تركة الاحتلال ما زالت تنغص حياة العراقيين
ونحن نقترب من الذكرى الأولى للانسحاب الأميركي من العراق فإن ذاكرة العراقيين مليئة بالصور والأحداث التي حولت حياتهم إلى جحيم عبر مسلسل قصة دامية بدأت بغزو العراق عام 2003 واستمرت لقرابة تسع سنوات من احتلال غاشم ما زالت تداعياته مستمرة.
عنوان غزو العراق كان بالصدمة والترويع، وانتهى بمخلفات تركتها القوات الأميركية خلفها، وهي تنسحب من آخر قاعدة لها في العراق؛ هكذا كانت أحوال العراق بعد رحيل الاحتلال، وليس كما يروج له الأميركان وحلفاؤهم أنهم يتركون وراءهم عراقا ديمقراطيا وآمنا ومستقرا، وإنما أصبح متداعيا ومدمرا، وحكومة غير متجانسة، وشعبا يحتاج لعقود حتى يتجاوز فظائع الحرب وويلاتها.
وعندما نتوقف عند هذه المحطة المهمة في تاريخ العراق فإن جلاء الاحتلال الأميركي عن العراق الذي أصبح عنوان العام الماضي، فإن القوات الأميركية أمضت (3175) يوما في احتلالها في العراق الذي ابتدأ في التاسع من أبريل، نيسان عام 2003 خدم خلالها في الجيش الأميركي أكثر من مليون أميركي، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما، إضافة إلى أكثر من نصف مليون من المتعاقدين وأفراد الشركات الأمنية.
وتقدر خسائر القوات الأميركية في العراق التي يلفها الغموض حسب البيانات العسكرية الأميركية لم تتجاوز الخمسة الآلاف قتيل، في حين يؤكد محللون أنها تجاوزت ذلك الرقم بكثير جدا.
وأولى المدن التي تعرضت للقصف الأميركي كانت مدينتي النجف والفلوجة عام 2004 وأولى فظائح التعذيب ظهرت عام 2004 في معتقل أبو غريب، في حين لم يكشف النقاب عن انتهاكات مروعة في عدة مدن أخرى.
فالولايات المتحدة التي احتلت العراق تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل لم تعثر على أي دليل يثبت وجود مثل هذه الأسلحة، كما أنها فشلت في بناء تجربة جديدة في هذا البلد كما روج المحافظون الجدد الذين كانوا من أكثر المتحمسين لغزو العراق، بل على العكس فإن الأميركيين غادروا العراق وهو في أسوأ أحواله، والعراقيون يعيشون بلا كهرباء ولا مياه صالحة للشرب ورعاية صحية وشبح الطائفية ينغص حياتيهم والفساد ينخر خزينتهم.
وفي ظل (الإنجازات) التي تحققت للعراق في حقبة الاحتلال الأميركي تراجعت مكانة العراق ليتصدر من الدول الأكثر فسادا في العالم، وصنفته منظمة الشفافية الدولية بعد الصومال وأفغانستان ومدينة بغداد تصدرت عواصم الدنيا باعتبارها الأسوأ في العالم
.
لقد حصد العراقيون الكثير من الآلام والمآسي خلال سنوات الاحتلال الأميركي، فقد قتل العلماء والأطباء وأساتذة الجامعات والضباط والصحفيون ورجال أعمال، وتشرد الباقون في الشتات، وسقط أكثر من مليون عراقي بأسلحة الاحتلال الأميركي أو بسببه، ونتيجة لهذه الفوضى العارمة والقتل والاختطاف هاجر ما يقارب أربعة ملايين عراقي داخل العراق وخارجه.
وتتحدث منظمات المجتمع المدني عن ثلاثة ملايين عاطل، ونحو مليون أرملة، وثلاثة ملايين يتيم في العراق، وسجلت الأوضاع الصحية والمعاشية والبيئة والتعليمية تراجعا مخيفا.
ومع خطورة هذه الصورة المفزعة التي خلفتها سنوات الاحتلال الأميركي فإن العراق بثروته النفطية وبعقول أبنائه وإرادتهم قادر على نفض غبار سنوات الاحتلال رغم قساوة التجربة ومرارتها إذا تمسكوا بالمشروع الوطني العابر للطائفية؛ لأنه الضمانة لخروجهم من نفق التقسيم والمحاصصة الطائفية.
وعندما تنفس العراقيون الصعداء بطي صفحة سوداء من تاريخهم برحيل الاحتلال عن بلادهم فإنهم قلقون من الصفحات التي بقيت مفتوحة، خصوصا الأمن والمصالحة الوطنية، ومحاربة الفساد والحفاظ على ثرواتهم، وتجنيب العراق محاولات إضعافه وتقطيع أوصاله، وقبل ذلك إخفاق الطبقة السياسية في إدارة شؤون العراق.