مواطن الضعف التركية

تقول تركيا إنها تريد ان تكون نموذجاً للديموقراطية في الشرق الأوسط. لكن أفعالها، حتى الآن لا تزال متأخرة جداً عن تصريحاتها الكلامية.
ومن الواضح أن الربيع العربي أسفر عن كلام كثير بشأن دور تركيا المحتمل كنموذج. ولعل نجاحات أنقرة الأخيرة في المجال الاقتصادي، والليبرالية النسبية في مؤسساتها، جعلت منها نقطة مرجعية بالنسبة للكثيرين في الشرق الأوسط.

وإذا تغاضينا عن المسألة ما إذا كان العرب بحاجة فعلاً إلى نموذج، نجد ان هذا لا يقتصر فقط على وجود نظام ديموقراطي يعمل بشكل جيد، بل يتطلب أيضاً امتلاك القدرة على تعزيزه داخلياً وخارجياً. فهل تركيا تقدم حقاً مثالاً مفيداً للقيم الديموقراطية ولإقامة المؤسسات؟

من المفيد، اولا، إلقاء نظرة على قدرات تركيا. فبالرغم من الكلام الكثير الذي صدر بشأن دور تركيا في المنطقة، من الحكمة ان نلقي نظرة متأنية على موارد هذه البلد الاقتصادية والديبلوماسية. وبذلك نرى ان تركيا، بالرغم من انها تمتلك 25 بعثة ديبلوماسية في الدول العربية، فلا يجيد سوى ستة من افرادها البالغ عددهم الإجمالي 135 شخصاً، اللغة العربية.

 ولا حاجة للحديث هنا عن قدرة تركيا، او حتى عن إرادتها، في تطوير علاقات ديبلوماسية واسعة النطاق مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أضف إلى ذلك أن الكلام المضخّم عن العلاقات التجارية بين الجانبين يغفل الاعتراف بأن معظم الصادرات التركية إلى الدول العربية هي من الموارد الطبيعية، ذات التكنولوجيا البدائية (56%)، فيما لا تزيد نسبة الصادرات ذات التكنولوجيا المتوسطة عن 40%، والتكنولوجيا العالية عن 3%. وهذا يؤشر إلى ان تركيا ليست، بالضرورة واحدة من الدول الرئيسية في مجال التنافس الاقتصادي في المنطقة، الأمر الذي يضع حدوداً أمام توسيع نفوذها.

وفي مجال القوة الناعمة، نرى ان التلفزة التركية قد شرعت في بث برامجها باللغة العربية منذ العام 2010، لكنها لا تزال متأخرة كثيراً عن منافسة زميلاتها العربية والأوروبية والأميركية والروسية والإيرانية. وبالنسبة لمسلسلات الدراما التلفزيونية، هناك إقبال شديد عليها، علماً بأن بعض استطلاعات الرأي توضح ان الفئات المحافظة في المجتمعات العربية تنظر إليها على انها ذات تأثير سلبي ومسيء. كما انه من بين 9374 طالباً أجنبياً يدرسون في الجامعات التركية، هناك فقط 1123 طالباً عربياً. وهذا يدل على ان الكلام عن نفوذ القوة الناعمة التركية سابق لأوانه.

إلى ذلك، فإن منظمات المجتمع المدني أيضاً، لم تنجح في لعب الدور المطلوب منها من اجل توسيع النفوذ التركي في الدول العربية. فالمنظمات التركية غير الحكومية، تفتقر إلى القدرات الفنية والمهارات اللازمة لتمكينها من ممارسة نوع من النفوذ في المحيط المجاور. كما أنها تواجه صعوبات جمة في مجال تطوير خطط ملموسة او أجندات تنعكس على صناع القرار السياسي.

 
وعلى صعيد آخر، لا يزال الطريق أمام تركيا طويلاً جداً كي تتمكن من تطوير مؤسساتها الديموقراطية. فهي ما زالت تواجه تحديات هائلة في مجال حماية الحريات المدنية وتطوير نظامها القضائي. وهناك أيضاً جدل ساخن بشأن حرية الإعلام، وقضية اعتقال الصحافيين، وغير ذلك من الأمور التي تلقي بظلالها على مواءمة النموذج التركي مع معايير المجتمع الدولي المتحضر.

 
إن مواطن ضعفها تعني أن قدرتها على ان تكون نموذجاً ومصدراً للإلهام، سوف تبقى محدودة لفترة من الزمن.

 
وزير خارجية ألمانيا الأسبق
ترجمة: جوزيف حرب

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *