حرب سوريا الطويلة
بغض النظر عن نتائج اجتماع الدوحة لفصائل المعارضة السورية، وعما اذا تمكن المجتمعون من الاتفاق على تشكيل حكومة في المنفى أم لا، فإن تداعي قطر ـ بدعم اميركي وغربي معلن ـ فإن الاجتماع في حد ذاته يحمل اكثر من دلالة.
بالطبع، الدلالة الأولى والواضحة من اهداف المؤتمر المعلنة هي التوفيق بين فصائل المعارضة، وتحديدا بين المجلس الوطني الذي يضم معارضي الخارج وهيئة التنسيق الوطنية في الداخل. وقد افرغ هذا الهدف قبل بدء الاجتماعات اذ قاطعت هيئة التنسيق اجتماعات الدوحة معتبرة انها ربما تزيد الشقاق والخلافات بين فصائل المعارضة.
اما المجلس الوطني نفسه فينطوي على خلافات بين عدة تيارات وفصائل، اضافة إلى ما بدا من شقاقات بين فصائل مسلحة بقيادات مختلفة من عسكريين سوريين سابقين. ثم هناك من انشقوا عن النظام في سوريا، وان كان عددهم قليلا الا ان مستواهم رفيع، وهؤلاء بعيدون عن تنسيقيات الداخل وفي الوقت نفسه ليس مرحبا بهم بشدة من معارضة الخارج التي شكلت المجلس الوطني.
لكل ذلك كان تصريح وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بأن المجلس الوطني لا يمثل وحده المعارضة السورية ” وانما يمكن ان يكون جزءا منها”، على حد تعبير كلينتون. وبدا ان في لغة كلينتون انتقادا للمجلس الوطني على خلافاته، وحتى ضمنا للعسكريين في الخارج (المنشقين اصلا عن الجيش السوري) وذلك حين امتدحت من هم في “الخطوط الامامية في الداخل يناضلون ويقتلون”.
وبدا وكأن تصريحات كلينتون هي مقدمة لمؤتمر الدوحة، الذي لا شك بدأ الاعداد له من فترة. اما اختيار الدوحة فلا يعود فقط لحماسة قطر لتغيير النظام في سوريا اكثر من غيرها وانما لان الاسباب الاساسية وراء الخلافات بين فصائل المعارضة تتعلق بالمال ـ والتمويل اساسا يأتي من دول خليجية كما هو معلن. كما أن قطر لعبت دورا في تسوية خلافات من قبل في المنطقة ـ وان لم تحقق نجاحات كبيرة في الواقع ـ مثل المصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس وبين الحكومة السودانية والمعارضة وبين القوى اللبنانية المختلفة بعد الحرب الاخيرة مع اسرائيل عام 2006.
اما الدلالة الأهم لمؤتمر الدوحة، وتصريحات كلينتون التي سبقته بيومين، فهي ان الحرب في سوريا مرشحة لان تطول بأكثر مما توقع كثيرون ـ وبالتأكيد اكثر مما يرغب الشعب السوري الذي يعاني الامرين ولا من يريدون نهاية لنظام الرئيس بشار الاسد. فقد بدأنا نسمع عن ان الاميركيين لا يريدون انهيارا كاملا للنظام السياسي في سوريا مع رحيل الاسد، اي انهم يرغبون في الابقاء على حزب البعث السوري على عكس ما جرى في العراق بعد غزوه وابان احتلاله اميركيا وبريطانيا. ثم جاءت تصريحات وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك لصحيفة بريطانية والتي قال فيها ان ايران توقفت عن السعي لامتلاك سلاح نووي، واكد ان معلوماته ان الايرانيين ما عادوا يخصبون اليورانيوم إلى نسبة 20 في المئة.
وسبق ذلك التصريح تأكيدات من الأوروبيين بأنهم حريصون على استمرار المفاوضات بين ايران ومجموعة الست التي تمثل الدول الغربية وروسيا حول برنامج طهران النووي. وربما تكون كل تلك التصريحات حول ايران جزءا من عملية الضغط عليها، خاصة وان العقوبات الاقتصادية بدأت تضيق الخناق على الجمهورية الاسلامية بالفعل. وقد تكون التصريحات اشارة فتح باب لاتفاق مع ايران دون اضطرار لتوجيه ضربة عسكرية لها قد تكون عواقبها وخيمة على من يقومون بها وعلى المنطقة ككل. الا ان هناك احتمالا اخر لا يمكن اغفاله، وهو ان تكون قناة ما بين الايرانيين والاميركيين تناقش سوريا ايضا بالتوازي ـ وربما بالتضامن ـ مع البرنامج النووي الايراني والعقوبات على طهران.
لكن في الاخير، فإن كل تلك التطورات الاقليمية والدولية ليست ذات اثر كبير طالما ان النظام السوري ما زال متماسكا، والجيش يدعمه حتى رغم الانشقاقات، وطالما ان المعارضة على ما نراها عليه: خارج يختلف على اموال الداعمين وداخل يقاتل واغلبه (جهاديون) متطرفون. وبمناسبة الخلافات، فليس الداخل المعارض كله كتلة واحدة متماسكة، او متفاهمة حتى على الاقل.
فهناك اجانب قدموا الى سوريا من دول اسلامية وغير اسلامية معلنين الجهاد ضد النظام (واحيانا ضد الشعب السوري ممن يتهمهم هؤلاء بأنهم موالون للنظام وما هم الا مواطنون عاديون كأغلب السوريين ما كانوا يستطيعون معارضة السلطة). كما ان هناك (جهاديين) سوريين، ليسوا على وفاق تماما مع فصائل معارضة الداخل الاخرى.
واضيف عامل اخر مرشح ربما للتصاعد وهو التوتر بين المسلحين والاكراد في شمال غرب سوريا. فقد اتخذ الاكراد موقفا محايدا، لا هم مع النظام ولا مع المعارضة، واستغلوا انسحاب ادوات السلطة المركزية ليمارسوا ـ من جانب واحد ـ شبه حكم ذاتي خاصة في عفرين. الا ان بعض فصائل المعارضة المسلحة تتعامل مع الاكراد ـ كما مع غيرهم من عموم الشعب السوري ـ على طريقة “من ليس معنا فهو ضدنا”. ويصل الأمر إلى حد التقاتل وسقوط الضحايا.
العالم الآخر الذي يمكن ان يطيل امد الحرب في سوريا هو ان روسيا والصين تعلمتا من درس ليبيا، ولن يقبلا ثانية ان يخدعا ليبررا عملية تغيير نظام بغطاء شرعي من الامم المتحدة على اعتبار انها عملية انسانية.
د. ايمن مصطفى