ما هي دلالات المواقف الدولية الجديدة من سوريا؟
بعد نيف و20 شهرا وعلى ابواب الانتخابات الرئاسية الاميركية خرجت اميركا بموقف من الازمة السورية فاجأ اتباعها وعملاءها، خاصة انه جاء في لحظة حرجة ومميزة،كما انه تزامن مع موقف روسي بالغ الدلالة. ففي الوقت الذي نعت فيه اميركا مجلس اسطنبول المسمى «الوطني السوري»، واعتبرته انه غير ذي كفاءة او صلاحية لقيادة ما اسمي المعارضة السورية، ورأت وجوب البحث عن اطار تنظيمي يتخطى هذا المجلس بنية وظيفة واهدافاً واداء ً، في هذا الوقت كانت روسيا تؤكد وبعد لقاء الابراهيمي الذي أفشلت العصابات المسلحة هدنته بعد ان كانت سورية قد قدمت كل التسهيلات لانجاحها، كانت روسيا تؤكد بمواقفها الاخيرة الحاسمة والواضحة انها ترى الرئيس بشار الاسد ضرورة لاي حل للازمة السورية، ومن غيره سيكون دفع للبلاد نحو الانتحار الذي لن تقبل به، وهنا ابدت روسيا اعتراضها مجددا على السلوك الغربي الذي يقود الى هذا الانتحار، ثم عزز وزير الدفاع الروسي الموقف بقوله بان الجيش السوري يملك من القدرات والطاقات ما يمكنه من الثبات ومتابعة المواجهة وتحقيق الاهداف المحددة للدفاع عن سورية مؤكدا ان العصابات الارهابية عاجزة عن الانتصار في مواجهة هذا الجيش. هذه المواقف تقاطعت مع مواقف اقليمية خاصة من ايران وتركيا، وترافقت مع مجريات الميدان في سورية، مع هذه المواقف والمتغيرات يطرح السؤال: الى اين وصلت الازمة في سورية وما هو المسار المحتمل لها؟.
بداية نذكر بان اميركا التي تقود العدوان على سورية كانت قد حددت اهدافها باثنين اساسيين: اسقاط سورية من موقعها الاستراتيجي في محور المقاومة عبر تغيير نظامها، ثم تدميرها ككيان سياسي وقوة اقليمية عبر تفتيت شعبها والاجهاز على النزعة الوطنية والقومية لديه وابدالها بنزعة طائفية ومذهبية وعرقية تمنع بناء الدولة المتماسكة الموحدة، هدف اعتمد عملاً بما يراه الاستراتيجيون الاميركيون بانه تصحيح ل «غلطة تاريخية واستراتيجية» ارتكبتها فرنسا تمثلت بابقاء سورية بالحجم الذي هي عليه الآن وانها لم تقسمها ابان الانتداب الى اربع دول كما كانت الدوائر الصهيونية والانكلوسكسونية تجهد لتطبيق النموذج المثالي لمصالحها والذي اعتمد في الخليج حيث اقيم « نظام حماية المصالح الغربية »،عبر اقامة المشيخات والامارات والممالك الواهنة التي لا تقوى على الحياة الا باحتضان ودعم غربي وهو وضع تأكد للغرب بانه افضل من الاحتلال او الاستعمار المباشر.
لكن اميركا واجهت في عدوانها على سورية ما لم تكن تتوقعه سواء في الداخل السوري، ام على الصعد الاقليمية والدولية، وهي بعد ان خسرت موقع المتحكم الوحيد بقرار الشرق الاوسط، باتت اليوم على قناعة بان الهدف الاول (تغيير النظام والموقع) بات مستحيلا، وان الهدف الثاني ورغم ما تحقق منه وما تمني النفس من اكمال تحقيقه، فانها شعرت بان الاستمرار في السعي اليه بات يهدد حلفاء اساسيين لها في المنطقة وينذر بالاجهاز على قواعد لا تستطيع اميركا الاستغناء عنها كما هو حال الاردن ولبنان وتركيا. حيث ان اميركا ايقنت بان النار التي ما زالت تنفخ فيها وتؤججها في سورية نار باتت قاب قوسين او ادنى من الانتقال الى هذه البلدان ما يهدد المصالح الاميريكية بافدح الخسائر
أ. على ضوء هذا، اضطرت اميركا ان تتخذ الموقف الاخير الذي يعتبر تطويراً هاماً لمسار سياستها تجاه سورية، وهو الموقف الذي اذا عطفناه على المواقف الدولية الاخرى خاصة الروسية والايرانية والتركية، فانه يقود الى الاستنتاج والدلالة على ما يلي:
1) تشكل قناعة دولية بان الهجوم الغربي على سورية بالطريقة التي يتم فيها الآن لن يحقق الاهداف التي من اجلها انطلق وان الدولة السورية لديها من وسائل الدفاع والحماية ما يمكنها من المواجهة والصمود، وبالتالي فان الاستمرار في العدوان بهذه الطريقة بات عملاً عقيماً.
2) تشكل قناعة اميركية غربية بان ما استعمل من وسائل العدوان (بوجهيها السياسي والعسكري) بات غير مناسب للمتابعة ما يفرض البحث عن وسائل جديدة. وهنا لابد من التذكير بان اميركا اعتمدت في عدوانها على اداتين:
أ) الاداة السياسية وهي التي اوكل امرها التنفيذي لكل من تركيا والجامعة العربية بقيادة قطرية وسعودية والتي كانت مهتمها الاساسية العمل على محاصرة سورية عربيا وانتاج ما سمي «مجلس وطني سوري»، المجلس الذي عولت عليه اميركا ليكون البديل من السلطة الشرعية السورية، لكن وبعد اكثر من سنة على انشائه ظهر لها انه كيان فاشل لا قيمة ولا وزن له ولا قوة لتمثيله ثم ان القيود التي قيدته بها والاهداف التي اعلنها عقيمة غير قابلة للتنفيذ موضوعيا.
ولهذا كان قرار اميركي بتجاوز هذه الدمية المشلولة، والبحث عن تجمع يناسب ما آل اليه الامر ويستجيب لشروط ثلاثة لم تكن متوافرة في مجلس استنبول: الاول في البنية الشاملة والمقتضبة التي تجعله قادراً على الانسجام والقرار، والثاني في السلوك بحيث يتجه للتفاوض والحوار مع النظام لان الحوار امر لابد منه للتسوية، والثالث في المرجعية بحيث يكون متفلتاً من هيمنة الاسلاميين الذين بدأت افعالهم ترتد سلبياً على اميركا وسياستها.
ب) الاداة العسكرية: وهي عصابات الارهاب والقتل التي عملت تحت عنوان وهمي سمي «جيش سوري حر»، وقد عولت عليها اميركا لتدمير سورية بدءا بالجيش العربي السوري هذا الجيش الذي بقي الجيش العربي الوحيد المستعد لمواجهة اسرائيل. ولكن سرعان ما تبين لاميركا ان هذه العصابات ورغم ما انجزته من تدمير وقتل في سورية، فان زمامها افلت من يدها وباتت تشكل خطرا مستقبلياً على مصالحها مع ظهور ارهاصات تنذر بتمدد النار الى دول الجوار ان لم تتم السيطرة عليها الآن.
3) تشكل قناعة دولية بان النار التدميرية التي يغتبط بها الغرب حاليا باعتبارها الوسيلة الناجعة لتحقيق الهدف الثاني من اهداف العدوان، ان هذه النار لن تبقى محصورة في الحدود السورية، وانها ستنتقل الى معاقل النفوذ الغربي وتهدد بكوارث استراتيجية للغرب، وما التفجيرات التي حصلت في كل من السعودية وتركيا، والاهتزاز الحاد للوضع اللبناني امنيا وسياسيا الا بداية النذر التي قد تتفاقم وتخرج عن سيطرة الغرب، وبالتالي باتت هناك حاجة غربية لاعادة النظر في مسار العمل المسلح في سورية وفرزه – هذا اذا امكن – بين نسقين ونوعين، ارهاب غير مسيطر عليه ويجب التصدي له وعزله ومنع تفاقمه او خروجه من سورية، وعمل عنف مرغوب به او مطلوب ليشكل اداة ضغط وتحسين الاوراق التفاوضية بيد الغرب في مرحلة باتت اكيدة في الذهن الغربي وهي مرحلة الحل السلمي الذي يكون التفاوض والحوار الطريق الوحيد اليها.
4) تشكل قناعة غربية ان ما يسمى معارضة سورية، وبواقعها الحالي لا يمكن ان تشكل عاملاً موثوقا في الحل المنشود، فهي في الميدان متناحرة وفي السياسة مشتتة وانها ومهما سيطرت على اماكن او مناطق فتبقى سيطرة جوفاء لا يمكن البناء عليها سياسيا، اما في السياسة فان احدا لا يمكنه جمع هذه المعارضات وتكوين سلطة او فريق قادر على تشكيل سلطة في سورية موازية او مكافئة للحكومة السورية. وبالتالي لا بد من القفز فوق الواقع الراهن من اجل ايجاد الطبقة المعارضة التي تتجنب سلبيات الواقع القائم وتكون قارة على مفاوضة النظام وانتزاع شيئ منه ولهذا كان القرار الاميركي الجديد.
5) ان روسيا ماضية في دعم الدولة في سورية، وهي واثقة من ان دعمها لن يذهب هدرا بوجود جيش تثق به، وبالتالي فان روسيا التي صرحت سابقا بانها في علاقاتها مع سورية لا تنصاع ولن تطبق عقوبات لم تقرها هي، ولم تصدر عن مجلس الامن. واعتقد ان في ذلك تعهد ورسالة ضمنية للغرب، بان روسيا ماضية في تنفيذ الاتفاقات العسكرية مع سورية.
6) ان مكونات محور الممانعة من لبنان الى ايران تنخرط اكثر في المسألة وانها جاهزة للقيام باي شيء لمنع انتصار في الغرب في سورية.
ب. على ضوء ما ذكرنا نستطيع القول بان الازمة السورية باتت محكومة بتصور مبني على قناعة وتسليم علني او ضمني لدى كل من اهتم او تدخل في الشأن السوري، تصور تحدد عناصره بما يلي:
1) استمرار الرئيس الاسد في موقعه المحوري والرئيسي في سورية باعتباره الجهة الوحيدة القادرة على تأمين وحدة الدولة وادارة الحل.
2) الانطلاق في البحث عن صيغ جدية وآلية لاطلاق حوار وطني في سورية، وبالتالي سيكون واجبا تهميش او تطويع كل فريق في المعارضة يتخذ موقفا سلبيا من الحوار، وسيكون الحال ذاته بالنسبة للقوى الاقليمية والدولية.
3) حاجة الغرب للاستمرار في العمل العسكري المسيطر عليه ضد الدولة السورية من اجل الضغط للحصول على مواقع افضل في الحل المنشود، وهذا ما قد يتسبب بخسائر اضافية واطالة للوضع القائم حاليا في الميدان بعض الوقت.
و على هذا الاساس ستجد سورية نفسها ملزمة بالمواجهة خلال هذه الفترة الحرجة من اجل تخفيض الكلفة وتقصير المهل، ولا يكون ذلك الا بمزيد من الوعي والصبر والتحمل الشعبي، وبمزيد من العمل العسكري الدفاعي الناجح الذي تمارسه القوات العربية السورية في ظل القيادة السياسية التي اثبتت احترافا وشجاعة في المواجهة ادت الى فشل العدوان الكوني على سورية.