخطة تعثرت وفشلت في تحقيق كل ما سعت إليه قوى 14 آذار وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول:
اخفاق قوى 14 آذار في استعادة الحشد المليوني في ساحة الشهداء حيث خذلها جمهورها الذي لم يستجب لنداءات الرئيس سعد الحريري، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، والنائب سامي الجميل سوى بضعة آلاف من المحازبين والمناصرين، ولم ينفع تأخير مراسم الصلاة، لمدة ساعتين على الحسن ورفيقه صهيوني، في زيادة عددهم الأمر الذي شكل انتكاسة كبيرة دفعت بعض قيادات 14 آذار التي حضرت في بداية التشييع إلى الانسحاب وعدم الظهور في الصورة لحظة إلقاء الرئيس فؤاد السنيورة كلمته ذات السقف العالي الذي لا ينسجم مع الحشد الهزيل للقوى الداعية للمشاركة والتي لم تتحسب لذلك.
السبب الثاني:
فشل محاولة اقتحام السرايا الحكومي بعد اقدام الشيخ أسامة الرفاعي والرئيس السنيورة والاعلامي نديم قطيش على تحريض المشاركين من محاربي 14 آذار على التوجه إلى السرايا لاسقاط الرئيس ميقاتي بالقوة، ونجاح القوى الأمنية بالسيطرة على الموقف بدعم من الجيش، وتوالي ردود الفعل المستنكرة لهذا الاعتداء على السراي الحكومي والقوى الأمنية، ما اضطر الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة إلى توجيه النداء إلى انصارهما للانسحاب من الشارع وعدم اللجوء إلى العنف وبالتالي التنصل مما أقدما عليه بعد ان حرضاهم على ذلك وفشلا.
السبب الثالث:
فشل الميليشيات المسلحة لقوى 14 آذار في حسم سيطرتها الأحادية على بعض المناطق بفعل وعي القوى الوطنية التي لم تنجر إلى فخ الفتنة والاشتباك المسلح معها، وتركت للجيش أمر مواجهة المسلحين الذين عبثوا بالأمن والاستقرار وأطلقوا النار على المواطنين والجيش وقطعوا الطرقات وأقاموا بعض الحواجز وعمدوا إلى التدقيق بهويات المواطنين في مشهد أعاد إلى الأذهان الممارسات المشينة خلال الحرب الأهلية.
السبب الرابع:
إن تفسير فشل خطة 14 آذار بتنفيذ الانقلاب على حكومة ميقاتي وبالتالي الفشل بتكرار سيناريو 2005 يعود إلى قصر نظر هذه القوى في قراءة الظروف الدولية والإقليمية والمحلية السائدة اليوم والمختلفة عن تلك التي كانت سائدة يوم اغتيال الرئيس الحريري عام 2005 وسمحت لقوى 14 آذار في حينه بتحقيق انقلابها السياسي وتسلم السلطة:
1ـ فقواعد 14 آذار، الذين اختبروا مسلسل الاغتيالات ومحاولات الاستغلال الرخيصة لها من قبل قياداتهم، باتوا اقل حماسة لتصديق ما تقوله وتسوقه من اتهامات مسبقة ومسيسة، تبين عدم صحتها، وأدت إلى تدفيع اللبنانيين أثمانا فادحة من حياتهم وأمنهم واقتصادهم.
2ـ لم تعد هناك أخطاء الوجود السوري التي شكلت مادة للتعبئة والاستقطاب، بل على العكس فان تجربة السنوات الماضية من وجود 14 آذار في السلطة كشفت أنهم ليسوا حريصين على السيادة والاستقلال حيث اخضعوا لبنان للوصاية الاميركية، ووقفوا إلى جانب العدوان الصهيوني الأميركي ضد لبنان ومقاومته.
3ـ توازن القوى في لبنان لا يسمح لقوى 14 آذار بتحقيق ما تصبو إليه، فحتى لو استقال الرئيس نجيب ميقاتي، فانه لن يكون من السهولة تشكيل حكومة جديدة كتلك التي شكلت في أعقاب اغتيال الرئيس الحريري، ثم إن حكومة الرئيس ميقاتي تحظى بدعم الأكثرية النيابية والشعبية فيما قوى 14 آذار فقدت هذه الأكثرية بعد خروج النائب وليد جنبلاط من التحالف معها وتموضعه في الوسط، واعلانه اثر اغتيال اللواء الحسن انه ليس في وارد تأييد الدعوة لاستقالة الحكومة لان «لا بديل لميقاتي إلا ميقاتي».
4ـ الدول الغربية اليوم لا تؤيد ذهاب لبنان إلى حالة من الفراغ والمجهول، ولذلك هي لا تدعم مطلب قوى 14 آذار لاستقالة الحكومة، وهو ما سارع إلى ابلاغه السفيران الفرنسي والبريطاني في لبنان لرئيس الجمهورية ميشال سليمان اثر جريمة الاغتيال ومسارعة قيادات 14 آذار للمطالبة باستقالة الحكومة.
وجاءت زيارة سفراء الدول الكبرى في مجلس الأمن للرئيس ميشال سليمان، ومشهد الصورة الجماعية لهم أمام وسائل الاعلام والبيان الذي تلي من قبلهم والتي أعقبها زيارة عاجلة لمسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون لتوجه رسالة دولية قوية نادرة من نوعها في دعم الاستقرار واستمرار عمل المؤسسات الحكومية اللبنانية، والتحذير من الذهاب إلى الفراغ، ما شكل صفعة قوية لقوى 14 آذار عكست عدم إدراك هذه القوى للظروف الدولية الجديدة، الأمر الذي وضعها في حالة تصادم مع الدول الغربية التي طالما شكلت الحاضن والداعم الرئيسي لها.
نتائج فشل الانقلاب 14 آذار: ان فشل قوى 14 آذار في تنفيذ انقلابها الجديد ارتد سلبا عليها، وجاءت النتائج معاكسة لرغباتها وفي صالح الحكومة الميقاتية والقوى الوطنية:
1ـ أصيبت قوى 14 آذار بهزيمة كبيرة في مواجهة حكومة ميقاتي تتجاوز هزيمتها يوم فشلت في معركة منع تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة، وبدلا من إضعاف الحكومة ومحاصرتها وحشرها في زاوية الاتهام السياسي ودفع رئيسها للاستقالة، تلقت الحكومة ورئيسها دعما دوليا غير مسبوق في تاريخ الأزمة في لبنان،
2ـ أدى لجوء الميليشيات التابعة لقوى 14 آذار إلى استخدام السلاح ضد المواطنين والجيش والاعتداء على المؤسسات سعيا وراء السلطة إلى اصطدامها بالشارع والدخول في أزمة مع جمهورها الذي فوجئ بمثل هذه الممارسات التي كانت القيادات الآذارية تعبئ ضدها وتدعي الحرص على السلم والاستقرار ونبذ العنف والوقوف ضد استخدام السلاح في الداخل.
3ـ ارتباك وتخبط قيادات 14 آذار والذي عبر عنه في التصعيد على الأرض والخطاب المتطرف والدعوة إلى اقتحام السرايا واسقاط الحكومة بالقوة، ثم العودة عن التصعيد والتنصل مما حصل بعد الفشل.
4ـ خسارة قوى 14 آذار الغطاء الدولي والإقليمي نتيجة تهورها وعدم قراءتها للمتغيرات والظروف المستجدة ما جعلها تضرب خبطى عشواء مفتقدة إلى القيادة.
5ـ انكشاف عداء قيادات 14 آذار للشرعية والديمقراطية وعدم حرصهم على أمن لبنان واللبنانيين وان همهم الأساسي هو العودة إلى السلطة بأي ثمن.
6ـ فقدان قيادة تيار المستقبل للغطاء الديني الذي كانت توفره له دار الفتوى ويؤمن لها التفافا مذهبيا، وهو ما ظهر في موقف مفتي الجمهورية محمد قباني بادانة الهجوم على السراي ورفض إقالة الحكومة من خارج الوسائل الديمقراطية، وعدم مشاركته في تشييع الحسن ورفيقه صهيوني، ثم تبعه في الموقف مفتي طرابلس مالك الشعار الذي استعان به تيار المستقبل بدلا من قباني.
7ـ انكشاف مسلحي 14 آذار معزولين في مواجهة الجيش اللبناني الذي تصدى لهم بقوة بعد حصوله على غطاء وطني سياسي وشعبي وغطاء إقليمي ودولي لفرض الأمن والاستقرار ومنع الفلتان المسلح وإطلاق النار وقطع الطرقات.
8ـ أسفر فشل الانقلاب عن احتدام الخلافات بين قوى 14 آذار حيث حمل بعضها (حزب الكتائب) مسؤولية ما حصل إلى الأطراف التي اتخذت قرارات متهورة ولجأت إلى أساليب مرفوضة.
لقد ارتكبت قيادات 14 آذار خطأ كبيراً لأنها اعتقدت واهمة أنه بامكانها تكرار ما حصل عام 2005 فهي لم تدرك أن اللواء الحسن ليس بوزن الرئيس الحريري، وان الظرف الإقليمي والدولي مختلف عما كان عليه سابقا، والواقع الشعبي أيضا، ولذلك كان من الطبيعي ان تحصد الخيبة والفشل وتدخل في مأزق كبير قد يقود إلى تصدعها، خاصة وان بعضها انضوى تحت قيادة تيار المستقبل لكون خطوات الأخيرة مضبوطة على الايقاع الأميركي والغربي، أما اليوم فانه بعد الذي حصل تبين انها خرجت عن هذا الايقاع، فأوقعت نفسها وقوى 14 آذار في ورطة، الأمر الذي سيكون بالضرورة موضع سجال بين أطرافها، بدأ منذ اللحظة التي تبين فيها فشل خطة الانقلاب واتضاح حجم الخسائر السياسية والشعبية التي منيت بها قوى 14 آذار من جراء هذا الفشل.