إعادة انتخاب أوباما هل يترجم انفراجاً في العلاقة الروسية – الأميركية؟

ما أن انتهت الانتخابات الأميركية بفوز باراك أوباما ولاية رئاسية ثانية، حتى بدأ الحديث في أوساط المراقبين والمحللين عن آفاق العلاقة الأميركية الروسية المفتوحة، على الانفتاح والتفاهم بشأن ملفات شائكة عديدة في العالم والمنطقة، وكذلك على استمرار التجاذب والصراع في ظل عالم يتغير، ولم يعد باستطاعة الولايات المتحدة التحكم به والتسيد عليه، كما كان الحال في العقدين الماضيين، عندما كانت روسيا في مرحلة اختلال في توازنها إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، وعندما كانت الصين غير طامحة بعد لدور في الحلبة الدولية.

على أن سلوكاً واحداً من الطريقين كان ينتظر انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية لمعرفة من سيحكم في البيت الأبيض لمدة أربع سنوات قادمة، الديمقراطيون، أم الجمهوريين.

ومن الطبيعي أن يقود فوز أوباما مجدداً إلى إنعاش الآمال الروسية بسلوك الإدارة الأميركية سياسة الانفتاح والتفاهم، والتي لا يمكن إلا أن تقوم على أساس إقرار أميركا بالمصالح الروسية وبالشراكة الدولية في صوغ القرارات وإيجاد الحلول للنزاعات، والتي تشكل المفتاح الأساسي الذي يقود إلى تهدئة الصراع الدولي الإقليمي، وأعادت ترتيب النظام العالمي على قواعد التعددية القطبية البعيدة عن الهيمنة الأحادية، التي أصبحت بحكم المستحيلة بعد أن أصيبت القوة الاقتصادية الأميركية بوهن شديد، وباتت غير قادرة على توفير الموازنات لمواصلة مثل هذه السياسة، وبعد أن فشلت حروب أميركا في العراق وأفغانستان، وأدت إلى استنزاف قدراتها الاقتصادية والمالية وإنهاكها، وبعد أن فشل هجومها المضاد للإطاحة بنظام الرئيس الأسد المقاوم والمواجه للهيمنة الأميركية في المنطقة، ولم يعد بمقدورها تعديل موازين القوى لمصلحتها ومصلحة “إسرائيل” في ظل تنامي قدرات إيران، التي تحولت إلى قوة إقليمية كبرى لا يمكن القفز فوقها، أو شن الحرب ضدها، ويحصل في خضم صعود مجموعة دول البريكس التي تضم روسيا، الصين، البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا التي شقت طريقها كمحور دولي صاعد اقتصادياً، في مقابل المحور الأميركي الغربي الهابط والمتراجع اقتصادياً.

وإذا كان من المبكر الحديث عن طبيعة العلاقة الأميركية الروسية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى ما همس به الرئيس أوباما في أذن رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف قبل حوالي الشهرين، طالباً منه إبلاغ الرئيس فلاديمير بوتين، بأن يصبر قليلاً حتى ينتهي من فترة ضغوط الانتخابات الرئاسية، واعداً إياه بأنه بعد الانتخابات سيكون هناك كلام آخر حول القضايا الشائكة، وفي مقدمها قضية الدرع الصاروخية.
على أن إقدام أوباما على مغازلة بوتين لم يعد حديث الكواليس والصالونات فقط، وإنما أصبح على صفحات الصحف الأميركية، حيث انتقدت الواشنطن بوست أوباما لأنه “يسعى للتقرب من بوتين، وجعله كشريك رئيس في إطار سياسته الخارجية خلال فترة رئاسته الثانية”.

وفي هذا السياق، كان لافتاً قيام الرئيس الأميركي بإيفاد مستشاره للأمن القومي توم دونيلون إلى موسكو سلم خلالها رسالة إلى بوتين، اعتبرت حسب مسؤول روسي بمنزلة وثيقة متعددة الصفحات، تؤكد في طياتها استعداد أوباما للتعاون مع الرئيس الروسي، وإقامة مجالات تعاون جديدة بينهما.

غير أن المؤشرات على وجود توجه لدى أوباما للتقرب من بوتين، وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين أميركا وروسيا، بعد انتهاء الانتخابات الأميركية، جاءت خلال تهنئة بوتين لأوباما بالفوز في هذه الانتخابات، وتأكيد الجانبين “على الاهتمام المشترك في تحقيق التطور المضطر للعلاقات الثنائية في كافة المجالات، بما في ذلك في الجزء الاقتصادي منها”.

وينتظر الرئيسان الروسي والأميركي التفاهم على معالجة أبرز القضايا الساخنة، من سورية، الدرع الصاروخية، أفغانستان، آسيا الوسطى، الملف النووي الإيراني، القضية الفلسطينية..


كما جاءت المؤشرات في خطاب أوباما الأول بعيد إعادة انتخابه حيث قال: “إن الحملات العسكرية الأميركية باتت من الماضي”، الأمر الذي فسر على أنه قرار أميركي بوقف أي عمل عسكري أميركي خارج البلاد لفترة زمنية طويلة، وهو ما ترك ارتياحاً لدى روسيا، عكسه وزير خارجيتها سيرغي لافروف بالقول: “إن روسيا مستعدة للمضي أبعد ما يمكن في التعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة على أساس التكافؤ والمصلحة والاحترام المتبادلين، ما دامت واشنطن تبدي استعدادها لذلك”.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *