الصين لن تصبح القوة العظمى المقبلة

تحقق النمو الهائل في الاقتصاد الصيني بقيادة الدولة وتحت سيطرتها، وقد نجم بشكل أساسي عن توافر اليد العاملة الرخيصة، وتجاهل تام للبيئة، واستثمار الدولة في مشاريع البنية التحتية الكبرى.

 هذه الأيام، يتحدث مراقبو النزعات والتوجهات العالمية عن نشوء قوة الصين: كيف ستصبح الصين القوة النافذة المقبلة والقوة العظمى الجديدة. وكيف سيغير نشوء الصين العالم الذي نعيش فيه؟ لكن عند النظر عن قرب إلى النزعات السائدة داخل الصين، تبدو القصة مختلفة.

في مقابلة حديثة مع صحيفة “ذا تايمز”، ناقش ثنائي صيني شاب شكل الحياة بالنسبة إلى الأغنياء الجدد في الصين اليوم. تحدثا عن شقتهما العصرية الجديدة، والملابس التي يشتريانها من مصمّم خاص، والتعليم العالي المستوى الذي تتلقاه ابنتهما. لكن حين سُئلا عن أكثر ما يتمنّيانه لابنتهما، أجابا بلا تردد: “الجنسية الكندية”.
تتعدد الأسباب التي تدفع معظم أعضاء الطبقة الوسطى الجديدة في الصين إلى الحلم بحياة جديدة في الغرب.

لطالما كان النمو الاقتصادي الهائل في الصين هشاً خلال السنوات الأخيرة وهو لم يكن يوماً قابلاً للصمود. تحقق ذلك النمو بقيادة الدولة وتحت سيطرتها، وقد نجم بشكل أساسي عن توافر اليد العاملة الرخيصة، وتجاهل تام للبيئة، واستثمار الدولة في مشاريع البنية التحتية الكبرى.

ووفق تقرير منظمة “راند”، ارتفعت نسبة الصينيين في سن العمل خلال عام 2011 وبدأت تتراجع في عام 2012. يعني ذلك أن نسبة كبار السن ضمن الفئات الشعبية سترتفع بشكل تدريجي في السنوات المقبلة، ما يمهّد لارتفاع كلفة اليد العاملة وتراجع المدخرات وتضخم تكاليف الرعاية الصحية ومعاشات التقاعد.

كما سبق وذكرنا، صمد النمو الاقتصادي الصيني بشكل أساسي نتيجة تجاهل المخاوف البيئية. في الوقت الراهن، تُعتبر الصين أكبر دولة تبث غازات ثاني أكسيد الكربون في العالم، فقد بثّت 8.2 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون في عام 2010، ما يعني ارتفاعاً بنسبة 240 في المئة عن عام 1992. كذلك، يؤدي تلوث الماء والهواء في البلد إلى 750 ألف حالة وفاة مبكرة في السنة.

على صعيد آخر، أدت مشاريع البنى التحتية الكبرى إلى تهجير الملايين قسراً، فضلاً عن تهديد صحة وحياة ملايين آخرين.
لا داعي لنقول إن هذه السياسات غير قابلة للصمود. فقد بدأت الضغوط المحلية والدولية تلقي بثقلها على البلد وقد أُلغي عدد من مشاريع البنى التحتية نتيجةً لذلك.

بعيداً عن الوضع الاقتصادي، يؤدي غياب الإصلاح السياسي الفعلي إلى إعاقة التقدم. لاتزال الدولة هشة بسبب استفحال الفساد وضعف حكم القانون وغياب المحاسبة السياسية. على الرغم من محاولات الدولة قمع المعارضين، بدأ المواطنون الذين اغتنوا حديثاً يزدادون ثقة بأنفسهم ويطالبون بحقوق وحريات إضافية.

لطالما واجهت الصين صعوبة في إثبات قدرتها على تطبيق إصلاح اقتصادي من دون إصلاح سياسي، يمكن أن تنجح الرأسمالية التي تقودها الدولة وتعتمد على الصناعة الرخيصة وقلة الابتكار في إيصال البلد إلى هذه المرحلة لا أكثر، يعني غياب أي تغيير في النظام تجنب الإبداع الفكري والابتكار والتركيز على تقليد الغير. باختصار، لا يمكن أن يستمر الإصلاح الاقتصادي من دون أن يرافقه إصلاح سياسي.
كسبت الصين ثروات طائلة لكن من دون أن توفر السعادة والأمن والراحة إلى مواطنيها. لهذه الأسباب، يستعمل أثرياء الصين أموالهم للخروج من البلد.

تتعدد العوامل التي تصب في مصلحة الصين. إنه بلد ضخم وغني بالموارد والناس الذين يعملون بجهد. يُفترض أن تكون أكثر الدول اكتظاظاً في العالم قوة اقتصادية دوماً. لذا يمكن تفسير النمو الاقتصادي الأخير على أنه تصحيح في مسار البلد وليس ظاهرة فريدة من نوعها.

ستجتمع عوامل عدة تكون كفيلة بإبطاء النمو الاقتصادي الصيني وإثارة استياء نخب المجتمع، نذكر منها استمرار المخاوف البيئية، واتساع شريحة كبار السن، والمنافسة التي تفرضها الهند وفيتنام والبرازيل، والمعارضة الداخلية والاستياء العام، والثقافة التي لا تشجع على أخذ المجازفات والابتكار.

نظرياً، يمكن أن تغير الصين مسارها وأن ترسخ الديمقراطية، فضلاً عن اتخاذ خطوات تضمن أن يتوقف النمو الاقتصادي المستقبلي على نزعات السوق. لكن يشير تاريخ الصين إلى أن هذه التغييرات تبقى مستبعدة جداً. الصين قوة بارزة وستبقى كذلك، ولكنها لن تصبح القوة العظمى المطلقة في أي مرحلة لاحقة.

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *