خطاب عبد الرحمن الكواكبي
الكواكبي من ممثلي التيار والاتجاه الاسلامي التنويري والطليعة المثقفة الواعية والشريحة النيّرة ، التي سعت الى تلمس وتشخيص الداء في العطب الاجتماعي، واصطدمت أفكارها التجديدية ومعارفها العلمية وتطلعاتها الثورية نحو الحرية والديمقراطية بميراث الأمية والتخلف والاستبداد.
كان الكواكبي طوال حياته داعية للخير وصلاح الأمة ووظف قلمه وفكره لخدمة الوطن، غير مبال بما ينفقه في هذا السبيل ، فاهتم بتنوير الناس والرقي بالحياة الشعبيّة، ورفع مشعل الدعوة الى العلم ومقاومة الأوهام والخرافات والخزعبلات وطالب بتحرير المرأة لتكون شريكة فعالة في بناء الوطن الكريم والمجتمع الانساني الحر والديمقراطي. ضمّن الكواكبي كتبه تحليلاً دقيقاً وعميقاً للأمراض والأوبئة الاجتماعية والسياسية، وشن حملات شديدة وعنيفة على السلطة العثمانية القمعية، ودعا الى الحرية السياسية واحترام النهج العقلاني في التفكير، والى الكفاح السياسي المنظم ضد السيطرة الاستبدادية التركية والاستعمارية الغربية. وضع الكواكبي عدداً من الاثار الهامة والجليلة المكرسة للحياة والأوضاع الاجتماعية والسياسية في الدولة العثمانية منها:”طبائع الاستبداد “و”أم القرى”.
أدرك الكواكبي بحسه وفكره وعقله مدى الظلم والغبن والاجحاف والقهر والاستبداد الذي يعيشه السواد الأعظم من الناس ، لذا عمل على انهاض الهمم وتحرير العرائض والشكاوى بعد أن اغلقت صحفه التي أصدرها في حلب(الشهباء والاعتدال وفرات) فطاردته السلطة العثمانية وزجت به في غياهب السجن. ودفعته هذه التجارب الى التأمل في طبيعة المستبد والعلاقة بينه وبين الشعب المقموع ، ورأى ان انحطاط الأمة وتدهور المجتمعات الشرقية والاسلامية سببه ومرده غياب الحرية والديمقراطية وسيطرة القمع والاستبداد السياسي والفكري ، وان البلسم الشافي والدواء الناجع له هو الشورى الدستورية.
ويختلف الخطاب التنويري لعبد الرحمن الكواكبي عن خطاب معاصريه من رجالات الدين وشيوخ الاسلام عن وعي الذات العربية لدى محمد عبده وجمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوي والبحث عن العلاقة بين الشرق والغرب والاستعاضة عنها بمعالجة العلاقة بين الأتراك والعرب بالأساس .
استطاع عبد الرحمن الكواكبي التغلغل والغوص في عمق الظواهر السلبية في المجتمع الاسلامي والعربي ومناقشتها وتحليلها بروية ووفق المعتقدات والمفاهيم والأفكار التنويرية ، التي امن بها واستقاها من الثقافة والحضارة الغربية ، وأسهم في بلورة فكر جديد ينسجم مع طبيعة ومتطلبات المرحلة التي عاش فيها واستشراق أفق ومستقبل الفكر العربي الناهض . وغني عن القول أن الكواكبي، وبحق، من أعظم رجالات الحرية في النهضة العربية المعاصرة وقد اغنى بمنهجه العقلي ونقاشاته وفكره تراثنا الفلسفي والفكري العربي.