انسوا أمر تفكك اليورو… وفكروا في نظرية تحوّل اليورو

إن تنشأ منطقة اليورو بثلاث طبقات فستصبح دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا بلداناً “وسطى” يُستعمل فيها اليورو للتعاملات وكمخزن قيمة. وستمثل ألمانيا وهولندا وفنلندا ومثيلاتها “الطبقة العليا”، أما الدول الأخرى فستصبح جزءاً من “الطبقة الدنيا” ويكون اليورو مخزناً للقيمة من دون أن يبقى وسيلة تعاملات

يبذل صانعو السياسة الأوروبية قصارى جهدهم للحفاظ على الوحدة النقدية بشكلها الراهن في قارتهم. لكن إذا لم تتوصل تلك الجهود إلى أي نتيجة، يبقى من المستبعد أن تتفكك منطقة اليورو بالكامل. فبدل اختفاء عملة اليورو نهائياً، قد يتحول شكل العملة الراهن على أن يشمل نشوء عملات موازية لليورو.

حين نشأت عملة اليورو، ظن معظم الخبراء الاقتصاديين أن منطقة اليورو لا تتماشى مع ظروف البيئة التي تحتاج إلى عملة قابلة للصمود. لكن أبلى الاتحاد النقدي الأوروبي حسناً طوال عشر سنوات تقريباً. أغفل المشككون عن توافر ائتمانات رخيصة وكثيرة كانت تعوّض الدول الأعضاء عن الجمود الاقتصادي وغياب التحويلات المالية الواسعة بين تلك الدول. سمحت “فقاعة” الائتمان العالمي للاتحاد النقدي الأوروبي بالعمل بفاعلية، لكن انفجار تلك “الفقاعة” أدى إلى نشوء الأزمة

.
كان الحل الأوروبي يقضي بتعزيز المرونة الاقتصادية عبر فرض إصلاح بنيوي تزامناً مع توسيع التحويلات المالية من الدول الأقوى إلى الدول الأكثر ضعفاً. لكن كان الرفض من جميع الجهات هائلاً. في دول منطقة اليورو الأكثر ضعفاً، ثار الناخبون ضد الإصلاح وسياسة التقشف. وفي الدول الأكثر قوة، رفض الناخبون القيام بالتزامات مالية مبهمة في الدول المجاورة المتخاذلة.

قدّم البنك المركزي الأوروبي المساعدة عبر توفير ائتمانات رخيصة، لكن لم يكن هذا الأمر كافياً بالنسبة إلى دول منطقة اليورو الأكثر ضعفاً. سيصرّ الألمان من جهتهم على رفض أي تدابير مالية من شأنها تعزيز التضخم. كذلك، لاتزال جميع الحكومات الأوروبية، بما في ذلك الحكومة الألمانية، تعتبر أن تفكيك اليورو بشكل مباشر سيترافق مع أضرار سياسية كبيرة.

لكن ثمة مخرج آخر. تشير المعطيات التاريخية إلى أن العملات الموازية تنشأ حين تفشل العملات الرسمية في تلبية حاجات واختيارات الشعوب. لذا أظن أن النتيجة الأقرب إلى الواقع تتمثل بنشوء عملتين جديدتين تنشطان إلى جانب اليورو، ما يولد اتحاداً نقدياً مبنياً على ثلاث طبقات.

تقضي الخطوة الأولى في هذه العملية بأن تقوم الدول الأوروبية الشمالية بتوجيه جميع العقود المالية والاقتصادية، فضلاً عن المدفوعات والمبالغ المستلَمة من الحكومات، وفق معدلات التضخم الوطنية. يساهم هذا التدبير في حماية سكان هذه الدول من تداعيات السياسة المتساهلة التي يعتمدها البنك المركزي الأوروبي. لكن إذا ارتفع التضخم فعلاً، يمكن إعادة صياغة العقود وفق عملة جديدة يديرها أحد فروع البنوك المركزية الوطنية في الدول الأكثر قوة.

ستكون العملة الموازية خياراً عملياً باعتبارها وسيلة لتخزين الثروات في الدول التي تتمتع بوضع مالي وحكومي آمن وتجمعها روابط تجارية قوية مع ألمانيا. سيبقى استعمال اليورو أساساً للتعاملات النقدية. يُفترض أن ترتفع قيمة العملة الموازية مقابل اليورو وأن تكون الأسعار في العملة الموازية أكثر استقراراً بكثير من الأسعار باليورو.

ستحصل الدول الأعضاء التي تملك عملات صعبة على مكاسب عدة بفضل تراجع التضخم. لكنها ستضطر أيضاً إلى مواجهة عواقب العملة المتصاعدة وتداعياتها على الوضع الاقتصادي.

لكن قد لا يكون “تسهيل” تعاملات اليورو كافياً بالنسبة إلى دول مثل اليونان. حين يُستنزَف التمويل الخارجي لعجز الميزانيات في هذه الحكومات، قد تضطر إلى إصدار سندات دين إلى الدائنين المحليين. حين يبدأ التداول بتلك السندات، يمكنها أن تضطلع بدور العملة الموازية الثانية. لكن ستكون هذه العملة مجرد وسيلة للتعاملات. في المقابل، ستبقى عملة اليورو مخزناً للقيمة.

هكذا ستنشأ منطقة اليورو المبنية على ثلاث طبقات. ستصبح دول مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا البلدان “الوسطى” حيث يُستعمل اليورو كوسيلة لعقد التعاملات وكمخزن للقيمة. في المقابل، ستمثّل ألمانيا وهولندا وفنلندا ومثيلاتها “الطبقة العليا” حيث يكون اليورو وسيلة للتعاملات من دون أن يبقى مخزناً للقيمة. أما الدول الأخرى مثل اليونان وقبرص والبرتغال، فستصبح جزءاً من “الطبقة الدنيا” حيث يكون اليورو مخزناً للقيمة لكن من دون أن يبقى وسيلة للتعاملات.

كيف ومتى يمكن أن ينشأ اتحاد نقدي متعدد السرعة؟ يمكن أن تنشأ “الطبقة الدنيا” حين تفشل الحكومة اليونانية في ضمان توازن ميزانيتها الأولية وحين تنهار برامج المساعدات. يبدو هذا الانهيار محتملاً خلال السنة المقبلة.

في المقابل، قد تنشأ “الطبقة العليا” حين يرتفع التضخم في الدول الأكثر قوة نتيجة تساهل السياسة النقدية وحصول تدخل مفرط من جانب البنك المركزي الأوروبي. من المستبعد أن يحدث ذلك قريباً، ولكنه يبقى احتمالاً بارزاً قد يتحقق في منتصف هذا العقد

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *