رسائل غربية الى من يعنيه الأمر
ليس غريباً على فريق 14 شباط أن يتعلق بحبال الهواء الدولية، ليسعى للوصول إلى السلطة في لبنان. فعلى الرغم من جميع التصريحات الدولية التي عاكست مسارعته إلى الانتحار السياسي أمام السراي الحكومي عقب تشييع اللواء وسام الحسن، ها هو اليوم يعمم على أنصاره أن الموقف الدولي الرافض لتغيير الحكومة والداعم لاستقرار لبنان قد تبدّل، وبات العالم مقتنعاً بوجوب دخولهم إلى الحكومة في لبنان، فيعمدون إلى تضخيم كل جملة ينطقها مسؤول غربي حول تداول السلطة، ويستفيض إعلامهم في القراءة بين السطور، وفي تحليل تعابير الوجه، وفي الاستناد إلى المصادر، لضخ الأمل بين مناصريهم بعودة مظفرة إلى الحكومة.
يعيش تيار المستقبل اليوم على أمل تغيير حكومي، يدّعي أنه لا يريد فيه رئاسة الحكومة، لأنها برأيه “محرقة” في هذا الظرف، ومن يستلمها سيحترق بها، وسواء أرادوا الرئاسة أم لا، فهم يريدون بالتأكيد السيطرة على الوزارات الأمنية، والسبب المعلن هو أنهم مستهدفون أمنياً، أما السبب الحقيقي غير المعلن، فهو رغبتهم بتولي وزارة الداخلية، كونها تشرف على العملية الانتخابية، فعندها يصبح بمقدورهم التلاعب وتمرير ما يريدون تمريره من أساليب تزور إرادة الناخبين اللبنانيين، فيحصلون على الأكثرية النيابية، وهم مدركون أنهم لا يملكون الأكثرية الشعبية.
وفي اغتباطهم بلقاء الرئيس الفرنسي بالرئيس سليمان، وعدم لقائه برئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب، تباينت أطراف قوى 14 شباط في التسويق، فـ”المستقبل” اعتبره أنه تحفظ على الفريق الآخر، وبالتالي انتصاراً للفريق اللبناني المعتصم في ساحة رياض الصلح، أما قوى 14 شباط المسيحية، فقد اعتبرت أن فرنسا “الأم الحنون” تريد رعاية الرئيس اللبناني المسيحي، وهي تريد من ميشال سليمان أن يستمر في نهجه المتوافق مع قوى المعارضة، لا بل إن فرنسا تريد أن تؤكد دعمها له في تموضعه الجديد إلى جانب تلك القوى في رفضها سلاح المقاومة ومعاداتها النظام السوري، وفي خياراته التي ظهرت على حقيقتها في خطاباته الأخيرة منذ احتفال عيد الجيش في الأول من آب وما بعدها من تصريحات، خصوصاً مسارعته إلى المشاركة في تشييع الشهيد وسام الحسن، بينما لم يقم كقائد للجيش بالمشاركة في تشييع اللواء الشهيد فرنسوا الحاج، واكتفى بتقديم واجب العزاء فقط، وذلك في تمييز واضح وتموضع سياسي سافر.
وتقوم المعارضة بتأكيد هذه التفسيرات لمناصريها، بالاستدلال بزيارة هولاند إلى المملكة العربية السعودية، علماً أن هذه الزيارة هي في نظر المحللين الموضوعيين، تأكيد على أن هولاند الداعي إلى استقرار لبنان، يهمه أن يبلّغ رسالته إلى من يحاول هزّ الاستقرار في لبنان، وهكذا فإن هذا الأمر إشارة تبدو سلبية وموجهة الأنظار إلى الجهة التي تحاول تقويض هذا الاستقرار من خلال وكلائها في لبنان.
فعلياً، ومنذ بداية الحديث عن بوادر حل سياسي في سورية، ومنذ إطلاق التصريحات الغربية حول نزوع المعارضة السورية إلى التطرف، وبعد التقارير التي تسربت عن بدايات اتفاق روسي – غربي على تقاسم النفوذ في المنطقة، وضرورة إيجاد حل سلمي في سورية، تبدأ تباشيره مع نهاية العام الحالي، أدركت المملكة العربية السعودية أن هذا المسار لن يكون في مصلحتها في المنطقة، وأيقنت أن ما كانت تعوّل عليه من بسط نفوذ في سورية، يعوّض عليها تضاؤل نفوذها في العراق، والذي تكرّس باتفاق إيراني أميركي، وخسارتها لنفوذها في لبنان بخروج تيار المستقبل من الحكم، يبدو أنه لن يتم، وهكذا كان القرار بتأزيم الوضع في لبنان، وإغراقه في فوضى واقتتال مذهبي يحرج الأكثرية، ويعيد تيار المستقبل إلى الحكم، لتعويض ما فات أو ما قد يفوت، فكانت الشرارة اغتيال اللواء وسام الحسن لتنفيذ خطة العودة إلى بسط النفوذ في البلد الأكثر هشاشة في المنطقة.
وهكذا، يبدو أن تصريحات المسؤولين الغربيين المتتالية حول استقرار لبنان، وضرورة تجنب الانفجار بأي طريقة كان، وحتى لو موّهت بتعابير فضفاضة حول القبول بتغيير يرتضيه اللبنانيون، هو – وبعكس ما يسوّقه الشباطيون – رسالة تحذير واضحة جداً لكل من يعنيه الأمر؛ أن انفجار لبنان لن يكون في مصلحة أحد، خصوصاً من يريد ذلك التفجير، وقد تحرقه قبل غيره، أما إذا كان هولاند لم يلتقِ أحداً غير ميشال سليمان، فذلك لأن الرسالة تصل عبر الرئيس اللبناني الموثوق به من قبل المعارضة، أفضل ممن قد تصل إليهم من سواه، وإذا كانت الرسالة التي أُبلغت في بيروت، فقد أعيد التأكيد عليها في المملكة العربية السعودية، فذلك لأن هولاند يدرك تماماً أن مفتاح القرار والقيادة والسيطرة في قوى 14 شباط ليس في بيروت بل في الرياض، وعليه، لماذا يهدر وقته بلقاء مسؤولين لا يملكون قرارهم؟