السياسة الخارجية لواشنطن تواجه أوضاعاً مألوفة بعد فوز أوباما
تعتبر الصين نفسها القوة العظيمة التي ستحكم العالم في المرحلة المقبلة بعد إثبات رؤيتها القديمة القائلة، إن المئتي سنة الماضية شهدت خللاً في التاريخ البشري. توشك هذه المملكة الوسطى على استرجاع موقعها الطبيعي.
من الشائع في بعض وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية أن يتم تحليل بعض الدلالات الرمزية المعبرة نتيجة تزامن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في 6 نوفمبر مع بداية عملية تنصيب جيل خامس جديد من قادة الحزب الشيوعي الصيني في 8 نوفمبر.
يُقال إن تقارب هذين الحدثين يمثل انتقال العالم إلى نظام دولي جديد.
لقد انتهت حقبة الهيمنة الأميركية الأحادية الجانب بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
بدأت قوى أخرى تظهر على الساحة الدولية تزامناً مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة نسبياً.
تعتبر الصين نفسها القوة العظيمة التي ستحكم العالم في المرحلة المقبلة بعد إثبات رؤيتها القديمة القائلة، إن المئتي سنة الماضية شهدت خللاً في التاريخ البشري. توشك هذه المملكة الوسطى على استرجاع موقعها الطبيعي.
قد يكون ذلك صحيحاً. لكن يبدو أن التحديات المحلية والخارجية التي يواجهها قادة الصين الجدد هي أكثر عمقاً وخطورة من تلك التي تواجهها الولايات المتحدة.
في مطلق الأحوال، تعتبر واشنطن أن موقف الصين العدائي تجاه الدول المجاورة لها، ولاسيما اليابان وفيتنام والفلبين، بسبب نزاعات على الأراضي هو موقف محفوف بالمخاطر والشكوك.
حاول الرئيس باراك أوباما طمأنة حلفائه الآسيويين وهيّأ الجو اللازم لاحتواء الصين والالتزام معها بما يتماشى مع نزعة الولايات المتحدة إلى تحويل تركيزها من منطقة الأطلسي والشرق الأوسط إلى آسيا.
لكن يجيد الشرق الأوسط دوماً لفت الأنظار إليه. ما من حل سريع أو سهل للحرب الأهلية في سورية، حيث يطرح الوضع تهديدات متعددة الأوجه.
يسلط هذا الوضع الضوء على التحول السياسي الذي يحصل في أنحاء المنطقة وينتج حكومات مبنية على إيديولوجيا دينية في مصر وتونس، بينما تشهد بلدان أخرى تأثرت برياح الربيع العربي اضطرابات مستمرة كما في ليبيا واليمن.
تشهد سورية أيضاً حرباً بالوكالة بين إيران الشيعية التي تدعم حليفها السوري بشار الأسد والثوار المسلمين السنّة الذين يحصلون على التمويل والأسلحة من المملكة العربية السعودية والدول الخليجية الغنية بالنفط. لكن أحياناً لا يرضي العملاء طموحات داعميهم.
ستبقى إيران خطراً كبيراً على المنطقة. تشكّل سياساتها القمعية المبنية على الفساد والتعصب الديني وصفة مناسبة لاستمرار العدائية والانهيار الاقتصادي في وجه العقوبات الدولية المفروضة ضد برنامجها النووي.
سيبقى خيار شن ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية مطروحاً في واشنطن، ولاسيما إذا حصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على نسبة تأييد قوية في الانتخابات.
أثبتت الحرب السورية أيضاً أن تركيا هي قوة تزداد أهمية ونفوذاً، ولكنها تبقى طرفاً شائكاً في الشرق الأوسط وفي تعاملات أوروبا مع المنطقة.
طرحت أحداث سورية وإيران مجدداً أسئلة خطيرة حول فائدة الأمم المتحدة ومجلس الأمن كجهات تمثل الإرادة الدولية.
مع مرور الأيام، تضعف الحجة التي كانت تبرر استمرار حق النقض الذي مُنح للمنتصرين في الحرب العالمية الثانية في مجلس الأمن عند تأسيس الأمم المتحدة (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين).
نجحت موسكو، إلى جانب الصين التي أصبحت شريكتها الصامتة، في منع تنفيذ أي تدخل مهم من جانب الأمم المتحدة في سورية، حيث تملك روسيا قاعدة بحرية أساسية في طرطوس، وفي إيران حيث تتدخل بوتيرة أقل.
تملك واشنطن بعض المصالح الدائمة في الشرق الأوسط، مثل تحالفها الوثيق مع إسرائيل، لكن تشهد بعض عوامل الجذب الأخرى تغييراً واضحاً.
انتهى الدور القتالي الأميركي في العراق في عام 2010 وسينتهي هذا الدور في أفغانستان في عام 2014.
لقد حوّل أوباما “حرب الإرهاب” التي أطلقها جورج بوش الابن إلى حملة قتل خارج نطاق القضاء ضد ناشطين مشبوهين من “القاعدة”، وذلك عبر استعمال طائرات بلا طيار مزودة بالصواريخ في المناطق الخارجة عن القانون على حدود باكستان مع أفغانستان، وفي اليمن والصومال، وقريباً في شمال مالي حيث تفرض “القاعدة” سيطرتها.
من الملاحظ أن عامل الجذب القديم الذي كان يشدّ الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط (أي احتياطي النفط) لم يعد بالأهمية نفسها. فقد أصبح الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة (بمساعدة كندا) احتمالاً حقيقياً بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
في السنة الماضية، بلغت كمية النفط المستورد للمرة الأولى منذ 15 عاماً أقل من نصف الكمية المستهلكة في الولايات المتحدة. بحلول عام 2035، من المتوقع أن يساوي الغاز الصخري حوالي نصف كمية إنتاج الطاقة الأميركية.
لا يزال الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أهم الشركاء التجاريين للولايات المتحدة. لن تبقى العلاقة الأميركية المتداخلة مع قطاع الصناعات التحويلية الصينية العامل الحاسم في هذا المجال، بل إن علاقة الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي هي التي ستحدد مدى قدرة منطقة شمال الأطلسي على إطلاق حقبة جديدة من النمو الاقتصادي والابتكار والإدارات الفاعلة.
بحسب ما ورد في مذكرات وزير الدفاع الأميركي السابق دونالد رامسفيلد، إنها أمور معروفة صراحةً وضمناً. لكن دائماً ما تؤثر الأحداث المجهولة على مسار التاريخ.
ربما كان رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ماكميلان محقاً حين سُئل عن أكثر ما يخشاه فقال: “الأحداث هي أكثر ما نخشاه… الأحداث!”.