طريق باكستان إلى الصين

 

ستستمر باكستان في تلقي المساعدات الأميركية والبريطانية، لكن واشنطن ولندن تجدان صعوبة في التحرك السريع، هذا فضلاً عن الأصوات المطالبة في العاصمتين بمعاقبة باكستان وليس مساعدتها، بسبب أساليبها الملتوية المتمردة، وفي غضون ذلك تنتظر الصين بذراعين مفتوحتين.

إن المناسبات الضخمة تفضي في بعض الأحيان إلى عواقب استراتيجية غير مقصودة، ولقد تبين أن هذه هي الحال في أعقاب مقتل أسامة بن لادن في مجمع سكني في أبوت أباد، وهي مدينة شبه عسكرية بالقرب من إسلام أباد عاصمة باكستان.

والحق أننا عندما نعلم أن أشد الرجال المطلوبين في العالم خطورة كان يعيش لمدة ستة أعوام في بيت كبير على بعد خطوات من الأكاديمية العسكرية الباكستانية، إذ تدرب البلاد ضباطها، فإن هذا كاف لاستفزاز ردة فعل كان من المفترض أن يتوقعها الباكستانيون، ولكنهم لم يفعلوا، فقد فوجئت المؤسسة العسكرية والمؤسسة المدنية في البلاد وانزعجتا كثيراً إزاء مستوى الشكوك التي أثارتها الأحداث التي أدت إلى مقتل بن لادن- الذي يعتبره العديد من الباكستانيين «شهيدا»- بل إن هناك أيضاً مطالب شعبية متنامية بإعادة توجيه العلاقات الباكستانية مع العالم، وما لم يتحرك الغرب بسرعة فمن المرجح أن تفضي وفاة بن لادن إلى إعادة ترتيب أوراق السياسة العالمية على نحو خطير، وسيكون ذلك مدفوعاً جزئياً بتحول باكستان من المدار الاستراتيجي الأميركي إلى مدار الصين.

والواقع أنني مررت بتجربة شخصية فيما يتصل بمدى السرعة التي قد تتمكن بها الصين من التحرك عندما ترى «صديقها في السراء والضراء» (التعبير الذي استخدمه رئيس الوزراء الباكستاني يوسف جيلاني) في محنة شديدة.

ففي عام 1996، عندما كانت باكستان على شفا الإفلاس وفكَّرَت في الامتناع عن سداد ديونها، ذهبت إلى بكين بوصفي وزيراً لمالية البلاد طلباً للمساعدة. والواقع أن السنوات التي أمضيتها في الإشراف على عمليات البنك الدولي في الصين جعلتني على اتصال وثيق مع بعض من كبار قادة البلاد، بما في ذلك رئيس الوزراء آنذاك تشو روج جي.

ففي اجتماع في بكين، وبعد أن أبلغني تشو بأن الصين لن تسمح بإفلاس باكستان طوال بقائه رئيساً لوزرائها، أمر بوضع خمسمئة مليون دولار على الفور في حساب باكستان مع بنك الاحتياطي الفدرالي في نيويورك، ولقد مكن ذلك المبلغ باكستان من سداد فواتيرها بينما كنت مسؤولاً عن اقتصادها.

ويبدو أن الصين تبنت النهج نفسه اليوم في التعامل مع باكستان، في ظل تهديد الكونغرس الأميركي بقطع المساعدات عنها، وأخيراً قام جيلاني برحلة سريعة فوق جبال بكين، ثم عاد حاملاً معه عرضاً بتسليم خمسين طائرة مقاتلة لباكستان على الفور. ولقد وعدت الصين بأكثر من ذلك في واقع الأمر، ونظراً لسجل الصين كمقدم للمساعدات لباكستان، فإن هذه الوعود ستتحقق بسرعة.

وفي غضون ذلك، تواصل باكستان دفع ثمن مقتل بن لادن، إذ وجه مؤيدوه بعد بضعة أيام قليلة ضربات إلى مدينة ليست بعيدة عن إسلام أباد، فقتلوا أكثر من ثمانين شخصاً، وفي أعقاب ذلك شنوا هجوماً وقحاً على قاعدة بحرية في كراتشي، أسفر عن تدمير معدات باهظة التكاليف، بما في ذلك إحدى الطائرات، وبعد يومين وجه الإرهابيون ضربة ثالثة، فقتلوا نحو عشرة أشخاص في مدينة تقع بالقرب أبوت أباد، ولا تزال الخسائر في أرواح البشر في ارتفاع، فضلاً عن التكاليف التي يتحملها الاقتصاد.

في الثالث والعشرين من مايو، أصدرت الحكومة تقديراً للتكاليف الاقتصادية المترتبة على «الحرب ضد الإرهاب»، فبلغ الإجمالي ستين مليار دولار، مقارنة بالعشرين ملياراً التي دفعها الأميركيون كتعويض كما يفترض، والواقع أن نسبة كبيرة من المساعدات الأميركية الموعودة لم تصل بعد، خصوصاً ذلك الجزء الذي كان المقصود منه إنقاذ الاقتصاد من الركود العميق.

وبينما كان جيلاني في بكين، عاد وزير المالية الباكستاني عبدالحفيظ شيخ من واشنطن صفر اليدين. وكان قد ذهب إلى هناك في محاولة لإقناع صندوق النقد الدولي بالإفراج عن أربعة مليارات دولار تقريباً كان قد احتجزها الصندوق من أصل أحد عشر ملياراً وُعدت بها باكستان في أواخر عام 2008 لإنقاذ البلاد من التخلف عن سداد ديونها الخارجية. وكان قرار الاحتجاز الذي اتخذه الصندوق رداً على فشل الحكومة الباكستانية في اتخاذ الخطوات التي وعدت بها لزيادة نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي التي كانت منخفضة للغاية (أقل من 10%، وهي واحدة من أدنى النسب بين بلدان العالم الناشئ).

والحق أن الصندوق كان مصيباً في إصراره على أن تقف باكستان على قدميها اقتصاديا، ولكن من المنتظر أن يقدم عبدالحفيظ شيخ موازنته لعام 2011-2012 في أوائل شهر يونيو، إذ يرغب في تخفيف العبء عن المواطنين الباكستانيين العاديين. والواقع أن هذا يضع حكومة جيلاني التي لم يتجاوز عمرها عامين في مأزق حقيقي، والواقع أن مدى نجاح عبدالحفيظ شيخ في الموازنة بين مطالب صندوق النقد الدولي واحتياجات المواطنين العاديين لن يحدد اتجاه الاقتصاد الباكستاني فحسب، بل سيخلف تأثيراً هائلاً في الكيفية التي ترى بها باكستان ومواطنوها العالم.

إن التعزية الوحيدة التي تلقتها باكستان من الغرب كانت في هيئة تطمينات من جانب الرئيس الأميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في أعقاب الزيارة الرسمية التي قام بها أوباما إلى لندن. ففي مؤتمر صحافي مشترك وعد الرجلان بوقوف بلديهما مع باكستان وشعبها، بل زعما أن باكستان تشارك بنفس القدر الذي تشارك به الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب ضد الإرهاب.

ستستمر باكستان في تلقي المساعدات الأميركية والبريطانية، لكن واشنطن ولندن تجدان صعوبة في التحرك السريع، هذا فضلاً عن الأصوات المطالبة في العاصمتين بمعاقبة باكستان وليس مساعدتها، بسبب أساليبها الملتوية المتمردة، وفي غضون ذلك تنتظر الصين بذراعين مفتوحتين.

* وزير مالية باكستان ونائب رئيس البنك الدولي سابقا، ويشغل حالياً منصب رئيس معهد السياسات العامة في لاهور.

«بروجيكت سنديكيت»

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *