أيّ فيروس منع كلينتون من حضور مؤتمر مراكش؟
المراقبون هل كان “«الفيروس” الذي حال دون مشاركة وزيرة الخارجيَّة الأميركيَّة هيلاري كلينتون في مؤتمر مراكش للدول المُناهضة للنظام السوري، «فيروساً» حقيقيّاً، أم أنّه “فيروس” سياسي مُتّصل بمُستوى التفاهم الذي وصل إليه الطرفان الأميركي والروسي في جنيف قبل أيّام، والذي قيل إنّه تفاهُم على إحياء اتّفاق جنيف الأوّل الذي استقال المبعوث الأممي – العربي السابق كوفي أنان على أثره بعدما لاحظ أن النيّات ليست صافية لتنفيذه.
ويقول سياسيون إن الإدارة الأميركية تتعاطى مع الأزمة السورية على قاعدة فتح أبواب التفاهم كلها مع موسكو، وفتح أبواب المساندة كلها للحكومات المناهضة لدمشق، فالضغط على النظام السوري يعزّز من الموقف التفاوضي الاميركي مع روسيا، فيما إبقاء باب التفاهم معها مفتوحاً في المقابل يجعل واشنطن غير غائبة عن الصورة تماماً في حال فشل مشروع إسقاط النظام السوري.
وتقول مصادر ديبلوماسية روسية حول مسألة بقاء الرئيس بشار الاسد في السلطة خلال المرحلة الانتقالية أو رحيله قبلها، إن الاتفاق على هذه المرحلة الانتقالية هو اتفاق يشمل الانتقال من نظام الى نظام، فهو ينقل سوريا من حال الى حال. ولم يبحث هنا في مصير الاشخاص، لأنّ الأسد ومن معه موجودون، وكذلك المعارضة موجودة، وبالتالي فإن التسوية لا تستطيع أن تلغي طرفاً من الطرفين وإنما تفتح الابواب لدخول سوريا الى مرحلة جديدة يختار فيها الشعب رئيسه ونوابه وحكومته ودستوره والقوانين المتصلة بحرياته وحقوقه.
ويشدد أصدقاء دمشق على أن الصورة الميدانية الحقيقية ليست قاتمة مثلما يجري تصويرها في بعض وسائل الاعلام، فالمبادرة ما زالت في يد الجيش النظامي، وإن كان المعارضون المسلحون يبذلون جهوداً استثنائية لإرباك الصورة الأمنية واختيار أهداف ذات طبيعة اعلامية للفت الأنظار الى تردّي الحال الامنية في سوريا. ويؤكد هؤلاء ان الجيش السوري ما زال ممسكاً بزمام المبادرة، حتى في المناطق الشمالية السورية، بشهادة المعارضين أنفسهم الذين يتحدثون مثلاً عن خطة لديهم للسيطرة على جسر الشغور التي لا تبعد إلّا كيلومترات قليلة عن الحدود التركية. وهناك ايضاً معارك تدور حول بلدات وقرى في ريفي إدلب وحلب كان كثيرون يظنون أن لا وجود للنظام وقوّاته فيها.
ويبدو، حسب أصدقاء دمشق أنفسهم، انّ الجيش السوري يعتمد تكتيك تخفيف الخسائر والقضم التدريجي لقوات المعارضة المسلحة، حيث بلغت نسبة الخسائر في صفوفها أعداداً كبيرة، الى درجة أن الاعلاميين واعضاء البعثات الدولية يتحدثون عن إحباط شديد لدى هؤلاء المسلحين الذين ينتابهم شعور بأنّ العالم قد تخلى عنهم وانّ المعارضة تعيش حال انقسام بين مختلف فصائلها السياسية والعسكرية، فلا ينشأ كيان لتوحيد قوى المعارضة سياسياً أو عسكرياً إلّا وتنبري أصوات من هذه المعارضة لتعترض عليه وتتهمه بأبشع الاتهامات.
ولعلّ ابلغ تصوير لحال المعارضة هذه هو ما قاله الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري الدكتور عبد الباسط سيدا في مراكش، حين دعا الى ألّا يكون مؤتمر مراكش كالمؤتمرات السابقة التي انعقدت في تونس واسطنبول وطوكيو وباريس، ولم يخرج منها ما يدعم المعارضين فعلاً.
والصحافة الاميركية في المقابل لا تنفكّ عن إبراز تعاظم دور تنظيم “القاعدة” داخل المعارضة السورية، وكأنها تقول للمعارضين السوريين: “قبل ان تنتقدوا تقاعس الآخرين عن دعمكم، عليكم ان تثبتوا قدرتكم على توحيد صفوفكم وتطهيرها من المتطرفين”.
فبين “استبداد” النظام وبين “استبداد” الراديكالية المسلحة، تخرج أصوات تقول الشيء وعكسه في آن معاً، فيَحار معها السوريون ولا يدركون ما اذا كانوا يواجهون قدرهم بمفردهم. فهل سوريا الآن في وقت ضائع في انتظار تسوية مرتقبة؟ أم أنها امام حرب تمدّد لنفسها شهراً بعد شهر، مُسقطة كل المواعيد المضروبة ومجهضة كل المؤتمرات المتنقلة، حيث أن السوريين يشعرون أن قضيتهم تنتقل من الخنادق الى الفنادق، وأن شعار التغيير المطروح بات مشهداً يومياً للتدمير الواسع النطاق؟.