عجبا : أنهم يحاربون الرجل الوحيد الذي يعارض الانفصال والابتزاز العسكري الكردي!!

ياناس … صار واحدنا مثل بلاع الموس نوري جاسم المياحي العراقي

 الاصيل والذي ولد في العراق …وشرب من مياه دجلة والفرات وتربى على حب الوطن …ينزف اليوم دما وهو يشاهد الوطن يتلاعب بمصيره المغامرون والعملاء وتجار السياسة … ومن الامثال البغدادية التي يتداولها البغداديون ايام زمان المثل القائل ( اني صرت مثل بلاع الموس ) …ومن هنا سانطلق ..

هذا اليوم… عادة هذا المثل يستشهد به العراقي او البغدادي عندما يقع في مأزق او موقف لايستطيع فيه الكلام والتعبير عن رأية وبنفس الوقت لا يستطيع السكوت على المر او العيب الذي يشاهده … ولشرح هذا المثل لمن لايفهمه … هو ان الانسان اذا بلع موسا للحلاقة … وانحشر هذا الموس في الحلقوم …فسيقع هذا الانسان في ورطة …ان حاول اخراج الموس من حلقومه سيجرح وتقطع الشرايين ويصاب بنزيف حاد تكون نتيجة الموت … وان قرر المسكين ابتلاع الموس …فبالتاكيد ستتمزق احشاءه ..وايضا مصيره الموت … اي في كلا الحالين سيموت .. وهذا ما اشعر به انا اليوم وانا ارى الصراع الدائر بين قيادة التحالف الكردستاني والحكومة المركزية التي تمثل كل العراقيين بما فيهم الاكراد الذين لايوالون قيادة التحالف الكردستاني ..

 فلا استطيع تأييد الانفصال الكردي وتمزيق وحدةالعراق …وبنفس الوقت لا ارتضى فرض حكم واقع على الاكراد لا يقبل به الاكراد …وهنا تكمن معاناتي والامي واحزاني .. فانا عراقي عربي قضيت عمري كله الذي تجاوز السبعين في بغداد ..ولي في الطفولة ذكريات ولايام الشباب ذكريات …فيها الحلو وفيها المر …وتبقى الذكريات عندي صدى السنون ..

 ما يحدث اليوم من صراع ونزاع لايمت لمصلحة الشعب العراقي والوطن العراقي بشيء ..وانما هي تنفيذ اجندات خارجية ولمصالح الدول الكبرى الاستعمارية ومنذ استقلال العراق بعد الحرب العالمية الاولى ونجاحه بالتخلص من نير الاستعمار التركي العثماني …بشقيه العربي والكردي … منذ ان فتحت عيوني ووعيت لما يدور حولي وانا من العوائل البغدادية القديمة … وثق اخي القاريء لم اشعر يوما ما ( طبيعي ايام زمان ) ان هناك فروقات قومية اودينية او طائفية …الكل يعيشون في المحلة كعائلة واحدة …يشاركون بعضهم البعض في الافراح والاتراح وحتى في المناسبات الدينية والاعياد القومية كعيد نوروز مثلا …

انا اليوم دائما اتساءل مع نفسي …مالذي اصاب العراقيين بحيث اصبح الاخ يقتل اخاه ..؟؟ بعد ان كانوا اخوة واحبة في الوطن الواحد ورغما عن اختلاف انتماءتهم القومية والدينية والطائفية … لدي الكثير من الذكريات عن اهلنا من اليهود والمسيحيين والاسلام …وكذلك عن العرب والاكراد …وعن ما يسمونه الطائفيون اليوم بالسنة والشيعة …ذكريات تشعرني بالحنين الى ما فات من ايام زمان والحزن والاسى لما يحدث ولما هو ات … اليوم ساتحدث عن ما اذكره في طفولتي فيما يتعلق بالكرد …كان اخي (رحمه الله ) تاجر يتاجر بالطباخات النفطية ( لان الغاز لم يكن معروف انذاك ) والثلاجات الامريكية الاصلية ماركة وستنكهاوس والتي كان يستوردها (حسو اخوان ) ..كما يتاجر بالقاصات الحديدية الثقيلة جدا التي تستخدم لحفظ النقود والتي لايستطيع فتحها اونقلها الحرامية …وكان كل تاجر يحتفظ بنقوده في القاصة ونادرا ما كانوا يتعاملون مع البنوك في الاربعينيات وشاع وانتشر التعامل مع البنوك في الخمسينات ..

 كانت محلات اخي تقع في شارع المأمون وهو الشارع الممتد والموصل الى الجسر العتيك ( جسر الشهداء حاليا ) وكان ضيقا بعرض الجسر الحالي وقرب المتحف العراقي القديم … من الصور التي اتذكرها …منظر الحمالين (والذين عرفت فيما بعد انهم من الاكراد الفيلية ) …وكنت العب على الرصيف .. واشاهدهم يجلسون القرفصاء على الجندة الخاصة بهم ( وللامانة ولحد الان لا اعرف حشوة هذه الجندات والتي لها عروتين يلبسها الحمال بذراعيه ويريح الجندة على ظهره كي تساعده على حمل البضائع الثقيلة التي تتجاوز اوزانها المئة كغم ..ويعبر الشارع ويتراكض بين الناس والسيارات كالغزال مثيرا للاعجاب والدهشة…وفي بعض الاحيان يصيح محذرا وينبه المشاة بصوت جهوري وعربي فصيح ( دير بالك ) ..

 وكنت اراقبهم معجبا وكـأن احدهم يحمل عمارة الدفتردار على ظهره … كانوا هؤلاء الفقراء دمثي الاخلاق ..حسني الخلق والمعشر …وكانوا يحترمون الصغير والكبير …وكانوا يحبونني ويمزحون معي وهم يتراطنون فيما بينهم بالعربي المكسر بالكردي …ولاسيما عمو محمود ( كاكا محمود ) اطيبهم وصورته وبعد سبعين سنة اذكر معالم قسوة الحياة الجبلية المرسومة على وجهه …ولباس الرأس الخاص به وشاربيه المفتولان…الرجل لم يكن حمالا اجيرا وانما كان اخا وصديقا لاخي الكبير …حيث كان ( سفرطاس ) الغداء نجلبه من البيت …ليكون مائدة الطعام …وكان يشاركنا تناول الطعام …وبلهجته العربية ذات الطعم الكردي الحلو وقعه على السمع … واذكر مرة …وانا كت العب واركض على الرصيف اذ اصدمت باحد الشبان …فانهال علي بالسب والشتيمة (الفشار بالبغدادي ) …وعندما انتبه (كاكا) عمو محمود لتصرف الشاب… حتى قفز راكضا من مكان جلوسه فوق جندة الحمالين صائحا متوعداالشاب … وكم كان المنظر مضحكا ومفرحا لي …حيث استخدم الشاب رجليه واستدان اربع ارجل (كما يوصف بالبعدادي ) وهرب ناجيا بنفسه من كاكا محمود (رحمه الله واسكنه فسيح جناته ) …

وللاسف …وبعد ثورة 14 تموز 1958 انفتحت قيادة الثورة وعلى راسهم الزعيم عبد الكريم قاسم على ما كانوا يسمونهم المتمردين الاكراد ولاسيما الزعيم الكردي ملا مصطفى البارزاني والذي كان لاجئا في الاتحاد السوفيتي واستقبل عند عودته للعراق استقبال الفاتحين …ولكن للاسف انحرفت العجلةعن مسارها الحقيقي ثانية وتجدد القتال والصراع …وبين مد وجزر استمرالصراع بمختلف الاشكال طيلة الخمسين سنة الماضية …

الى ان تدخلت الولايات المتحدة وفرضت الحظر الجوي شمال خط العرض 36 وسمحت للاحزاب الكردية بادارة المحافظات الشمالية …وللاسف استغلت قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني هذه الظروف لترصين وتحصين مؤسسات الاقليم المدنية والعسكرية وكل الاستعدادات الدولية والمحلية للاعداد والتهيأ لاعلان الانفصال عن العراق …ان اخطر ما أقدمت به القيادات الكردية هي شحن نفوس المواطنين الاكراد وتاجيج الحقد القومي ضد عرب العراق …وهنا ارتكبوا خطأ تاريخي من الصعب اصلاحه …او تجاوزه …علما انه من المعروف ان القمع الحكومي والكبت والقهر شمل كل فئات ومكونات الشعب العراقي وليس الاكراد وحدهم …وهذه شهادة للتاريخ ..

فابن الجنوب (الجندي ) كان يساق قهرا لكي يقتل اخاه الكوردي او يقتل بيد اخيه الكوردي …وفي الحالين كان الاثنان ضحية .. لانهما ينتميان الى طبقة فقراء الشعب المقهورين كلنا نعرف ان الامريكان واخوانهم الصهاينة لايريدون عراقا موحدا وقويا …فعملوا جاهدين لتقسيمه الى ثلاث أقاليم (كردي – عربي سني – عربي شيعي ) …ومن غرائب الامور والاحداث …ان شيعة العراق العرب …كانوايتصورون ان الخلاص من الدكتاتورية والقمع السني هو بالموافقة والاتفاق مع الكرد لتقسيم العراق …

ومن المضحك المبكي …ان عرب العراق السنة كانوا في البداية يقاومون هذا التوجه بشدة وصرامة … ولكن وبعد ثورات الربيع العربي وسيطرة التيار الاسلامي بزعامة الاخوان المسلمين وبرعاية امريكية تركية سعودية قطرية اسرائيلية …واعتبار الصراع الجاري في الوطن العربي صراع طائفي سني – شيعي كما يحدث حاليا في سوريا … وما يحيرني هو اصطفاف القوميين العرب وفي طليعتهم البعثيين القدامى في طليعة الطائفيين السنة ..كانوا يتظاهرون بدعوتهم للوحدة واذا بهم وبدافع طائفي ينقلبون الى انصار للتقسيم ..

ومن هنا نجد دعاة التقسيم يرصون صفوفهم كالهاشمي وعلاوي والنجيفي والقائد المبجل السيد مقتدى الصدر … وحتى هيئة علماء المسلمين يناصرون دعاة الانفصال والتقسيم بشكل مباشر اوغير مباشر بحجة محاربة ايران الصفوية … والادهى من هذا يحاربون الرجل الوحيد الذي يعارض الانفصال والابتزاز العسكري الكردي من خلال احتلال البيشمركة الكردية المسلحة بالدبابات والمدفعية الثقيلة لكركوك وكل المناطق التي كانوا يسمونها (المناطق المتنازع عليها ) والتي اصبحت تسمى بعد ان سيطروا عليها عسكريا المناطق المستقطعة من الاقليم ) …وكانهم يعتبرون قضية وطن وشعب مختزلة ومقتصرة على شخص رئيس الوزراء وسقوطه …

ولو انني اشك في انهم كلهم متواطئون ومتفقون على تقسيم العراق …والعملية كلها تمثيلية .. الحديث بالنسبة لي شخصيا ذو شجون …ومؤلم …ان كان الاخوة الاكراد يريدون الانفصال ( وهذا اصبح اكيد وخقهم المشروع) ولايحتاج الى ادلة … ولاسيما بعد ان قرأت مذكرة قدمتها القيادة القطرية لحزب البعث عام 1972(قبل اربعين سنة من الان ) وهو الحزب المنفرد بالسلطة والحاكم انذاك الى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني وايضا الى شخص البرزاني نفسه …اقنعتني بما يلي

 اولا – الحزب المذكور ويقيادته الحالية لن يرضوا بغير اقامة دولة كردستان المستقلة …وبالنسبة لهم قضية وقت لاغير ..

 ثانيا – الاعلان والاعتراف الرسمي بارسال الوية عسكرية الى كركوك …دلالة على سياسة فرض الامر الواقع ..وبموافقة امريكية …وبمباركة كتل شيعية كالمجلس الاعلى والصدريين ..

 ثالثا – اصطفاف جميع الاكراد بمختلف اتجاهاتهم تحت قيادة البرزاني …بما فيهم رئيس الجمهورية الطالباني …عندما قدم كتاب استقالته الى البارازني …وهذه الخطوة ذات مدلولات خطيرة …

رابعا – وحدة الصف الكردي تقابلها انفراط الكتل العربية والصراع بين الكتل العربية السنية والشيعية …المصيبة التي تهدد مستقبل وحدة الشعب عامة …وهو صراع طائفي يتزعمه وجوه بارزة ومعروفة والبعض معروف بولاءه لتركيا اوالسعودية ..وبنفس الوقت تفكك وحدة الصف الشيعي وفي مقدمتهم مقتدى الصدر وعمار الحكيم وهادي العامري …

 خامسا – نصب صواريخ البتريوت التركية على الحدود السورية ولعبة الاسلحة الكيمياوية السورية …كلها تصب في مخطط انهاء النظام السوري وبالتاكيد سيؤثر على طبيعة الصراع بين عرب واكراد سوريا والموعودين بالتوحد مع اكراد العراق ..

سادسا – الصمت الامريكي عما يحدث في كركوك وبقية المنا طق مما يؤكد على مباركة الخطوات العسكرية الكردية ..والتقسيم سيصبح امر واقع وسيضمن للامريكان وحلفائهم الانكليز والفرنسيين الاستقرار والهدوء لاستثماراتهم النفطية على المدى البعيد …ولاسيما وان ايران ستقدم العراق ككبش فداء لحمايتها الخاصة …ودرء خطر الحرب عن نفسها ..

سابعا – اما تهديدات الاستاذ نوري المالكي فلن تتجاوز عن كونها ( عفطة عنز) ما دام السنة ضده والشيعة ضده ايضا …ولا توجد بين يديه قوة تذكر …او اوراق رابحة والفساد والفاسدين يحيطون به من كل صوب …

 ثامنا – القيادة الكردستانية تتعامل بذكاء وحنكة واضحة وعلى نفس السيناريو التالي وهو:

 ا – اتهام خصمهم ( الظاهري على الاقل )المتمثل بالمالكي باخطر التهم وانه هو الباديء بالتجاوز على الدستور و مغتصب لحقوق الشعب الكردي

 ب – اتباع الاسلوب الموصوف بالمثل التالي ( قتلني واشتكى …وغلبني بالبكى ) …او يقتل القتيل ويمشي بجنازته ..

 ج – الدعوة للمطالبة بالمفاوضات والحوارات ..والتي تفشل في كل الاحوال …من خلال الاصرار على فرض الشروط المسبقة والاصرار على تحقيقها …

د – القضم المتدرج والبطيء للمناطق المهمة والاستراتيجية ..لتعقبها تهديدات جوفاء من قبل الحكومة الاتحادية ووساطات غير نزيهة من قبل وسطاء ولاعبين غير نزيهين…تعقبها سياسة التنازل امام الامرالواقع ..

 ه – في النهاية …واحدة من اثنتان …اما صدام عسكري غير متكافيء ويقتل ويشرد مئات الالاف من فقراء الشعب …وتكون نتيجته لصالح الاكراد في كل المعارك والميادين (وربما يحتلون بغداد وهذا الاحتمال وارد جدا وتؤكده كل المعطيات على الارض ) ..وعندها تتصاعد التوسلات والوساطات لتدخل الامريكان لحمايتهم ..والخروج باقل الخسائر ..

 و – واما ان يتدخل اصحاب النوايا الحسنة ظاهريا (كعلاوي والنجيفي والصدروالحكيم ) ويقسمون العراق على الطريقة الامريكية …والرغبات الكردية …والصلوات على النبي محمد (ص) …والكل تكون منتصرة اعلاميا ..

 الخلاصة …

 من وجهة نظرشخصية بحتة — قبول الانفصال والتقسيم نكبة لكل العراقيين …عربا واكراد ..

 — عدم قبول الانفصال والصراع المسلح …ايضا نكبة لكل العراقيين …عربا واكراد

— استمرار الحال على ما هو عليه الان لا حرب ولا تقسيم وانفصال …ايضا نكبة على العرب والاكراد اذن كل الاحتمالات اعلاه ينطبق عليها القول ( مثل بلاع الموس ) والضحية في كل الاحوال هم فقراء الشعب العراقي من العرب والاكراد …ودعائي اللهم ارفع هذه الغمة عن هذه الامة …وانتقم من كل هذه اللمة … اللهم احفظ العراق واهله اينما حلوا او ارتحلوا

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *