أوباما في ولايته الثانية

ثمة اعتقاد شائع بأن أي رئيس أمريكي في ولايته الثانية سيكون أكثر تحرراً في سياسته الخارجية، وإلى حد ما في الداخلية، إلا أن الأمر مختلف إلى حد بعيد . فعلى الرغم من أن مطلق رئيس يطبع ولايته بسمات خاصة يمكن أن تميزه عن غيره، فإن صناعة السياسة والقرار في الولايات المتحدة الأمريكية تخضع للعديد من المؤثرات، وبالتالي لا يبقى للرئيس سوى هوامش قليلة للتحرك في حدود لا تعد متفلتة إلى حد بعيد . فهناك قوة الشركات الصناعية العسكرية وعالم المال والاقتصاد، واللوبيات على مختلف أنواعها، وهي قادرة على فرملة أي جنوح عن السياسات العامة المرغوب فيها .


وفي أي حال من الأحوال، ثمة العديد من التحديات التي ستواجه الرئيس باراك أوباما في ولايته الثانية، بدءاً من الملفات الداخلية، وانتهاءً بالملفات الخارجية، وهي بطبيعة الأمر تعد من الملفات المهولة التي تقف في وجه أي إدارة تحكم الولايات المتحدة ديمقراطية كانت أم جمهورية .


في الملفات الداخلية ثمة عناوين من الصعب أن تجد لها حلولاً بأكلاف سياسية وشعبية مقبولة، فالبطالة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إضافة إلى الدين الخارجي الذي يصل إلى 14 ألف مليار دولار، وهو الأعلى في تاريخ الدول قاطبة، علاوة على الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي يشكل الاقتصاد الأمريكي جزءاً أساسياً منها، جميعها مؤشرات لا توحي بانطلاقة جديدة مريحة لأوباما في ولايته الثانية، ولاسيما أن المقرر الداخلي في الشؤون الاقتصادية والمالية هو السلطة التشريعية الممثلة بالكونغرس الذي يسيطر عليه الآن، كما في الولاية السابقة الجمهوريون وليس الديمقراطيين .


في الملفات الخارجية ثمة معطيات ووقائع لا تقل حساسية عن الملفات الداخلية، فإدارة أوباما الديمقراطية مثلاً تمكنت من الخروج من المأزق العراقي، ووعدت بحلول أخرى في الملف الأفغاني، وفيما ظل ملف الصراع العربي “الإسرائيلي” من الملفات الدائمة على جدول كل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أن الإدارتين لم تتمكنا حتى اليوم من الوصول إلى حل ما للقضية المركزية المتعلقة بفلسطين وحل الدولتين الذي وعد به أوباما في حملته الانتخابية الأولى .


إضافة إلى ذلك، فإن مستجدات الواقع العربي وما حصل فيه خلال الفترة السابقة من انهيار لبعض الأنظمة التي اعتبرت حليفة لها، وعلى الرغم من تأييد الإدارة الأمريكية للحراك القائم في غير مكان عربي، لم تكن إدارة أوباما واضحة في التعاطي مع بعض الملفات ومنها الأزمة السورية، ومن المتوقع ألا تتغير المواقف في الولاية الثانية، بالنظر إلى ارتباط الأزمة السورية بالعديد من الملفات الدولية الأخرى، ومنها علاقة واشنطن مع كل من موسكو وبكين على سبيل المثال لا الحصر .


كما أن ملف البرنامج النووي الإيراني يشكل تحدياً من نوع آخر لإدارة أوباما في هذه الفترة المصيرية من عمر هذا الملف، فأوباما الذي سلك الطرق الدبلوماسية لإيجاد مخارج لملف يقلق تل أبيب أكثر مما يقلق واشنطن، بات من الملفات التي تحدد مستوى حرارة العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل”، فهل سيتمكن أوباما في ولايته الثانية من تلميع صورته أمام الجمهور “الإسرائيلي”، بعدما فقد ثقة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي وصل إلى حد المجاهرة بتأييده لخصمه ميت روميني على خلفية معالجة ملف البرنامج النووي الإيراني؟


لقد بدأ أوباما ولايته الأولى العام ،2008 في وقت كانت السطوة الأمريكية في إدارة النظام العالمي في أوجها، ويبدو جلياً أن ثمة بعض المتغيرات التي تؤشر إلى تراجع هذا الدور نسبياً، فهل سيتمكن أوباما في ولايته الثانية من تحقيق ما عجز عنه في الأولى، إن فواعل النظام العالمي والأطر والآليات التي تتحكم فيه بدأت تتغير لغير مصلحة واشنطن، وهذا ما تعززه سلسلة مواقف الإدارة الأمريكية من بعض الملفات الإقليمية والدولية التي لم تكن فاعلة فيها على النحو السابق .


وبصرف النظر عن هذه التحديات وما يمكن أن يقدم من إدارة سياسية لتخطيها، يبقى أن تسجل لأوباما سابقة الوصول إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية، وهو من أصول إفريقية إسلامية، علاوة على سابقة بقاء رئيس ديمقراطي لولاية ثانية بعد الحرب العالمية الثانية، بعدما سبقه بيل كلينتون إلى هذه الميزة .

 

 علاوة على ذلك فإن بقاء أوباما في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى، لا يعني بالضرورة أن ثمة استمرارية لسياسته، وبالتالي أن معجزات ستحصل، لقد خطف أوباما بريق النصر ليس بفعل إنجازات استثنائية، بل جل ما في الأمر أن عدة عوامل تقاطعت في إعادة انتخابه، من بينها أصوات الأقليات ومنها العربية، وأصوات الأقلية اليهودية الأمريكية بعكس أماني بني جلدتهم في “إسرائيل”، إضافة إلى شريحة لافتة كالإناث العازبات، وهي إشارات لافتة إلى المتغير الاجتماعي الذي يجتاح المجتمع الأمريكي، ومن بينها أيضاً ما سجل من تقدم لعناوين تبدو غريبة أيضاً كموضوعات المثليين وتشريع تعاطي المارغوانا في ولايتين . فعلاً إنها الديمقراطية الأمريكية التي تبدو جلية في الداخل، وباهتة أو تكاد لا ترى في السياسات الخارجية . . إنها أمريكا

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *