الفرصة تسنح مجددا لأوباما: الوضع أسوأ مما يبدو عليه

منذ أربع سنوات وصل باراك أوباما الى البيت الأبيض بوصفه داعيا للتغيير.. وبالأمس فاز أول رئيس أسود للولايات المتحدة بفترة جديدة تتيح له فرصة مواصلة الإبحار بالسفينة في نفس مسارها.

قد لا يكون أوباما الشخصية التي يلتف حولها الجميع كما وعد في انتخابات عام 2008 لكن ستكون أمامه أربعة أعوام أخرى يحاول فيها إجراء تغييرات كاسحة يمكن أن تؤثر على الولايات المتحدة لعقود.

وهذه المهمة لن تكون سهلة. فأوباما يواجه صعوبات في الكونغرس منذ انتخابات عام 2010 حين حصل الجمهوريون على الأغلبية في مجلس النواب. وسيكون تجاوز هذه العقبة بنفس القدر من الصعوبة.

وتظهر اجندة أوباما المتواضعة لولايته الثانية نفوذه المحدود حتى الآن في واشنطن. فقد احتفظ الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس النواب كما أن لهم وجودا في مجلس الشيوخ يكفي لعرقلة عمله.

ويواجه الرئيس الأميركي أزمة محتملة تعرف باسم “الهاوية المالية” وتتمثل في زيادة الضرائب وتخفيضات تلقائية في الإنفاق تهدد بانزلاق البلاد الى ركود جديد.

وفي حين أنهى أوباما الحرب في العراق ويتجه الى إنهائها في أفغانستان سيكون عليه كبح الطموحات النووية لإيران وإقناع اسرائيل بألا تهاجم طهران بصورة فردية.

وما من شك في أن الرئيس سيطبق في ولايته الثانية الدروس الصعبة التي تعلمها خلال ولايته الأولى.

وقال جوليان زيليزر المؤرخ المتخصص في شؤون الرئاسة بجامعة برينستون “كان شخصية وعدت بتغيير الطريقة التي تدار بها السياسة… لا أظن أن الناس مازالوا يؤمنون بهذا. المسألة ليست انخفاض الثقة فيه وحسب وإنما انخفاض الثقة فيما يستطيع النظام السياسي أن يقدمه”.

واذا لم يكن بوسع أوباما أن يغير واشنطن بالطريقة التي يتمناها كثيرون فإنه يستطيع استغلال الكثير من النجاحات البارزة.

لقد نجح في توسعة نطاق برنامج الرعاية الصحية في خطوة لم يتمكن منها رؤساء ديمقراطيون منذ الأربعينيات. وعلى الرغم من أن الناخبين راضون عن الكثير من عناصره فإنهم أقل رضا عن البرنامج في مجمله. والآن ستسنح له الفرصة مجددا ليثبت جدواه.

ويمكن أن يقال الشيء نفسه على الإصلاحات المالية الواردة في التشريع المسمى تشريع (دود وفرانك) والتي تهدف الى كبح جماح بعض أسوأ التجاوزات في وول ستريت.

أما محاولات أوباما التشريعية لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري فقد وئدت في مجلس الشيوخ لكنه يستطيع مواصلة جهوده من خلال قواعد تنظيمية. كما يمكنه مواصلة مساعيه لتوفير الملايين من فرص العمل “صديقة البيئة” والتي لم تحقق أهدافها حتى الآن.

ولم يقترب أوباما من تحقيق هدفه بخفض العجز الهائل في الميزانية وسيعاود الانضمام الى هذه المعركة في الاسبوع الحالي.

لكن الاقتصاد الذي سقط في كساد عميق عام 2008 طغى على كل هذه القضايا في عيون الكثير من الناخبين.

ويستطيع أوباما أن يشير الى نجاحه في هذا المجال ايضا فقد وفر برنامجه للتحفيز عام 2009 ملايين الوظائف وخفف من أثر أسوأ كساد شهدته البلاد منذ الثلاثينات. كما استردت صناعة السيارات الأميركية التي كانت على شفا الانهيار عام 2009 عافيتها.

وتفادت البلاد كارثة اقتصادية لكنها لم تحقق بعد نموا قويا. ومع فوز أوباما بولاية جديدة هناك 23 مليون أميركي يعانون البطالة او البطالة المقنعة او يشعرون بإحباط شديد يحول دون بحثهم عن عمل.

ولم يسهم نهج أوباما الحذر تجاه أزمة المساكن بدرجة تذكر في حل قضية الحجز على المنازل المنتشر على نطاق واسع او مساعدة من غرقوا في الديون بسبب انخفاض قيمة العقارات. وتعثرت خطة تحفيز إضافية في الكونجرس فيما ركزت الإدارة على إصلاح قطاع الرعاية الصحية ووول ستريت.

وعلى الرغم من أن أوباما كان أول عضو بالكونجرس يفوز بالرئاسة خلال عضويته منذ الرئيس جون إف. كنيدي عام 1960 فإن علاقته بالكونجرس لا يمكن وصفها بأقل من الوعرة.

فأوباما لا يهوى الأضواء ويتجنب اللجوء للمجاملات والضغوط وهي أساليب متبعة لتنفيذ الأجندات في واشنطن. وشكا نواب ديمقراطيون في أحاديث خاصة من أنه لا يعبأ كثيرا بمخاوفهم السياسية.

وعارض الجمهوريون مبادراته بشكل لم يسبق له مثيل. وفي مجلس الشيوخ اتسمت الإجراءات بالبطء الشديد فيما وضع الجمهوريون عددا قياسيا من العقبات الإجرائية.

وبلغت هذه الأزمة ذروتها خلال معركة سقف الدين عام 2011 والتي دفعت البلاد الى شفا التخلف عن سداد الديون. وانخفضت ثقة المستهلكين وخفضت وكالات التصنيف الائتماني توقعاتها لدين الولايات المتحدة الى مستوى تاريخي.

وليس واضحا هل كان بإمكان أوباما فعل الكثير للخروج من المأزق بمفرده.

يقول نورم اورنستاين وتوماس مان الباحثان في شؤون الكونغرس واللذان درسا شؤون واشنطن لاربعين عاما في كتابهما (الوضع أسوأ مما يبدو عليه) إن الحزب الجمهوري بات متطرفا ايديولوجيا ومتمردا لا يهتم كثيرا بالتسويات اللازمة لإدارة دولة شاسعة متنوعة الأعراق.

لكن توني فراتو مساعد الرئيس السابق جورج بوش يقول إن الجمهوريين كانوا على استعداد للعمل مع أوباما حين تولى منصبه لو أنه أظهر قدرا من الاستقلالية عن حزبه.

وقال فراتو “أضاع هذه الفرصة. ظننت أن هذا الرئيس تحديدا وفي هذا التوقيت بالذات لديه فرصة حقيقية ومتفردة ليقلب الأوضاع رأسا على عقب في الكونجرس”. وكانت علاقة أوباما بمجتمع الأعمال مضطربة ايضا. واشتكى رؤساء شركات من أن اجتماعاتهم مع البيت الابيض بدت وكأنها جلسات لالتقاط الصور اكثر من كونها جلسات لمناقشة السياسات.

وانقلبت وول ستريت ضد إدارة أوباما في أعقاب الإصلاحات المالية عام 2010 حتى أن شخصيات ديمقراطية بارزة مثل جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لجيه. بي. مورجان تشيس اتهمه بتشويه صورة القطاع المالي.

وستظل “الصفقة الكبرى” التي من شأنها أن تضع المؤسسات المالية الاميركية على طريق ثابت اكثر صعوبة من اي وقت مضى اذ لايزال المستثمرون يتهافتون على شراء سندات الدين الأميركية بأسعار فائدة بخسة في حين لا يواجه المشرعون ضغوطا تذكر من دوائرهم لتقديم التنازلات المؤلمة اللازمة للتوصل الى اتفاق.

وربما يرى الجمهوريون أن من مصلحتهم التعاون في إصلاح قوانين الهجرة لكنهم سيرغبون في التفاوض بشروطهم.

ومن الممكن أن يعطي الاقتصاد لأوباما دفعة يحتاج اليها بشدة في ولايته الثانية فيما تشير البطالة وثقة المستهلكين وعدد من القضايا الاخرى الى أن التعافي ربما يصمد أخيرا.

ومن الممكن أن يحل تحسن الاقتصاد بعضا من مشاكل أوباما من خلال تقليص العجز في الموازنة وإعادة المزيد من الاميركيين الى وظائفهم وتبرير الكثير من القرارات التي اتخذها في العام الأول من حكمه.

وبالنسبة لرئيس استولى تباطؤ الاقتصاد على معظم ولايته الأولى فإن هذا سيكون تطورا مثيرا في الأحداث.

وقال وليام جالستون الباحث في معهد بروكينجز والمستشار السياسي للرئيس الأسبق بيل كلينتون “انتخابات الرئاسة عام 2008 رفعت التوقعات الى مستوى كان من الصعب جدا بلوغه حتى في أفضل الظروف. والظروف لم تكن الأفضل”.

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *