تقرير: السعودية تتمدد في أفغانستان لحصار أيران وتطويقها
لم ينقطع يوماً الحضور السعودي في أفغانستان، رغم ضموره في السنوات العشر الأخيرة، التي أعقبت أحداث 11 أيلول.
وتحاول السعودية تجاوز هذا الضمور مؤخراً من أجل منافسة النفوذ الإيراني الواسع في هذا البلد، الذي تتهيأ قوات «حلف شمال الأطلسي» لمغادرته في العام 2014.
أضحى هذا الأمر واضحاً مع إعلان الحكومة الأفغانية في 29 تشرين الأول الماضي، عن نية الرياض بناء مجمع ديني كبير في العاصمة كابول، سيكون أضخم استثمار سعودي في أفغانستان ما بعد «طالبان».
ويتوقع أن يكلف بناء هذا المجمع ما بين 45 و 100 مليون دولار أميركي، وأن يبدأ تشييده في العام المقبل على مساحة 24 هكتاراً في وسط كابول، وهو يضم مسجداً يتسع لـ 15 ألف مصلٍّ، ومستشفى، وجامعة، وقاعة رياضية.
ويأمل السعوديون أن ينافس المجمع، حين إنشائه، جامعة خاتم النبيين الإسلامية في غرب كابول، التي فتحت أبوابها في العام 2006، بعد بنائها من قبل عالم دين أفغاني، تربطه صلات قوية بإيران، بتكلفة تصل إلى 17 مليون دولار، وتضمّ مسجداً وقاعات دراسية ومساكن لألفٍ من طلابها الأفغان.
ويعتقد دبلوماسي أوروبي سابق عمل في منظمة «الأمم المتحدة»، أن الحركة السعودية الأخيرة تأتي في إطار مواجهة النفوذ الإيراني القوي في أفغانستان، عشية انسحاب القوات الغربية، لكنه يؤكد أنها خطوة متعثرة، نظراً لحصولها متأخرة.
إيران، على النقيض من ذلك، كان لها حضور قوي ومرئي في العقد الماضي، فقد اعتمدت على صلاتها الثقافية واللغوية مع أفغانستان، لتصرف فيها ملايين الدولارات من أجل تشييد البنى التحتية، التي تشمل الطرق وشبكات الكهرباء والسكك الحديدية. وتتضح بصمة إيران أيضاً عبر وجهات نظرها السياسية والثقافية، التي تنشرها من خلال حضورها الإعلامي القوي وتمويل المدارس الدينية.
ويبدو أن الساحة ستعرف مستقبلاً منافسة شرسة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومن المتوقع أن يؤدي الصراع على النفوذ في أفغانستان، في مرحلة الفراغ السياسي الذي يتوقع أن يعقب رحيل القوات الأجنبية، إلى توتير العلاقات المذهبية بين الافغان.
وسيؤدي تصاعد التوترات الطائفية في أفغانستان إلى إثارة القلق في الصين ودول وسط آسيا، التي تتخوّف حكوماتها من اتساع التطرف الديني، خاصة أن هناك سوابق للسعودية في بلاد الأفغان: كانت الرياض مموّلاً رئيسياً للجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفياتي في الثمانينيات، ودعمت حركة «طالبان» بالمال والسلاح في التسعينيات (من القرن الماضي)، وقامت خلال السنوات الأخيرة وراء الكواليس بدور الوسيط في محادثات السلام بين الحكومة وحركة «طالبان».
وبينما بقيت معالم هذا الدور في الخفاء، ظهرت إلى العلن بعض من مؤشراته، حيث حكي عن جهود سعودية تهدف إلى إقناع قيادة «طالبان» بدخول مفاوضات السلام، وتشجيع باكستان على قطع صلاتها بالحركة.
وأصبح هذا الدور ممكناً بسبب الصلات القوية التي تربط الرياض بمراكز القرار في باكستان، التي طالما دعمت حركة «طالبان». وقد كانت الرياض أيضاً خلال التسعينيات ظهيراً أساسياً للحركة، وواحدة من ثلاث عواصم فقط اعترفت بنظام «طالبان» الذي حكم أفغانستان خلال فترة 1996-2001.
ويعتقد الصحافي البريطاني عادل درويش أن الرياض ما زالت تتمتع بنفوذ معتبر على «طالبان»، رغم قطع العلاقات رسمياً بينهما بعد العام 2001، مع رفض الحركة المسلحة تسليم زعيم تنظيم «القاعدة» آنذاك، السعودي أسامة بن لادن.
ويتفق الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الرئيس الأفغاني حميد قرضاي حول الإشادة بالدور السعودي في بلاد الأخير، حيث يعتقدان أن بإمكانه إنجاح جهود «حلف شمال الأطلسي» هناك.
ويشير مستشار العلاقات الخارجية في «مجلس السلام الأفغاني الأعلى» محمد إسماعيل كازيمير إلى أن السعوديين «أظهروا إرادة حقيقية في التوسط من أجل عقد محادثات المصالحة، ونحن نرحب بالوعود السعودية ونتمنى أن تسفر عن ثمار عملية».
إلا أن خبراء آخرين يؤكدون أن الجهود التي بذلها السعوديون على مدى سنوات في كواليس المفاوضات بين أعضاء من حركة «طالبان» والحكومة الأفغانية، لم تستطع تسجيل أي اختراق.
أحد هؤلاء الخبراء هو المحلل السياسي والمتحدث الرسمي السابق باسم حركة «طالبان» وحيد مزده، وهو يلفت إلى أن أعضاء الحركة يشعرون بتعرضهم للخيانة من قبل الرياض، حين اعتقلت ممثلهم السابق لديها، مولوي شبير أحمد في العام 2001، مع أربعة من أبنائه في الرياض، وسجنتهم عشر سنوات، ولم تطلق سراحهم إلا في العام 2011.
«طالبان تعتقد أن السعودية تعاملت معها كعدو. لقد أخذت جانب الغرب ولم تكن حيادية، وطالبان لا تعترف بالسعودية كوسيط
سلام