سرّ بقاء نصف الجيش السوري في الثكنات بالرغم من تقدّم المعارضة!
من السهل على أي متابع للأحداث في سوريا، رسم خط بياني لتطوّر الأوضاع الميدانية منذ إندلاع أولى المواجهات في 15 آذار 2011 حتى اليوم.
فمن بعض التظاهرات والإحتجاجات المتفرّقة تحوّل الوضع إلى مرحلة المعارك والعمليّات العسكرية على إمتداد الأراضي السورية. ومن بعض البلدات المناهضة للنظام إنتقل الوضع إلى مناطق نفوذ متعدّدة للمعارضة. ومن بضع رشّاشات كلاشينكوف، أصبح مقاتلو المعارضة يملكون صواريخ أرض – جوّ سوفياتيّة الصنع من طراز SA-16 Gimlet التي تُطلق عن الكتف، والتي أسقطوا بها عدداً من الطائرات والطوّافات، خلال الأيّام والأسابيع القليلة الماضية.
والسؤال الذي يحيّر الكثير من المتابعين، هو: لماذا نصف وحدات الجيش السوري على الأقلّ، لا تزال في ثكناتها، في الوقت الذي تخرج فيه مزيد من المناطق في سوريا عن السيطرة لصالح تقدّم المعارضة، وماذا ينتظر النظام السوري حتى يعطي أوامره لها للتحرّك؟
المحلّلون الذين يؤيّدون النظام السوري، يقولون إنّ الرئيس بشّار الأسد يواجه “الأزمة المفتعلة في سوريا والمدعومة من أطراف إقليمية ودوليّة”، بوتيرة هادئة ومضبوطة الإيقاع، فهو بحسب رأيهم لا يريد تحويل الإشتباكات المتفرّقة إلى حرب أهليّة شرسة ومفتوحة، لأنّ ذلك سيرفع عدد الضحايا بشكل كبير، ومن شأن ذلك بالتالي أن يرفع إحتمال حصول تدخّل دولي عسكري.
ويضيف المحلّلون المؤيّدون للنظام السوري أنّ كل المراكز المهمّة، مثل إدارات الدولة الرسمية الأساسية، والوزارات كافة، والمراكز الإقتصادية الحيويّة مثل البنك المركزي السوري ومصافي تكرير النفط… كلّها مازالت خاضعة لسيطرة النظام. وبالتالي، لا حاجة لتوريط المزيد من القوّات العسكرية في المعارك القائمة، لأنّ لا داعي لذلك، أقلّه حتى اليوم.
في المقابل، لا يؤيّد المحلّلون الذين يعارضون النظام السوري هذه الحجج، ويصفونها بالواهية، ويقولون إنّ النظام السوري يعوّل في قتاله ضد المعارضة على مجموعة من الوحدات التي لا يشكّ في ولائها المطلق له، لتنفيذ غارات بالطائرات الحربيّة، وهجمات بسلاح المدرّعات.
وأهم وحدة في الجيش السوري والأكثر ثقة من قبل النظام تتمثّل في الحرس الجمهوري، وهي لم تُستخدم في المعارك بعد، ويليها الفرقة الرابعة ومقرّها الرئيس محيط حيّ المهاجرين في دمشق، وقد تمّ إستخدام هذه الفرقة التي تضم نحو عشرين ألف عسكري وضابط، ينتمون خصوصاً إلى الطائفة العلويّة، والتي تملك العديد من دبابات T72، في هجمات ضدّ مناطق سيطرة المعارضة، ويعوّل النظام أيضاً على الفرقتين 14 و15، وكلاهما من القوات الخاصة العالية التدريب والمزوّدة بالدبّابات والمدرّعات.
ويستخدم النظام بحسب المعارضة، بعض القوى الأخرى للقصف المدفعي والصاروخي البعيد المدى، من دون أي إحتكاك مباشر مع القوى المناهضة للقيادة في دمشق. أما القوى التي يخشى إنشقاقها عنه، فيبقيها في الثكنات بعيداً عن المواجهات القائمة. وهو بذلك يضمن عدم إنقلابها ضدّه نتيجة وجود العديد من الأفراد المؤيّدة له ضمن صفوفها، وخاصة بفعل قيادتها من قبل ضبّاط موالين له.
ويعتبر المحلّلون المؤيّدون للمعارضة أنّ النظام السوري قادر على إستخدام الطائرات والطوّافات، وعلى تشغيل مرابض المدفعيّة ومنصّات إطلاق راجمات الصواريخ، لكنّه يتردّد كثيراً في إستخدام وحدات المشاة العادية، لأنّه يشكّ في ولائها، ويخشى أن تنشق عنه وأن تلتحق بصفوف المعارضة، وتصبح بالتالي في الموقع المقابل له. لذلك، يحرص على أن تبقى أغلبية الوحدات العسكرية بعيداً عن أجواء القتال، ومحصورة في ثكناتها. وهو يسعى في الوقت عينه إلى العمل على تعبئتها ضدّ المعارضة، من خلال وصف مقاتليها بالإرهابيّين الوافدين من خارج سوريا لتدميرها
.
يُذكر أنّ عديد الجيش السوري النظامي يبلغ نحو 325 ألف عسكري، وهو يصنّف في المرتبة 14 عالمياً، من حيث الحجم. ولم تتجاوز الإنشقاقات في صفوفه عتبة العشرين في المئة حتى بالنسبة إلى التقارير المقرّبة من المعارضة السورية. والأرجح أنّ حجم الإنشقاق الفعلي حتى اليوم يتراوح ما بين نسبة 10 و15 % من مجمل أفراد الجيش. وبالتالي إنّ عدد أفراد “الجيش السوري الحرّ” الخاضعين للتدريب، لا يتجاوز الخمسين ألف عسكري في أكثر التقارير تفاؤلاً بالنسبة إلى المعارضة، علماً أنّ هذا الجيش مدعوم من شبّان سوريّين غير عسكريّين أساساً، وكذلك من “جماعات جهاديّة” من العديد من الدول العربيّة والإسلاميّة. وقد إستطاع الجيش السوري النظامي تعويض النقص الناجم من عمليّات الفرار من صفوفه، من خلال إستدعاء بعض الوحدات من قوات الإحتياط التي يبلغ عددها نحو 340 ألف عسكري.
لكن وعلى الرغم من هذا الفارق العددي لصالح جيش النظام، فإنّه عاجز حتى اليوم عن إعادة الإستقرار إلى الربوع السورية، على الرغم من الإقتراب المتسارع نحو الذكرى الثانية على إندلاع المواجهات.
والوضع على الأرض لا يميل إلى الهدوء إطلاقاً، بل العكس هو الصحيح، حيث أنّ الأمور تزداد سوءاً، ورقعة المعارك تزداد إتساعاً. وبالتالي، هل ما يقوله النظام السوري ومؤيّدوه مقنع في ظلّ التطوّرات الحاصلة في سوريا، أم أنّ ما تردّده المعارضة هو الصحيح؟
الأيام والأسابيع القليلة المقبلة كفيلة بأن تحمل الجواب الشافي، لأنّ أغلبيّة التحاليل تتحدّث عن مزيد من التصعيد المرتقب على الساحة السورية، بعد إستحواذ المعارضة على أسلحة نوعيّة من شأنها أن تقلب موازين القوى، أو أقلّه أن تؤمّن توازناً جدّياً مع قوات النظام.
وبالتالي، إذا كان النظام لا يخشى إنشقاق الوحدات التي يبقيها على الحياد حتى اللحظة، فإنّه لن يتردّد في جعلها تنخرط بالعمليّات العسكرية، لأنّه إن لم يفعل هذا الأمر اليوم،
فمتى سيفعل ذلك؟
!