مقابلة // …لافروف: الاسد يريد ان يقاتل حتى النصر النهائي، مثلما هي المعارضة
اجرت وكالة “نوفوستي” وصحيفة “موسكوفسكيه نوفوستي” ومجلة”روسيا في الشؤون الدولية ” يوم 8 نوفمبر/تشرين الثاني مقابلة مع سيرغي لافروف وزير خارجية روسيا، وطرحت عليه بعض الاسئلة حول القضايا الدولية ومن بينها القضايا العربية، وبالاخص حول الازمة السورية.
اليكم النص الكامل للمقابلة:
س – ماذا يعني فوز اوباما في الانتخابات الرئاسية الامريكية بالنسبة لروسيا؟
ج – ان هذا هو اختيار الشعب الامريكي ويعبر عن ارادة الناخبين.
لقد قرأت الكثير عن انتهاكات حقوق الناخبين. ولكن ليس هناك من يشك في صحة النتائج المعلنة للانتخابات. من جانبنا سنستمر طبعا بالعمل مع الادارة التي من المتوقع ان تجرى عليها بعض التغيرات. فمثلا ان هيلاري كلينتون اعلنت بانها ستترك منصبها كوزيرة للخارجية الامريكية، وهذا ما اكدته لي في اثناء انعقاد قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي (أبيك).
نحن على استعداد للعمل مع الولايات المتحدة الامريكية على اسس المساواة والفائدة المتبادلة والاحترام المتبادل. لدى بلدينا عدد من الاهتمامات المتطابقة، وفي نفس الوقت هناك اختلافات في بعض المسائل، وهذا امر لا يمكن الاستغناء عنه. نحن مستعدون لتعميق التعاون بالقدر الذي تكون الادارة الامريكية مستعدة له.
س – احيانا يتكون انطباع، بانه دون النظر الى شخصية رئيس الولايات المتحدة ووزير خارجيتها، نبقى ندور حول مسائل تناقش منذ عدة سنوات. ولكن حاليا هناك جدول عمل جديد غير مرتبط بموروث الماضي. وتظهر مشاكل جديدة في آسيا ومنطقة القطب الشمالي. هل نحن مستعدون لطرح جدول عمل جديد، وهل الجانب الامريكي مستعد لمناقشته؟
ج – عمليا نحن نناقش هذا الامر. ومنذ امد بعيد لا تنحصر العلاقات الروسية – الامريكية في حساب الرؤوس النووية القتالية، على الرغم من ان معاهدة “ستارت – 3 ” هي وثيقة مهمة ونحن نرضى بالطريقة التي تنفذ فيها عمليا، وكذلك الجانب الامريكي كما اعتقد. ان العلاقات الروسية – الامريكية اغنى من ذلك بكثير. فخلال لقاء الرئيسين بوتين واوباما في يونيو/حزيران من السنة الجارية في لوس كابوس، كان التركيز على ضرورة تعزيز العلاقات الاقتصادية. انه من المخجل ان يكون التبادل التجاري والاستثمارات بهذا الحجم. لقد اقترح الرئيس بوتين التفكير بخلق آلية تسمح بمتابعة مشاكل المناخ الاستثماري، التي تواجهها الشركات الروسية في الولايات المتحدة، والشركات الامريكية في روسيا. وبسبب الحملة الانتخابية لم يحصل أي شيئ محدد بهذا الخصوص، ولكن مازال المقترح على جدول العمل، وحال تشكيل الادارة الامريكية الجديدة وتكون مستعدة للعمل، سوف نعود الى هذا الموضوع.
يلاحظ وجود بعض التقدم في العلاقات الروسية – الامريكية في تلك الاتجاهات التي عمليا كانت غائبة لزمن طويل، مثل الاتصالات بين الناس. لقد وقعنا على اتفاق لتخفيف شروط الحصول على تاشيرات الدخول لرجال الاعمال والسياح. وهنا اريد ان اشير الى اتفاقية التعاون في مسألة تبني الاطفال التي اصبحت سارية المفعول منذ اسبوع. ان هذه المسألة كانت ومازالت تثير الرأي العام. وانا آمل ان يسمح تنفيذ هذه الاتفاقية ازالة الحدية والتخلص من التصريحات العاطفية. المهم هنا وضع الاطفال في العائلة وكيف يعاملون.
وبالتاكيد ان اللجنة الرئاسية الروسية – الامريكية هي العامل المنظم للعلاقات الروسية – الامريكية. تشمل هذه اللجنة حاليا 21 لجنة عمل في مختلف المجالات، من مجال الزراعة الى مجال الفضاء ، ومن مكافحة الارهاب الى تقدم الابتكارات. ان هذه آلية مفيدة جدا. فبعد انتهاء الحملة الانتخابية في امريكا، سوف نعمل بهدوء ونريد تنشيط العمل، الذي كان في الفترة الاخيرة سلبيا. ان هذه الآلية هي فعلا مفيدة جدا، حيث لم يكن مثلها في السابق. لقد بدأت اللجنة الرئاسية نشاطها(آنذاك) برئاسة البرت غور وفيكتور تشيرنوميردين، ولكن كان نشاطها محصورا في المجال الاقتصادي فقط. أما حاليا فعمليا يشمل عمل اللجنة كافة مجالات العلاقات الثنائية، ومن بينها القضايا الدولية.
اعتقد ان كل هذا يشكل دافعا لتعميق العلاقات في كافة الاتجاهات، وليس تحديدها بمشاكل الامن الدولي والتوازن الاستراتيجي. وبالتأكيد ان منطقة آسيا والمحيط الهادئ تجذب الاهتمام اكثر فاكثر، حيث اعتبرها الرئيس اوباما منطقة الاهتمامات الجغرافية والجيوسياسية الرئيسية تقريبا. ونحن من جانبنا اكدنا على اهميتها بانعقاد قمة “ابيك” في مدينة فلاديفوستوك(في روسيا) هذه السنة، وبرهنا على رغبتنا في دمج منطقتي الشرق الاقصى وسيبيريا الشرقية الروسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، واستخدام قدراتها في تسوية المسائل الداخلية لتطوير هذه المناطق الروسية، الى جانب مساهمتنا في عمليات التكامل في هذه المناطق بمختلف اشكالها. نحن نناقش هذه الامور مع الزملاء الامريكان، ولقد تكلمت حول هذا الموضوع مع هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية في اثناء قمة “ابيك” بمدينة فلاديفوستوك.
لدى بلدينا مصلحة مشتركة في تطوير آلية جديدة للتعاون مثل عقد لقاءات القمة لبلدان شرق آسيا بمبادرة من الدول الاعضاء في منظمة “اسيان” وشركاءهم الاساسيين. لقد بدأت روسيا وامريكا حضور هذه اللقاءات قبل سنتين فقط. ويعرض جدول العمل اختيارات واسعة، حيث يمكننا التعاون بصورة مثمرة. وتشمل المواضيع منع انتشار الاسلحة النووية ومكافحة الارهاب وانتشار المخدرات والقرصنة التي تعتبر مشكلة جدية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتعاون في مختلف المجالات الاقتصادية – الاجتماعية.
كما اننا نشارك في الفعاليات السنوية ضمن اطار منتدى “اسيان” بشأن الامن. وان مجلس وزراء دفاع دول “اسيان” وشركائهم الذي تشارك فيه روسيا وامريكا هو احدى ادواته.
يظهر لنا انه آن الاوان لكي ندرس بجدية وضع افاق الامن الجماعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تخلو من ذلك حاليا. ففي اوروبا هناك منظمة الامن والتعاون الاوروبي، على الرغم من هشاشتها، التي تضم كافة الدول الاوروبية والاطلسية. اما في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فلا وجود لمثل هذه “المظلة”. هنا تتطور “اسيان” بالاعتماد على ضرورة وضع مبادئ التعاون بصورة مشتركة، ونحن ندعمها. كما تعمل احلاف عسكرية – سياسية بمشاركة الولايات المتحدة وحلفائها المقربين كاليابان وكوريا الجنوبية واستراليا. ان ما يهمنا ان التزامات هذه الاحلاف لا تشكل ضررا لامن المنطقة عموما. وهذا ما يظهر في نشر عناصر منظومة الدرع الصاروخية الامريكية في اسيا كما في اوروبا، والتي ستشكل خطرا على دول المنطقة الاخرى. حول هذه الامور يجب ان نتكلم بصراحة.
س – لقد عدتم الان من الشرق الاوسط حيث ادليتم بتصريحات حادة وجدية ومن بينها تقييم القرار الذي يعد لمجلس الامن الدولي حول سورية. ماهو السبب الاول لمثل هذه التصريحات؟
ج – لغاية هذا الوقت لم يعد أي قرار. ولكن دائما يلوموننا، لان روسيا تقف ضد اتخاذ أي قرار بشأن سورية في مجلس الامن الدولي. عن أي قرار الحديث؟ الجواب واضح. قرار يهدد باستخدام العقوبات ضد الجانب الذي لا يوافق على وقف العمليات الحربية. ويقول شركاؤنا الذين يلوموننا، بانه دون أي خيار وفي جميع الاحوال على بشار الاسد التنحي، ويجب على المعارضة الاستمرار في مقاومته. ويعلنون بكل صراحة ان المعارضة ستستمر في استلام المساعدات المالية والعسكرية من خلال توريد الاسلحة لها.
نحن نريد ان نفهم كيف يمكن ربط الدعوة لاتخاذ قرار موجه الى كافة اطراف النزاع في سورية يتضمن وقف اعمال العنف، بتصريحات المعارضة بضرورة تنحي الاسد دون قيد او شرط، على ان تستمر المعارضة في الحصول على الدعم الدولي لغاية بلوغ هدفها المنشود. ليس هناك أي جواب على هذا السؤال. من هنا نستنتج انهم يحاولون جرنا الى مناقشات في مجلس الامن الدولي، التي سينتج عنها دعم مجلس الامن الدولي لاحد اطراف النزاع. لقد عشنا هذا الشيئ ونعرف كيف يستخدم شركاؤنا تحريف قرار مجلس الامن الدولي وكيف ينفذون ما لا يسمح به القرار. لذلك فان هذا الوضع معروف لنا جيدا.
لقد تحدثت عن ذلك في مصر والاردن، لان موضوع سورية كان احد المحاور الرئيسية في المباحثات مع الرئيس المصري محمد مرسي ووزير الخارجية ومحمد عمرو ونبيل العربي الامين العام لجامعة الدول العربية والاخضر الابراهيمي المبعوث المشترك للمنظمة الدولية وجامعة الدول العربية الى سورية. اما في الاردن فقد التقيت الملك عبدالله الثاني وناصر جودة وزير الخارجية وكذلك رئيس وزراء سورية السابق، المعارض حاليا رياض حجاب المقيم حاليا في عمان. لقد اجريت معه لقاء، كما نلتقي كافة المعارضين السياسيين في موسكو، من اجل حثهم على تنفيذ القرارات التي تم التوصل اليها في لقاء جنيف في 30 يونيو/حزيران من السنة الجارية، بحضور الاعضاء دائمي العضوية في مجلس الامن الدولي وجامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي وتركيا وسورية وكوفي عنان المبعوث المشترك للمنظمة الدولية وجامعة الدول العربية الى سورية انذاك. ان الهدف من ذلك هو اجبار الجميع – الحكومة والمعارضة – على وقف اعمال العنف والجلوس الى طاولة الحوار من خلال ممثليهم والاتفاق على مؤشرات عمل ما يسمى بـ “السلطة الانتقالية في سورية” وتركيبتها على اساس الاتفاق المتبادل. هذا ما تضمنه البيان الختامي للقاء جنيف.
ان هذا هو ما نبحثه خلال اتصالاتنا مع الحكومة ومع المعارضة، حيث نطلب منهم نفس الشيئ تماما. ولكن للاسف ان بعض المشاركين في لقاء جنيف لا يرغبون في التباحث مع الحكومة، وبالمقابل يقولون للمعارضة “انتم على حق واستمروا حتى النصر نهائيا”.
لقد تحدثت مرارا عن هذا الامر، فاذا كانت الاولوية لوقف اعمال العنف، فانه من دون أي قرار يجب تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في جنيف. ان على كل لاعب خارجي ان “يضغط” على ذلك الطرف الذي يمكنه التأثير فيه. من الضروري ان نقوم بذلك في وقت متزامن وجدية واجبارهم على وقف اطلاق النار. انا واثق ان هذا في استطاعتنا. ولكن هذا ممكن فقط اذا كانت الاولوية هي حماية ارواح السوريين.
اما اذا كانت الاولوية مجازا هي “رأس بشار الاسد” وتنحيه او اسقاطه، فان اصحاب هذا الموقف يجب ان يدركوا انهم سيدفعون ثمن ذلك، ولكن ليس حياتهم بل حياة السوريين. لان الاسد لن يتنحى ولن يرحل. اذ لا يمكن اقناعه باتخاذ مثل هذه الخطوة. وهو يسمع كيف يوصف من قبل زعماء الغرب وبعض الدول العربية والدول المجاورة التي تهدد بكل ما هو ممكن. انه يريد ان يقاتل حتى النصر النهائي كما المعارضة. الغرب يحث المعارضة على ذلك، اما الاسد فقد اتخذ قراره بنفسه والقتال حتى النصر النهائي، على الرغم من انه لن يكون هناك نصر. امس استمع مجلس الامن الدولي الى تقرير سكرتارية الامم المتحدة حول الوضع في سورية، المتضمن النتائج التي توصل اليها الاخضر الابراهيمي في هذه المرحلة، والتي تفيد بان طرفي النزاع ينويان الاستمرار في القتال حتى النصر النهائي.
ويستنتج الابراهيمي بانه لن يكون هناك أي انتصار. وهذا يعني ان الحرب ستكون حرب استنزاف وقتل الناس وتدمير القيم الثقافية والاثار والمعالم المعمارية التاريخية في حلب التي تقع تحت حماية منظمة اليونسكو. هذا كل ما يمكن قوله حول الموضوع.
يجب ان يكون الجميع صادقين وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. واذا ليست هناك رغبة باجبار طرفي النزاع على تنفيذه في نفس الوقت، وتغييرها بالدعوة الى اتخاذ قرار، فاننا ندرك عن أي قرار يدور الحديث، او الصورة التي سوف يستخدمها اصحاب القرار في تنفيذه. عن هذا الامر نتحدث بصراحة الى شركائنا.
انا لا اعتقد انها كانت تصريحات حادة كما قلتم. بل هو موقف صادق وواضح. نحن لا نريد التحفظ في الكلام، ولهذا نقول رأينا بصراحة حول القرار. اما شركاؤنا فانهم يخفون موقفهم، من خلال قولهم ان روسيا لا تريد الموافقة على القرار. ويبدو هذا وكأنه امر جدي، حيث ان هناك رغبة لاتخاذ القرار وليس هناك ما هو سئ في الامر، الا ان روسيا لا تريد ذلك. في الحقيقة هو كما ذكرته انا.
س – موقفنا من النزاع السوري واضح جدا ومنطقي ولقد وضحتموه مرات عديدة، ولكن لا يفهم من قبل اكثر البلدان الاسلامية، الا تظهر مثل هذه الحالة؟ الا نفقد علاقاتنا التقليدية الجيدة مع العالم الاسلامي، اخذا بالاعتبار العمليات المعقدة التي تجري في داخل روسيا؟ هل لدينا فكرة واضحة عن الاهداف الاستراتيجية لعلاقات روسيا مع العالم الاسلامي؟
ج – انا لا اشعر بوجود برود في علاقات روسيا مع العالم الاسلامي بسبب الاوضاع في سورية. ان اتصالاتنا مع بلدان العالم الاسلامي لم تتقلص. ان موضوع سورية في المحافل الدولية مسيس جدا. وتجري عمليات كامنة لايرغب الحديث عنها سوى اقلية فقط، لانها قبل كل شيئ تمس الاوضاع داخل العالم الاسلامي نفسه. لا اريد الخوض في التفاصيل، ولكن هذه العمليات تقلقنا، لانها قد تؤدي الى انقسام المسلمين.
ان محاولة مذهب ما السيطرة على الجميع او حثهم على ذلك لن تؤدي الى نتائج ايجابية. حول هذا الامر يتحدث بقلق كبير كافة محادثينا، ومن بينهم من بلدان الشرق الاوسط وغيرها من البلدان الاسلامية.
اعتقد انه آن الاوان لاتفاقية عمان التي صادق عليها الملك عبدالله الثاني، الذي جمع عام 2005 كافة علماء الدين الرئيسيين. الوثيقة اقرت بان كافة المسلمين اخوة وتضمنت تأكيدات سياسية مهمة وضرورة تجنب التحارب داخل احد الاديان الكبيرة. ولكن هناك اناس يعملون بموجب مبادئ اخرى، وهذا امر مؤسف.
اعود الى السؤال الاساسي واقول، انه لم تنقطع اتصالاتنا مع الزملاء في البلدان الاسلامية. فهم يزوروننا بشكل منتظم كما في السابق. فمثلا في هذه السنة فقط استقبلت زملاء من البحرين والامارات العربية المتحدة والعراق. كما زار رئيس وزراء العراق روسيا واجرى مباحثات مع الرئيس فلاديمير بوتين ودميتري مدفيديف رئيس الحكومة. وكان بوتين قد التقى على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون الرئيس الافغاني حامد كرزاي، ويخطط لاتصالات مماثلة في السنة القادمة، أي الحوار مستمر.
حتى انه خلال الحديث مع ممثلي المعارضة السورية، يوضحون موقفهم ووجهة نظرهم وثقتهم بان روسيا يجب ان تبقى في الشرق الاوسط، وهذا عامل اتزان في المنطقة، بامكانه ضمان الاستقرار والشعور بالارتياح لدول المنطقة. وانا اعتقد ان هذا صحيح. وفي واقع الامر نحن لا نقوم بتعليم احد ولا نعطي دروسا لاحد. وهم يثمنون هذا، واننا نتباحث معهم من خلال الاحترام المتبادل وعلى قدم المساواة. وبالذات هذا ما نسعى اليه في عملنا مع كل من هو مستعد لذلك.
س – يتولد شعور بأن الغرب بدأ خلال الاسبوعين الماضيين بتغيير ملحوظ في علاقته تجاه المعارضة السورية. إذ من جهة تطلق صرخات خيبة الأمل من استحالة توحيدها، ومن جهة آخرى تنمو المخاوف من تقدم مراكز قوى غير تلك التي وضع عليها الرهان في صفوف خصوم الأسد منذ البداية. هل قد يغير ذلك من موقف الغرب بشكل أو بآخر؟
في أثناء الزيارة أعربتم عن تأييدكم لفكرة “الرباعية” الإقليمية التي تضم جيران سورية وأكثر الدول المنجذبة للنزاع. فهل تعتقدون في واقعية جمع السعودية وإيران في هيئة واحدة؟
ج – مما لا شك فيه أننا نعتقد في ضرورة توحد المعارضة على قاعدة الاستعداد لتنفيذ دعوة “مجموعة عمل” جنيف. حتى الآن مازالت تجرى المحاولات لتوحيدها على أرضية الصراع مع بشار الأسد حتى النصر. وهو أمر غير صائب.
في الواقع يتغير نهج ومسلك الممولين الإقليميين والغربيين تجاه المعارضة، وكذلك تجاه الأشكال التي قد يأخذها هذا التوحد المنشود. فالأمريكيون، كما هو معروف، قالوا أنهم يعتقدون بأنه لا ينبغي أن يترأس هذه العملية المجلس الوطني السوري، الذي يلقى دعم بعض دول الإقليم كتركيا وقطر.
في هذه الأيام يجري إجتماع الدوحة الذي يحضره المجلس الوطني وغيره من المجموعات، ولكن ليس كل الأطياف، على سبيل المثال أكبر هيئات معارضة الداخل، الموجودة في الجمهورية العربية السورية – هيئة التنسيق الوطني رفضت في أخر لحظة السفر إلى الدوحة.
أعتقد أن جهود الممولين الخارجيين للمعارضة الرامية لتوحيدها ستتواصل وستشغل بعض الوقت. نحن نحاول التأثير على هذه العملية. ولا نشارك في هذه الفعاليات، ولكننا نلتقي بصورة فردية مع أطرافها في روسيا (من المنتظر أن يأتي إلينا قريبا في زيارة قادة هيئة التنسيق الوطني) وفي الخارج (لقائي بالأمس في عمان مع رئيس الوزراء السابق رياض حجاب)، محاولين دفعهم للحوار مع الحكومة. ويجب التوحد على هذا الأساس بالذات. ما زالت لدى أغلب المعارضين تنطلق تعويذة تقول أنه لا حوار ولا مفاوضات مع بشار الأسد. وإذا كان الأمر على هذه الصورة، فإننا نعود مجددا للمنطق الذي تحدثتم عنه بالفعل.
نرى أن المبادرة لابد وأن تأتي من دول الإقليم، حيث تعيش الشعوب التي لها إخوة مع السوريين. والجامعة العربية التي حاولت بجد معالجة الأزمة السورية، على الرغم من عدم خلو ذلك من التحيز، لم تعد تُسمع أو تُرى. لقد سألت نبيل العربي أمين عام الجامعة العربية عن السبب في هذه السلبية، فقال أن الجامعة العربية ترى أن المبادرة المصرية لابد وأن تعمل لوقت ما. ونحن متفقون مع ذلك. فمصر والرئيس محمد مرسي شخصيا طرح فكرة معقولة ومناسبة على أن تشكل مصر والسعودية وتركيا وإيران مجموعة مماثلة، يكون من شأنها صياغة مبادرة لتخطي الأزمة السورية.
أعتقد أن التشكيل المقترح مناسب جدا. على الأقل هذا المقترح يقوم الخطأ الذي نتج لدى الإعداد للقاء جنيف، حيث لم تتم دعوة إيران والسعودية بسبب الموقف الأمريكي، في حين أصرت روسيا على دعوتهما. وهنا تعالج المبادرة المصرية هذا التقصير.
في لقائي مع الرئيس محمد مرسي في القاهرة أوضحت الموقف الروسي المؤيد لهذا الإقتراح. وهو أكد بدوره أنه مازال حيويا وانه مازال يحتفظ بقوته، وأن هذه المجموعة من الدول الإقليمية الأربع تعد بمثابة “النواة” التي من شأنها أن تنمو لتضم مشاركين آخرين. كما ذكر أنه مهتم في إنضمام روسيا إلى المبادرة. وهو ما يمكن التفكير فيه.
بالطبع في حال الإنضمام، فإنه لن يكون إنضماما فرديا، ولكن مع بعض من دول الغرب، وبالقطع مع الصين، ويكون من المثالي أن يعمل الأعضاء الخمس دائمو العضوية في مجلس الأمن مع هذه “الرباعية” الإقليمية. ولكن “الرباعية” ما زالت غير قادرة على عقد إجتماعات دورية بكامل تشكيلتها. إذ كما ذكرتم لدى المملكة العربية السعودية خلافات بخصوص الإتصال مع الإيرانيين. وأعتقد هنا يجب التخلص من الغمامات الأيديولوجية. فمن الصعب حل المشكلة السورية بدون إيران، كما هي الحال بدون السعودية وتركيا ومصر، ودون جيران سورية ودول آخرى عديدة. وهنا تأتي أهمية التوافق الذي تم التوصل إليه في جنيف والذي تدعمه كل من السعودية وإيران على الرغم من غيابهما عن لقاء جنيف، حيث أنه جمع جميع من له تأثير على الوضع من الخارج. إذا استطعنا تفعيل هذه القدرة الضخمة، حتى نقّوم الوضع ونجبر الأطراف على البدء في حوار سياسي، ونحول الوضع إلى مجرى التفاوض، فإننا سننجز خطوة مفيدة أولى.
ليس هناك من ضمانات أن الطرفين المتنازعين سيتفقان. خصوم هذا المسلك يقولون أن على بشار الأسد الرحيل أولا، ويؤكدون أن كل ذلك ليس له من آفاق، لأنه إذا بقي بشار الأسد وأجرى أحد من حكومته مفاوضات مع المعارضة فإنه سيكون لديهم حق الفيتو. نعم، سيكون لديهم حق الفيتو، لأن بيان جينيف ينص على أن المنتج الختامي لهذه المفاوضات يجب أن يكون التوافق الشامل العام. ولكن سيكون لدى المعارضة أيضا حق الفيتو. وطالما لم نستطع إجلاسهم خلف طاولة التفاوض، فلن نفهم ، هل هناك فعلا إمكانية لتحقيق هذه الفرصة ام لا.
س– يلوح عام 2014 في الأفق، ويقترب معه موعد قيام الوحدات الدولية بإخراج الجزء الأكبر من قواتها من أفغانستان. في هذا الصدد تتحول بؤر التهديدات كلها إلى منطقة آسيا الوسطى التي تعد بالنسبة لنا غاية في الحيوية، فكيف تقيمون جدية تواجد روسيا في هذ المنطقة ، بعد زيارة الرئيس بوتين إلى طاجيكستان وقيرغيزيا، التي اكدت التواجد العسكري الروسي هناك. وهناك اختلاف في الآراء بين نخب وسط آسيا حول ما اذا هذه الخطوة تشكل تهديدا للإقاليم، بحجة أن لدى القيادة الروسية تتولد نزعات إمبراطورية، وأن موسكو تعود عبر القوة إلى المنطقة . كيف سيكون ردكم على هذا السؤال أخذا بعين الإعتبار، انه بحسب وسائل الإعلام فان روسيا مستعدة للمساهمة ليس بالأموال ولكن بالسلاح وإعداد الكوادر بمبلغ مليار دولار لإعادة تجهيز وتسليح القوات المسلحة القيرغيزية؟
ج – من يرغب في “تعكير المياه” كثيرون، ليس فقط في هذه البلدان، روسيا لم تثبّت هناك تواجدها العسكري، لأنه كان موجودا هناك بالفعل منذ سنوات طويلة مضت بناء على طلب الدول المذكورة. لقد إتفقنا على شروط تمديد تواجد قواعدنا العسكرية على أراضي طاجيكستان وقيرغيزيا. وهذه القواعد تلبي قبل كل شئ مصالح الأمن لقيرغيزيا وطاجيكستان، وكذلك الدول الآخرى التي تقع على الحدود الجنوبية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وبالطبع، تلبي، لأسباب مفهومة، المصالح الأمنية لروسيا، فمخاطر وتهديدات الإرهاب وتجارة وتهريب المخدرات تأتي إلينا من أفغانستان عبر آسيا الوسطى، ثم بعد ذلك إلى أوروبا. وهنا نحن نعمل كذلك بدرجة معلومة على تقليل تهديدات الأمن الأوروبي.
لا أرى من دواعي أو أسباب، لمح من خلالها جزء من النخب الإقليمية في إتفاقياتنا معنى أو غرضا خفيا، لأنه بالإضافة إلى تمديد فترة بقاء القواعد العسكرية الروسية على أراضي هاتين الدولتين، فقد وقعنا مع قيرغيزيا عدد من الإتفاقيات المتصلة بالتعاون في مجال الطاقة الكهرومائية والطاقة الكهربائية وفي مجال القطاع المالي الإئتماني.
وليوضح لنا المشككون أو أولئك الذين يعربون عن مخاوفهم من وجود “نوايا خفية” وراء هذه الإتفاقات، بأي شكل تدعم الإتفاقيات الرامية لتنمية وتطوير إقتصاد قيرغيزيا وحل المشاكل المالية الإئتمانية هذا الجزء أو ذاك من النخبة؟ أعتقد أن كل شئ يجب أن يكون واضحا وجليا، في أن ذلك يصب في مصلحة جميع فئات الشعب القيرغيزي والدولة. ومثل ذلك ينطبق على علاقات روسيا وطاجيكستان، فبلدينا حليفان، ولدينا إلتزامات شراكة متبادلة.
بالفعل عام 2014 ليس بعيدا، عندما ستخرج قوات دعم الأمن الدولية من أفغانستان بعد إنجاز مهمتها- التي يتوجب إثبات إنجازها (برأي هذا الأمر لا يمكن تأكيده). سيتبقى هناك تواجد عسكري أمريكي في شكل، على ما يبدو، ست قواعد عسكرية ضخمة يبلغ تعداد افرادها حوالي 25 – 30 ألف عسكري. وهذه وحدات عسكرية كبيرة.
نحن نريد أن نفهم، إذا كانت مهمة القضاء على التهديدات الصادرة من أفغانستان تعتبر منجزة، وسيتم خروج الوحدات، فإنه يتوجب في البداية إعلام مجلس الأمن الدولي، الذي أصدر قرار تواجد المهمة هناك بذلك. ثانيا، ما الغرض من بقاء هذه القواعد الأمريكية الضخمة المجهزة؟ حتى اللحظة لم نحصل على إجابة عن هذه التساؤلات، على ما يبدو، كان الزملاء الأمريكيون مشغولين بالحملة الإنتخابية. لكن من الضروري الحصول عليها، لأن الحديث يدور حول منطقة تلتقى فيها مصالح متعددة متشابكة.
نحن يهمنا ويقلقنا قبل كل شئ مصالح روسيا الاتحادية ومصالح حلفائنا الذين يعيشون في هذه المنطقة . إن هذه القواعد والمساعدة الفنية العسكرية ستتم مواصلة تقديمها لقيرغيزيا وطاجيكستان، إذ أنها كانت تقدم على مدار جميع هذه السنوات، مع توجيهها لتفيذ الإلتزامات المتبادلة، المسجلة في المادة الرابعة من معاهدة الأمن الجماعي. فهي تنص على أننا نلتزم بالذود والدفاع عن سيادة واستقلال ووحدة أراضي الدول أعضاء منظمة معاهدة الأمن الجماعي. لذلك فإن التكهنات القائلة بإعداد بديل للوحدات الغربية في أفغانستان من صفوف قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي، غير جادة حتى بالنسبة لأولئك الذين يدركون أقل القليل في السياسة ويفهمون الوضع في المنطقة .
س – قبل فترة كنتم في زيارة باكستان. ويحتمل تم خلال المباحثات التطرق ايضا الى تعزيز الدور الروسي والباكستاني في المنطقة. هل نتوقع تكون علاقات ثقة بين موسكو واسلام آباد حتى بشأن المسألة الافغانية؟
ج – نحن منذ زمن بعيد نبني مع باكستان علاقات وطيدة. بدأنا بذلك حتى قبل بروز الاختلافات بين اسلام ىباد وواشنطن. اعتقد ان استخدام طائرات دون طيار دون اذن مسبق من دولة ذات سيادة لضرب اهداف على اراضيها، هو انتهاك للقانون الدولي.
نحن لا نطور علاقاتنا مع باكستان ضد جهة ما، ولا ضد الولايات المتحدة، بل في بهدف اعادة علاقات التعاون المتشعبة بيننا، وقبل كل شيئ نريد اعادتها في مجال التجارة والاقتصاد. الباكستانيون يرغبون بتحديث مجمع كاراتشي للميتالورجيا الذي بني في العهد السوفيتي من قبل الشركات الروسية.
بالتأكيد ان باكستان هي احدى الدول الاساسية التي بدونها لا يمكن تسوية مسألة الجهود الخارجية المبذولة لاستقرار افغانستان. نحن من جانبنا ندعم الحوار الباكستاني – الافغاني، الذي لم ينقطع على الرغم من وتائره ونتائجه المختلفة. كما اننا ندعم الحوار بين الهند وباكستان وتطبيع العلاقات بين هاتين الدولتين الكبيرتين في جنوب اسيا. حاليا تلوح في الافق بشأن المسألة الافغانية حالة تشير الى انكافة دول المنطقة بشكل او آخر يمكنها التأثير في العمليات الافغانية، وهي تساهم في منظمة شنغهاي للتعاون (كاعضاء او مراقبين). يجب الاستفادة من هذا العامل. وتوجد ضمن منظمة شنغهاي للتعاون لجنة اتصالات بشأن افغانستان، شكلت في اثناء مشاركة الرئيس الافغاني في قمة المنظمة كضيف خاص. ومنذ عام 2012 حصلت افغانستان على صفة عضو مراقب في منظمة شنغهاي للتعاون الى جانب كل من الهند وباكستان وايران ومنغوليا.
ان هذا الامر يفتح امكانيات اضافية، لان بلدان وسط اسيا وروسيا وعمليا كافة الدول المجاورة لافغانستان كلها مرتبطة بمنظمة شنغهاي للتعاون. واذا ما اخذنا بالاعتبار تركيا ايضا التي تشارك في الحوار، فسوف نحصل على تركيبة مثيرة للاهتمام. هناك ادراك عام مشترك، بضرورة تنشيط المنظمة بهدف تقديم مقترحات جماعية باسم المنطقة، بحيث تكون مقبولة من الجانب الافغاني، والتي هي مهمة ايضا لمرافقة العمليات الجارية في افغانستان من الخارج.
س – يبدو من تقاليدنا الوطنية، ان علاقاتنا مع الشركاء تبين اننا نريد ان تكون مه السلطات الرسمية فقط . ولكن احداث سورية تشير الى ان امكانية تأثيرنا في الاوضاع كانت تكون اكبر لو كانت لدينا علاقات مع المعارضة السورية. هل يمكن ان نتوقع اهتمام موسكو اكثر بالمعارضة السياسية بين شركائنا ومن بينها بلدان رابطة الدول المستقلة؟ ام ان هذا موقفنا المبدئي، ونتعامل فقط مع الذين نعرفهم؟
ج – نحن لا نعمل ضد السلطات في أي مكان. هذا هو المبدأ في العلاقات الدولية ونحن نلتزم به. وفي نفس الوقت نحن نطور اتصالاتنا مع النشطاء السياسيين الذين ليسوا ضمن الدوائر الحاكمة، في اغلب البلدان ومن ضمنها بلدان رابطة الدول المستقلة كانت اوكرانيا او من دول اسيا الوسطى. وهذا امر اعتيادي اذا كان السياسيون يعملون ضمن مواد دستور بلدهم، كانوا معارضين او انهم يستعدون للانضمام الى السلطة. يمكن ان تكون هناك خيارات مختلفة، حيث لايوجد ما يمنع ذلك، بل على العكس نحن نشجع بقوة سفرائنا والعاملين في السفارات والقنصليات للقيام بمثل هذه الاتصالات.
نحن فعلا نريد تعزيز العلاقات بين الناس في بلدان رابطة الدول المستقلة، ونريد خلق ظروف مريحة من اجل ذلك. هنا من الضروري مشاركة جميع شرائح المجتمع في الحوار.
عندما انفجرت الازمة السورية وبدأت الاضطرابات والمواجهات واستخدام القوة بصورة لا تتناسب دائما مع اعمال العنف (القوة تولد قوة)، وعندما بدا دوران اللولب على الساحة السياسية، ظهر المعارضون، عندها تبين عمليا اننا نعرف الجميع. ولم يكن هناك أي عائق للاتصال معهم. اغلبهم كانوا من “الخلايا النائمة” ولم تصدر عنهم أي تصريحات سياسية سابقا ويسكنون في اوروبا وامريكا وفي بلدان اخرى. لقد عملنا مع المعارضين الموجدين في داخل سورية. فمثلا ان قدري جميل نائب رئيس الوزراء الحالي هو من ضمن هذه المعارضة، وهو حاليا ضمن التركيبة الوزارية. نحن نعرفه منذ عشرات السنين. ويمكن قول نفس الشيئ بحق حسن عبدالعظيم رئيس هيئة التنسيق الوطنية والمقيم في سورية، في حين يعيش هيثم مناع في باريس.
ان مهمة سفراؤنا هي تطوير كافة اشكال الاتصالات، ولكننا لا نستخدمها في اشعال الفتن. اننا فقط نستلم المعلومات وندعم الاتصالات. اعتقد ان هذا مفيد.