بحث مختصر: المنحدر المالي الأميركي …العصف القادم!

 كثر الحديث في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها في الآونة الأخيرة عن موضوع (الهاوية المالية) أو (المنحدر المالي) Fiscal Cliff وتجاذب كل من الديمقراطيون والجمهوريون الاتهامات، بخاصةً بعد فوز باراك أوباما بولاية رئاسية ثانية، فالجمهوريون هدفهم إحراج الرئيس الديمقراطي أوباما من خلال عدم الوفاء بوعوده التي قطعها للناخب الأميركي، والديمقراطيون هدفهم إنجاح المدة الرئاسية الثانية لأوباما.

 هذا المنحدر المالي من الممكن أن يهدد الاقتصاد الأميركي والاقتصاد العالمي بكارثة مالية جديدة قد تفوق قوتها الأزمة المالية العالمية التي حدثت نهاية عام 2008، ولكن ماهو المنحدر المالي؟ وكيف يؤثر على الاقتصاد الأميركي ومن ثم الاقتصاد العالمي برمته؟ ولماذا هذا التجاذب بين الحزبيين الرئيسين في الولايات المتحدة بشأنه، مادام هو قضية تهدد الأمة الأميركية بكاملها؟

 بدايةً فأن مقدار الديّن الأميركي، الذي يُسجّل لحظياً عن طريق البنك الفيدرالي ويُبث للجمهور، بلغ حتى إعداد هذا المقال في 18 تشرين الثاني الجاري (16.3) ترليون دولار وهو الحد الأقصى للدّين الذي أقره الكونغرس الأميركي في شباط 2010، وهو يفوق الناتج المحلي الإجمالي الأميركي الذي بلغ (15.4) ترليون دولار في نفس التاريخ، ومن المعروف أن الكونغرس شرّع قانون إمكانية رفع الديّن عام 1917 بهدف تحديد حجم تدبير الأموال للحكومة تجنباً لإصدار الحكومة سندات حكومية عشوائياً لغرض زيادة إنفاقها، والوقاية من العواقب الوخيمة التي قد تنتج جراء عدم تغطية الإيرادات الحكومية لنفقاتها، فإذا اقترب إجمالي حجم الديون للحكومة الفيدرالية من السقف القانوني، وجب على البيت الأبيض تقديم اقتراح إلى الكونغرس لرفع سقف الدين لتغطية التزامات الحكومة الداخلية والخارجية من انفاق حكومي على الخدمات والرواتب والبحث العلمي والإنفاق العسكري والأمني ..الخ.

 ومنذ عام 1946 وحتى الوقت الحاضر وافق الكونغرس على رفع الدين (100) مره، منها عشرة فقط بين الأعوام (2001-2010)، والملاحظ انه مع الوقت تسارعت وتيرة طلبات رفع سقف الديّن، وبخاصةً بعد العام 2001 وحتى الوقت الحاضر. وقد ترتب في السابق على هذه العملية العديد من الأضرار، منها تخفيض التصنيف الائتماني للديّن الأمريكي لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة من جانب مؤسسة (ستاندارد أند بورز)،هذا التخفيض كان مكلفاً للولايات المتحدة بصورة كبيرة، ففي دراسة أجراها مكتب المحاسبة الحكومية أثبتت أن النزاع حول رفع سقف الدين بين البيت الأبيض (الديمقراطي) والكونغرس (الجمهوري) قد أدى إلى رفع تكلفة الاقتراض للولايات المتحدة بنحو (1.3) تريليون دولارا للسنة المالية 2011، إضافة إلى أنه حدث في السابق أن توقفت الحكومة الأميركية عن سداد خدمة الدين، ففي عام 1979 توقفت الحكومة الأمريكية عن تسديد خدمة بعض سندات الخزانة، إذ لم يتم تسديد مستحقات المستثمرين في السندات التي تستحق في شهر نيسان 1979، وأعلنت الخزانة أنها لن تتمكن من سداد مستحقات المستثمرين في السندات التي تستحق في هذا التاريخ بصورة مؤقتة، واضطرت إلى دفع فوائد تأخير عن فترة توقفها عن السداد.

 ولكن من أين تستدين الولايات المتحدة الأميركية، صاحبة أكبر اقتصاد على مستوى العالم؟ تستدين الولايات المتحدة من الخارج والداخل، إذ تبلغ نسبة الديون الخارجية من مجموع الديّن الأميركي قرابة (68%) أما نسبة الديون الداخلية فتبلغ قرابة (32%)، والديّن الداخلي عبارة عن سندات حكومية تقوم السلطات النقدية ممثلةً بالبنك الفيدرالي ببيعها إلى الجمهور بأسعار فائدة محددة، أما الديّن الخارجي فهو من مؤسسات التمويل الدولية والمستثمرين الأجانب. وعند توزيع هذه الديون على الشعب الأميركي نجد أن كل مواطن أميركي مديون بمبلغ (5.691) دولار، أما دافعي الضرائب فحصة كل فرد منهم (141.824) دولار، وقد بلغت خدمة هذه الديون فقط (4) ترليون دولار حصة الفرد الأميركي الواحد منها (12.454) دولار.

 الولايات المتحدة اليوم مضطرة للمحافظة على مصداقيتها بدفع فوائد سنداتها أو سندات الخزينة حتى لا تفقد مصداقيتها أمام المستثمرين المحليين أو الأجانب، فلابد إذن من زيادة مبالغ الديّن حتى تكسب ثقة المستثمرين، والعائق هو وجود معارضة داخلية من الجمهوريين نحو رفع سقف الدين الذي اقترحه الرئيس أوباما، هذا على الرغم من أن الجمهوريين قد قاموا في عهد الرئيس بوش برفع سقف الديّن العام سبعة مرات، فأنهم اليوم يرفضون رفع سقفه بحجة انه يجب أن يكون ذلك مصحوباً ببرنامج محدد لخفض الإنفاق الحكومي للإدارة الحالية والسيطرة على النمو في الديّن العام، أما شركات التصنيف الائتمانية العالمية فأنها ستكون مضطرة بحلول شهر كانون الثاني من عام 2013 إلى تخفيض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة مرةً أخرى، وهذا سيلحق المزيد من الأضرار على أسواق المال الأميركية وقيمة الدولار الأميركي. وهذا يعني أن رفع سقف الديّن الأميركي سيوفر للخزانة الأمريكية قروضاً جديدة تجعلها تتفادي العجز عن الوفاء بديونها، وحيث أن السقف الأخير للديون الأميركية المُقّر من المؤسسة التشريعية (الكونغرس) قد استنفذته الحكومة فهي الآن تطلب الأذن لمزيد من الديون إلى سقف (18) ترليون دولار، وأن عدم موافقة الكونغرس يعني مخاطر داخلية وخارجية لها، لأنها ستدخل مرحلة ركود اقتصادي وستنخفض العائدات والضرائب وتزيد تكاليف البطالة والدعم الاجتماعي والرعاية الصحية، فقبل أيام، رفض مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعا لرفع سقف الديّن مقدماً من الرئيس أوباما، وفي حال الإخفاق في التوصل إلى اتفاق على رفع سقف الديّن العام بين البيت الأبيض والكونغرس بحلول كانون الثاني القادم، فإن الخزانة الأمريكية لن تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية، فهل يحدث ذلك كله وترضاه أميركا داخليا لها؟ وهل ترضى أن يفقد الدولار ثقته كعملة احتياط عالمية؟.

 والآن ماهي مكونات برنامج مكافحة المنحدر المالي الذي أقترحه الرئيس أوباما على الكونغرس؟ إن برنامج مكافحة المنحدر المالي هو في جوهرة عبارة عن حزمة إصلاحات مالية مكثفة تهدف إلى خفض عجز الميزانية سنويا بنحو (600) مليار دولار، وتتمثل المكونات الأساسية للبرنامج والتكلفة التي ستتحملها الحكومة الأمريكية لتجنب المنحدر من خلال الاستمرار في الإبقاء على الإعفاءات الضريبية وبرامج الإنفاق الحالي كما هي، وفقا للجنة المسؤولة عن الميزانية الفيدرالية في الآتي:

 1- انتهاء الإعفاءات الضريبية التي أقرت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، حيث تم إقرار هذه الإعفاءات في 2001 و2003، والتي يفترض أن تنتهي في 31 كانون الأول 2012، وإذا لم يتم مد العمل بهذه الإعفاءات فإن معدل الضريبة الحدي الأقصى سيرتفع من (35%) إلى (39.6%)، وكذلك ترتفع باقي المعدلات الأخرى معه، كما سيتم خفض الإعفاء الضريبي للأطفال إلى النصف، وإعادة الضرائب على عوائد العقارات إلى مستويات 2001، كذلك سيتم رفع الضرائب على الأرباح الرأسمالية وتوزيعات الأرباح، وتبلغ تكلفة هذا الإجراء لعام 2013 نحو (110) مليار دولار، والتكلفة في عشر سنوات (2.8) تريليون دولارا.

 2- توسيع نطاق الحد الأدنى للضريبة البديلة، وهذه يدفعها نحو (4.4) مليون دافع ضريبة فقط في الوقت الحالي، هذا التعديل سيشمل نحو (33) مليون دافع للضريبة في 2012، وتكلفتها في 2013 تصل إلى (125) مليار دولار، وإجمالي التكلفة في السنوات العشر القادمة (1.7) تريليون دولار.

 3- وقف الإعفاءات الضريبية على الأجور وبدل البطالة، حيث يمثل الارتفاع في الضريبة على الأجور (2%)، بينما سيتم إلغاء دفع بدل البطالة لمدة أكثر من ستة أشهر، وتقدر تكلفة ذلك في عام 2013 بنحو (115) مليار دولار، وفي السنوات العشر بنحو (150) مليار دولار.

 4- خفض مدفوعات الرعاية الصحية للأطباء، حيث سيتم خفض مدفوعات الرعاية الصحية للأطباء بنحو (27.4%)، وتبلع تكلفة هذا الإجراء في 2013 نحو عشرة مليارات دولار، بينما يبلغ إجمالي التكلفة في عشر سنوات (270) مليار دولار

. 5- بدء الخفض الأتوماتيكي في الإنفاق العام، ويتم ذلك بدءاً من الأول من كانون الثاني 2013، إذ سيتم خفض الإنفاق على الدفاع بنسبة (10%)، والإنفاق الطارئ بنسبة (8%) ومدفوعات الرعاية الصحية بنسبة (2%)، وتبلغ تكلفة ذلك في 2013 نحو (65) مليار دولار وفي عشر سنوات نحو (980) مليار دولار.

 6- انتهاء الإعفاءات الضريبية الأخرى، إذ سيتم إلغاء جميع الإعفاءات الضريبية الأخرى مثل المنح الضريبية للبحث والتطوير، وخفض ضريبة المبيعات، والتي من المفترض أن تنتهي بنهاية 2011، وتبلغ تكلفتها (30) مليار دولار في 2013، وفي عشر سنوات نحو (455) مليار دولار.

 7- ضرائب الرعاية الصحية لأوباما، يتضمن قانون حماية المريض وتقديم الرعاية الصحية بأسعار معقولة بعض الزيادات في الضرائب بما في ذلك زيادة (0.9%) على أجور أصحاب الدخول المرتفعة، وزيادة الضريبة على دخول الاستثمار، وتبلغ تكلفتها (25) مليار دولار في 2013 و (420) مليار دولار في السنوات العشر المقبلة. ووفقا لهذه التقديرات تقدر تكلفة برنامج مكافحة المنحدر المالي في حال استمرار الأوضاع المالية كما هي عليه نحو (8.1) تريليون دولار في السنوات العشر المقبلة. ومن المعروف أن الميزانية الأمريكية تعاني من عجز كبير على مدى سنين كثيرة، تمول من الخارج والداخل بإصدار سندات، والدائنون يقبلون على شراء السندات اعتمادا على ثقة الأسواق الدولية في متانة وجدارة الاقتصاد الأمريكي، فتشير التقديرات إلى أن الحكومة الأمريكية تنفق شهريا 200 مليار دولار أكثر من إيراداتها، وكانت مستويات الديّن الحكومي الأمريكي معقولة نسبيا لا تزيد على نصف إجمالي الناتج القومي قبل سنين خلت، ففي عام 1980 كان الديّن العام الأمريكي اقل من تريليون دولار (908 مليار دولار) أو ما يعادل (33.6%) فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، وبنهاية عقد الثمانينيات قفز الديّن العام الأمريكي لأكثر من ثلاثة أضعاف مستوياته في عام 1980 (3.2 تريلون دولار).

خلال التسعينيات تباطأت معدلات النمو في الديّن العام الأمريكي، حيث شهدت تلك الفترة تحسناً واضحاً في المالية العامة للولايات المتحدة، حتى أنه بنهاية حكم بيل كلينتون كانت الميزانية الأمريكية تحقق فائضا، وقد كانت نسبة الديّن العام إلى الناتج المحلي الإجمالي عند مستويات معقولة بصورة كبيرة (57.5 %)، وبحلول عام 2000 بلغ حجم الديّن العام (5.7) تريليون دولار، أما عندما وقعت أحداث 11 أيلول 2001 فكان الديّن العام الأمريكي (5.8) تريليون دولار، غير أن المغامرات العسكرية الطائشة للولايات المتحدة لاستعادة الهيبة الأمريكية عالميا والقضاء على ما يسمى بقواعد الإرهاب كانت لها آثار مدمرة على مالية الولايات المتحدة ومستويات ديّنها العام، إذ أخذ الديّن العام الأمريكي يتصاعد حتى بلغ نحو (9) تريليون دولار في عام 2007 قبل انطلاقة الأزمة المالية العالمية، أي ما يعادل نحو (65%) من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تسبب نشوب الأزمة المالية العالمية وانهيار قطاع المساكن في الولايات المتحدة إلى حدوث أكبر زيادة تحققها الولايات المتحدة في ديّنها العام بسبب برامج الإنقاذ الضخمة التي تبنتها الحكومة لاستعادة مستويات النشاط الاقتصادي والخروج من الأزمة، حتى وصل إلى (16.3) تريليون دولار هذا الشهر كما سبقت الإشارة، ونتيجة لذلك اضطرت الولايات المتحدة إلى رفع سقف ديّنها العام عدة مرات لكي تتمكن من اقتراض المزيد من الدولارات اللازمة لاستيفاء احتياجات الإنفاق لاقتصاد ضخم مثل اقتصاد الولايات المتحدة، بما في ذلك خدمة الدين نفسه.

 إن مجرد التفكير بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على خدمة ديّنها سيكون صعبا ليس على أمريكا فقط، بل على العالم أجمع، لوزن وثقل الاقتصاد الأمريكي ومكانة الدولار، إذ أن معظم الدول الغنية، مثل الصين وبعض الدول الأوروبية والدول الخليجية مستثمرة رئيسة في سندات الخزانة الأمريكية، وأن خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة الأميركية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية سيؤدي إلى خسارة السندات الأميركية لجزء من قيمتها، الأمر الذي سينعكس سلباً على المستثمرين الأجانب، بخاصةً في أوروبا والصين ودول الخليج المستثمرين الأكبر في السندات الأميركية، إضافة إلى أن الاقتصاد الأميركي هو محور النظام الرأسمالي العالمي، وأن أية أزمة في هذا الاقتصاد ستنتقل بالضرورة إلى الاقتصادات الرأسمالية الكبرى، وهذا ما حدث بالضبط في الأزمة المالية العالمية التي إبتدأت في الولايات المتحدة وانتقلت كالنار في الهشيم إلى الاقتصادات الأوروبية، التي ظلت تعاني من الأزمات الارتدادية حتى اللحظة، وبخاصةً اقتصادات اليونان، إسبانيا، قبرص، وصدق أحد الاقتصاديين الكبار حين قال في سبعينيات القرن الماضي أذا عطس الاقتصاد الأميركي فأن الاقتصاد العالمي يُصاب بالزكام.

 لو استمرت مشكلة سقف الدين الأمريكي دون حل على المدى القصير (حتى نهاية كانون الأول 2012)، فستقوم وكالات التصنيف الائتمانية بخفض ملاءة الحكومة الأمريكية ودرجة تصنيفها، ولهذا الإجراء عواقب شديدة الضرر في المدى القصير والمتوسط على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي برمته. ستجبر الحكومة الأمريكية على دفع نفقاتها من قناة التدفق النقدي فقط، أي أنها لن تدفع بعض المستحقات، ومنها مستحقات التأمين والضمان الاجتماعي، ومن المحتمل جدا أن تغلق بعض أجهزة الحكومة، وأن تمتنع أمريكا عن دفع بعض أو كل ما يتوجب دفعه من ديون حين يحل موعد سدادها، وربما يقرر فصل أعداد كبيرة من الموظفين، إذ ستقرر الحكومة أولويات للدفع، وسترتفع أسعار الفائدة بصورة كبيرة، أما موضوع وضع أولويات فهي مسألة في غاية الصعوبة، إذ سيكون هناك، بلا شك، ضحايا لما يسمى بسياسة الأولويات.

 وستتضرر سمعة الدولار بصورة كبيرة إن لم يكن من المستحيل إصلاحها، وستبدأ الدول في التخلص من الدولار بلا عودة، سيكون هناك رد فعل قاس من الأسواق المالية العالمية، جفاف جزئي في الإقراض، وضياع ملايين الوظائف حول العالم. ولكن كيف ستتعامل الإدارة الأمريكية مع المنحدر المالي، وما الآثار المرتقبة من تطبيقه؟ لقد اقترح العديد من الاقتصاديين ومراكز الأبحاث الأميركية مجموعة من الخطوات إذا ما تم القيام بها يمكن أن تجنب واشنطن المنحدر المالي، ومن الممكن أن نجملها بالآتي:

1. تمديد كل أنواع التخفيضات الضريبية التي تم إقرارها من قبل الرئيس الأميركي السابق بوش، والرئيس أوباما في بداية فترته الانتخابية الأولى، باستثناء التخفيضات الضريبية التي تشمل أصحاب الملايين، فمن الممكن أن تشمل الضريبة الجديدة الأفراد التي تزيد دخولهم السنوية عن (250.000) دولار، بالرغم من أن هذا الإجراء سيواجه معارضة من قبل الجمهوريين الذين يودون استمرار التخفيضات الضريبية التي أقرها الرئيس الجمهوري السابق بوش.

2. إصلاح ضريبة الحد الأدنى البديلة (AMT) على الأثرياء، وهي المبالغ المتحصلة من إضافة ضريبية محددة على بنود مختاره من الدخل الإجمالي للشركات بعد استحصال الضريبة الأصلية منه، أي فرض ضريبتين في نفس الوقت، الأولى كنسبة من الدخل التي تحصل عليه الشركات، والأخرى على بنود مختاره منه، وبعد ذلك يتم تطبيق الإعفاء الضريبي السائد، إذ أن بقاء ضريبة الحد الأدنى على حالها سيؤدي إلى تأثر عائلات الطبقة المتوسطة أكثر وأكثر، وهنا يترتب إيجاد توافق بين الكونغرس وأوباما للموافقة على سن هذه الأحكام الضريبية مرتين، ولكن يبقى تنفيذها حتى عام 2014 حتى لا يتم تقويض الانتعاش الهش الذي شهده الاقتصاد الأميركي بعد الأزمة المالية العالمية.

 3. الغطاء الفيدرالي لنفقات الرعاية الصحية: يجب على واشنطن تعزيز قانون الرعاية الصحية بأسعار معقولة تدعو إلى توفير نمو الإنفاق على برامج الرعاية الصحية للأفراد، ولكن بمعدل أقل من النمو في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة (1%) على اقل تقدير، وكجزء من حملة للحد من الإنفاق على الرعاية الصحية، ينبغي على المشرعين مضاعفة الجهود المبذولة لتحسين نوعية الرعاية الصحية حتى يتيح للأفراد الحصول على أفضل قيمة مقابل دولار للرعاية الصحية الخاصة بهم، لأن الاستمرار بهذا المعدل من نفقات الرعاية الصحية قد يؤدي في النهاية إلى الإضرار بالقيمة المضافة الوطنية المخصصة لخدمات الرعاية الصحية إذا ما تجاوز الحد الأقصى المفروض على الإنفاق الفيدرالي في نهاية العقد.

4. رفع سن التقاعد واستخدام وسائل (الاختبارات المقصودة) في برامج الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية لغرض كبح جماح الخصومات المستحقة على الحكومة الفيدرالية، إذ ينبغي على الكونغرس رفع سن التقاعد تدريجيا لكل من برامج الأمن الاجتماعي والرعاية الصحية، على أن يكون هناك استثناء لأولئك الذين عملوا في وظائف تتطلب جهدا بدنيا.

 5. استبدال خفض الإنفاق بإصلاحات أكثر عقلانية: إن آلية تطبيق قانون خفض الإنفاق الذي تم اقتراحه في ميزانية عام 2011 ستكون نافذة المفعول بدءاً من العام القادم 2013 الذي يقر بتوفير (1.2) تريليون دولار للحكومة الفيدرالية، ما لم يتخذ الكونغرس والرئيس الإجراءات اللازمة لتفادي هذا الخفض، وهنا يجب أن يصوت الكونغرس على إلغاء أو استبدال هذا الخفض في الإنفاق بسياسات أخرى أكثر عقلانية، مثل الحد من الدعم الزراعي وكبح جماح تكاليف الرعاية الصحية أكثر من ذلك، فالإنفاق ليس المصدر الرئيس لمشاكل الولايات المتحدة الأميركية، إذ أن هناك حاجة إلى إعادة توزيع الإصلاحات ضمن هذه الفئة، إذ أن المستويات الجديدة للإنفاق تكاد لا تكفي للحفاظ على دولة قوية عسكريا وإقتصادياً.

 6. إلغاء التشريع الذي يتطلب من الكونغرس الموافقة على زيادة سقف الدين: لتجنب خطر آخر ناتج عن رفع سقف الدين الفيدرالي، فأنه على المشرعين في الكونغرس إلغاء النظام الأساس الذي يتطلب من الكونغرس الموافقة على زيادة سقف الدين، وينبغي أن يحل محله تشريع يتيح للرئيس الأميركي خفض الإنفاق التلقائي عبر حدود إنفاق معينه، والحد المعين هو وصول الدين الفيدرالي إلى نسبة (20%) من الناتج المحلي الإجمالي. إن الحلول المقترحة أعلاه لاتعدو كونها إجراءات آنية بعيده عن الواقع الاقتصادي المزري الذي تعيشه الولايات المتحدة الأميركية، وهي أشبه بعملية نقل مريض في حالةٍ خطره جراء الدهس إلى صالة الطوارئ، بينما تقوم الممرضات بتقليم أضافره بدلاً من إجراء عمليات كبرى له لغرض إنقاذه، فالاقتصاد الأميركي اليوم بحاجة إلى حلول هيكلية طويلة الأمد، قد تؤدي هذه الحلول إلى الضغط بشده على الحياة المرفهة التي يعيشها المواطن الأميركي لفترات طويلة ولكنها ستكون وحدها الكفيلة بإنتشال الاقتصاد الأميركي من الهاوية المالية التي يسير إليها بسرعة، فهي لاتعدو حلولاً توافقية، الهدف منها استرضاء كل من الجمهوريين الذين يعارضون رفع الضرائب، والديمقراطيين الذين يحاولون رفعها.

 ختاماً

فأن كل الحلول المطروحة من قبل الإدارة الأميركية هي بمثابة الدواء المخدر، بحيث يتم تخدير الاقتصاد العالمي لفترة معينة، ثم يعود الألم مرة أخرى أشد وأقوى، إذ أن رفع سقف الديّن الأمريكي بدون زيادة الضرائب على الشركات الأمريكية وترشيد الإنفاق خصوصاً العسكري والاستخباراتي لن يؤدي إلا إلى المزيد من تدهور الاقتصاد الأمريكي والعودة مرة أخرى إلى ركود اقتصادي قد يكون هذه المرة طويلا ومؤلما ليس على الاقتصاد الأميركي وحدة بل على الاقتصاد العالمي بأكمله.

*

أ.م.د.جواد كاظم البكري جامعة بابل/كلية الإدارة والاقتصاد

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *