لماذا فشلت “هدنة الابراهيمي” ؟ ….و النتائج ؟
عندما اطلق الاخضر الابراهيمي اقتراحه بالتزام “هدنة ” في سورية تتوقف خلالها الاعمال العسكرية ، خلال عيد الاضحى المبارك انقسمت الاراء حولها بين مؤيد و مشكك و رافض ، و كل فريق كانت له خلفياته التي املت عليه موقفه . و لكن المراقب الموضوعي و في تقييم مجرد للاقتراح كان يرى صعوبة التطبيق لا بل استحالة النجاح لان الظروف القائمة لا تقدم اي فرصة لنجاح مثل هذا الامر . و هنا نذكر بان من هناك ثلاثة شروط لا بد منها لنجاح لاي هدنة و هي :
1) وجود الفريق الموحد ذو القيادة القادرة على القرار و القدرة على الزام جميع العناصر و الفصائل بهذا القرار و منع ما يسمى العمل غير المنضبط او سلوك عناصر غير منضبطة من خرقه و هذا الشرط غير متحقق في جانب المسلحين و الارهابيين الذين يتوزعون تحت عناوين و مواقع متناقضة الاهداف و لا يجمعهم الا سعيهم لتدمير سورية و اسقاط ها من موقعها و الغاء الدولة القوية القائمة فيها .
2) اطمئنان الطرف في المواجهة الى ان الهدنة لن تؤثر سلبا على واقعه و على مواقف الجهات الداعمة له ، و الا تكون الهدنة سماً زعافا يتجرعه قد يفتح الطريق للاجهاز عليه . و هذا الشرط غير متحقق ايضاً في جانب المسلحين و الارهابيين ، لان شعور الشخص المسلح المنقاد قسرا او تضليلا الى الميدان ، شعوره بالامان لوقت ما و قدرته على المراجعة قد يؤدي به الى الفرار و المغادرة . و هذا ما يرعب قيادات الارهابيين خاصة مع وجود سلسلة من قرارات العفو التي اتخذها الرئيس الاسد .
3) قدرة الجهة على الاستفادة من الهدنة من اجل تحسين المواقع و الاستراحة و اعادة التنظيم بما يسمح لها الانطلاق القوي بعد انتهائها ، و هو امر غير متحقق في جانب المسلحين لان القيادة السورية ربطت توقف الاعمال العسكرية بعدم الاستفادة منها لتعزيز المواقع محتفظة بحق الرد الحتمي في هذا النظاق .
و لهذه الاسباب جاءت مواقف الجماعات المسلحة بكل عناوينها ، تخفي ضمنا او علانية فكرة رفض الهدنة، رفضا لا يتوقف في اسبابه عند عدم تحقق الشروط المتقدم ذكرها فحسب بل يتوسع ليشمل عوامل اضافية اخرى مانعة من الالتزام بالهدنة حتى من قبل الذين واقفوا عليها نذكر منها :
1) تراجع اهداف العدوان على سورية حتى باتت قيادته تركز على القتل و التدمير من غير ان يكون هناك امل يرجى من قبلها بتغيير النظام او التبديل في الموقع الاستراتيجي لسورية و نقله الى المقلب المعاكس .
2) رفض الارهابيين فكرة السماح للشعب السوري بالتقاط الانفاس و التعامل الانتقامي معه و رفضهم تخفيف الضغط النفسي عليه لان في هذا الامر فرصة للتعبير عن رفض السوريين لوجود الارهابيين بينهم و رفضا لجرائهم ، و هذا ما حصل على سبيل المثال في حي الاشرفية في حلب حيث خرجت المظاهرات الرافضة لوجود المسلحين ، و قابلها الارهابيون باطلاق النار و ايقاع الاصابات في صفوف المدنيين الابرياء العزل .
3) خشية المسلحين من الظهور مظهر المشتت المتنافر القوى ، ما يحول لاحقا دون الاعتداد بوزن مؤثر لهم لدى البحث عن الحل النهائي للازمة . لان التفاوض فيما لو حصل لا يكون الا بين القادرين في الميدان أو الشارع اما من ليس له القدرة هناك فانه لا ينال الموقع الفاعل على الطاولة .
و استنادا الى ما تقدم من اسباب ودوافع جاءت المواقف المعلنة من اقتراح الابراهيمي للهدنة على صعيد المعارضة و الارهابيين تحت عناوين عدة:
1) موافقة الفريق المعارض الذي ليس لديه مسلحين اصلا ، و هنا تأتي موافقته منسجمة مع مواقفه الاصلية الرافضة اصلا للعنف ، ثم ان الموافقة هذه لن تؤدي وفق حساباته الى خسارة شيء لديه .
2) موافقة شكلية من قبل بعض الجماعات المسلحة الواضحة الارتباط بقوى اقليمية و دولية لانها لا تستطيع ان تظهر بمظهر المعرقل لخطوة من هذا القبيل ، و لكنها مع الموافقة تلك اضمرت عدم الالتزام الميداني و السعي الحثيث لاستثمار الهدنة من اجل تعزيز المواقع و اعادة التنظيم . و ينطبق هذا الحال على جماعات ما يسمى مجلس اسطنبول و الجيش الارهابي الحر و مسلحي الاخوان و غيرهم .
3) رفض الهدنة من قبل الجماعات السلفية و التكفيرية العاملة من اجل التدمير و القتل من غير ان يكون لها افق او امل بتغيير النظام او الواقع . و هو السلوك نفسه الذي تنفذه في العراق حيث يستمر ما يسمى تنظيم القاعدة في فروعها المتعددة و التي تسير بطريقة تحكم و املاء معقدة و ذكية من قبل المخابرات الاميركية .
و على هذا كان على اصحاب المنطق السليم و الملتزمين حدود الموضوعية ان يستخلصوا بان الهدنة الابراهيمية لن تكون قابلة للتطبيق و لن يكون بمقدور الابراهيمي او سواه ان يفعل شيئا ضد احد من المسلحين لمعاقبتهم او تحميلهم المسؤولية عن الفشل خاصة و انا ارتباطاتهم معروفة التفاصيل و انهم على الحال الذي ذكرنا من التشتت في البنى العضوية و التنافر في الاهداف و الغايات و المرجعايت ، لذلك كان يمكن ان تكون فرضية الهدنة فخاً لسورية ان لم يحسن التعامل مع الاقتراح . لانه مع هذه الصورة كان من الضروري مواجهة تساؤلات من قبيل القول : لماذا طرح الابراهيمي هذا الهدنة مع علمه بالواقع هذا ؟ ثم لماذا قبلت بها سورية و دعمتها كل دول العالم تقريبا ، حتى ان من لم يدعمها علانية امتنع عن اتخاذ موقف رافض لها و بشكل علني ؟ ثم ماذا تحقق خلال فترة الايام الاربعة تلك .
قبل الاجابة على ما طرح نرى ان نذكر بانه بات من الاكيد و الواضح ان ادارة الازمة ، و ادارة عمليات الدفاع عن سورية ، تطلبت مستوى عالي جدا من اليقظة و الحكمة و المقدرة على المناورة، و هذا ما يفرضه واقع الحال حيث ان جبهة العدوان على سورية هي جبهة كونية واسعة القدرات و الامكانات و الطاقات ، و ان اي خطأ في التصرف او في التقدير قد يكون من شأنه اضاعة الفرص و تعقيد العملية الدفاعية هذا اذا لم نقل خسارتها . و هنا ايضا لا بد من الاشارة بان الحرب الكونية التي تشن على سورية هي حرب شاملة متعددة السقوف و متنوعة الاسلحة ، اذ فضلا عن المواجهة العسكرية التي حشد لها اكثر من مئة الف مسلح و من 14 دولة عربية و اسلامية ، زجت في الحرب الاسلحة الاخرى من الدبلوماسية و السياسة او لاقتصادية الى الاعلامية . و ان اي خسارة على اي جبهة تؤثر و بشكل اكيد على مواقع الدفاع على الجبهات الاخرى . لذلك كان على القيادة السورية ان تأخذ في الاعتبار كل هذه الحقائق و تتخذ القرار الذي يكون فيه ربحاً في معركتها الدفاعية و يجنبها اي نوع او قدر من الخسارة .
و هذا الذي حصل بالفعل ، حيث كان قرار وقف العمليات العسكرية لمدة اربعة ايام ( اي ايام عيد الاضحى ) مشروطا بامور تمكن من تعطيل الافخاخ التي يمكن ان قد تكون نصبت في طرح الهدنة و التي بات الكثير من المعنيين بالشأن السوري و بمصلحة سورية الحقيقة يحذرون منها ، خاصة عندما يتذكرون فخ ” المرااقبين العرب ” او فخ المراقبين الدوليين ” . و بالتالي جاء القرار السوري و بالصيغة التي صدرت قاطعا الطريق على المجموعات المسلحة حائلا دون الاستفادة من الهدنة من اجل اي مكسب ميداني يطمحون به .
و الان و بعد انصرام المهلة و فشل الهدنة الاراهيمية و في تقييم عام لها و رسم من جزئيات المشهد نستطيع ان نذكر ما بلي:
– تأكيد ثقة القيادة السورية بنفسها و بقدرتها على السيطرة في السياسة و الميدان و هذا ما ظهر جلياا في القرار بذاته ( البعض راهن على الرفض السوري للمقترح ) كما ظهر في طريقة صياغة القرار و المصدر الذي اعلنه ( وقف عمليات عسكرية صادر عن القوات المسلحة ) . و قد اجهضت سورية بهذا الامر الافخاخ السياسية التي يمكن لسيئيي النية الاعتداد بها تحت اكثر من عنوان .
– ظهرت القيادة السورية انها و كما كانت منذ اليوم الاول حريصة على الدفاع عن شعبها و سيادتها وقرارها المستقل ، و هي لا تتردد في افساح المجال و اعطاء الفرص لمن يريد العودة عن غيه او اجرامه ، و هنا جاء القرار بوقف العمليات متكاملاً مع العفو العام الشامل الذي اصدره الرئيس الاسد .
– امتلكت القوى الداعمة لسورية اوراق جديدة تمكنها من مواجهة قوى العدوان على سورية خاصة لجهة اظهار الدولة السورية بمظهر المدافع عن الشعب و الحريص عليه و على امنه ، في الوقت الذي ظهرت فيه او تأكدت بشكل قاطع عدوانية الجماعات المسلحة و اجرامها و ارهابها و هذا ما يسبب احراجا ما لقيادة جبهة العدوان .
– تأكد ظهور الجماعات المسلحة او المعارضات السورية المتنوعة بانها مشتتة متنافرة لا قيادة لها و لا قرار و لا قدرة لها على السير في مشروع ميداني او سياسي خاصة على صعيد الحل السلمي و بالتالي يكون دعمها بمثابة دعم القاتل و المجرم الذي لا افق سياسي له .
و على ضوء هذه النتائج نرى ان “وقف العمليات العسكرية” وفقا للقرار السوري الرسمي حقق لسورية و حلفائها مكاسب سياسية هامة و لم يؤد باي حال من الاحوال الى اي نوع من الخسائر في الميدان بينما كانت ارتداداته معاكسة تماما لما ارادت للمجموعات المسلحة الارهابية و الجهات الدولية التي تحركها او تحتضنها ، حيث الحقت بها هدنة الابراهيمي خسائر سياسية فادحة ، و لم تمكنها من تحقيق اي مكسب ميداني ، فجاءت النتائج العامة لتؤكد حنكة القيادة السورية و وعيها و احترافها في اداراة الملفات بما يحقق المصلحة الوطنية السورية بالشكل الافضل .