وداعاً للحرب!
راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي، ومعلمه اليهودي الأميركي المحافظ شلدون أديلسون، على المرشح الجمهوري للانتخابات الأميركية ميت رومني.. لكنهما خسرا.
بالنسبة لأديلسون، وهو أحد كبار رجال الأعمال، لم تكن الخسارة بالأمر الجلل. برأيه، دائماً تربح شيئاً وتخسر شيئاً آخر.
أما بالنسبة لنتنياهو فكان الأمر مختلفاً تماماً. لقد ترعرع في أميركا، حيث التقى رومني في العام 1976، وهو يعتدّ بنفسه كخبير عظيم بشأن أميركا. لذلك كان الرهان واحداً من أقوى أوراقه، لا سيما أن العلاقة مع أميركا تُعدّ وجودية بالنسبة لإسرائيل. ومع خسارة رومني، بات نتنياهو اليوم مشرعاً على المجهول، برفقة سفيره لدى واشنطن مايكل أوروين الذي كان رشّحه شلدون لهذا المنصب.
ولكن هل يؤثر هذا الأمر على حظوظه في الانتخابات الإسرائيلية المقبلة؟ ربما. ولكن فقط إن تقدّم مرشح ذو مصداقية، قادر على تصحيح العلاقات مع أوباما.
في هذا الإطار، يقدّم إيهود أولمرت نفسه كمرشح محتمل، قد ينضم إلى السباق. في وقت يحلم البعض بأن يتخلى شمعون بيريز عن الرئاسة ليرشح نفسه للانتخابات. ولكن بيريز، الذي يكبرني بأسبوعين، لم يفز في انتخابات طيلة سنواته الخمسين في السياسة. غير أن هناك دائماً مرة أولى لكل شيء، فهل تكون هذه المرة؟
في الواقع، يهتم الإسرائيليون بمعرفة توزيع الصوت اليهودي في الانتخابات الأميركية، فالأمر يحمل مؤشرات عدة. نتنياهو لم يخف أبداً استعداده دعم رومني حتى النهاية. أما يهود أميركا فقالوا إن انتخاب المرشح الجمهوري يعني انتخاب إسرائيل. هل نفذوا؟ لا لم يفعلوا.
الحقيقة أنني لا أملك الإحصاءات الكاملة عن توزيع الصوت اليهودي، إلا أننا إذا أخذنا نتائج فلوريدا وبعض الولايات الأخرى يتبيّن أن الأغلبية الساحقة من اليهود دعمت المرشح الديموقراطي، كما كانت تفعل على الدوام.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الحجة الرئيسية التي بنى عليها نتنياهو وشركاؤه خطابهم كانت باطلة. نتنياهو لا يملّ من تكرار أن «إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي». هذا يعني أنها موطن اليهود في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في إسرائيل. إذاً، هو يتوجه ليس إلى 6 ملايين يهودي في إسرائيل فحسب، بل إلى 13 مليوناً منتشرين حول العالم.
ومرة أخرى تبيّن أن ما قاله محض أوهام. فيهود أميركا (أو اليهود الأميركيون) ينتخبون كمواطنين أميركيين، وليس كأفراد في الدولة اليهودية غير المتحققة بعد. الكثير منهم لا شك يبدو متعاطفاً مع إسرائيل، ولكن عندما يتعلّق الأمر بانتخاب رئيس، يصوّت هؤلاء كأميركيين. إسرائيل تشغل حيّزاً بسيطاً جداً من اهتماماتهم. قد يعظّمون الترحيب بنتنياهو لدى زيارة إسرائيل، كما يفعل كاثوليك أميركا لدى زيارة البابا، لكنهم سيتجاهلون حتماً تعليماته بشأن الانتخابات الرئاسية.
وهذا الواقع سيكون له تداعيات هائلة في المستقبل. فعند أي صدام مصالح بين أميركا وإسرائيل، يتحول يهود أميركا إلى أميركيين في المقام الأول. وبالتالي، فإن أي حسابات أميركية خاطئة قد يقيمها نتنياهو أو خلفاؤه ستكون قاتلة. وعلى سبيل المثال، بخصوص الحرب على إيران، بات بإمكان صقور الحرب الإسرائيليين أن يرموها بقبلة الوداع. وأشك بأن يسمح رومني لنتنياهو بالهجوم على إيران لو فاز بالرئاسة. فالحملات الانتخابية الماضية أظهرت بوضوح المصالح الحيوية لأميركا، فرومني كذلك كان لينظر إلى خريطة مضيق هُرمز ويرتعد خوفاً من فكرة الحرب.
ومهما يكن، ليس هناك من فرصة أن يقبل أوباما اليوم بالاعتداء الإسرائيلي على إيران. فالأخير قد يشعل حرباً مترامية الأطراف لا يمكن احتساب عواقبها على الاقتصادين، الأميركي والعالمي. الأميركيون لا يريدون حرباً أخرى. يريدون الخروج من العراق وأفغانستان، حتى لو تركوا هذين البلدين لخصومهم.
ما سبق قد يكون بالنسبة لنا أهم ما حملته الانتخابات الأميركية من نتائج.
ولكن ماذا عن السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي؟ لا شك بأن الفرص تجددت. لا أريد أن أبدو متفائلاً للغاية. ولكن الصورة التقليدية للرؤساء الأميركيين في ولايتهم الثانية، تظهرهم أكثر تحرراً من الضغوط السياسية وتسمح لهم بالتحرك أكثر بما يرضي مبادئهم. وهذه النظرية أعتقد أنها صحيحة إلى حدّ ما.
في العادة، ومنذ اليوم الأول لانتخاب الرئيس، يبدأ حزبه بالتفكير في الانتخابات المقبلة. واللوبيات المتنفذة، كـ«الآيباك» على سبيل المثال، تمارس ضغوطاً هائلاً لمصلحة اليمين الإسرائيلي. كما أن المانحين الكبار يمارسون ضغوطاً إضافية. لكن ما أتمناه هو أن يعود أوباما إلى موقعه ويحاول بصدق الدفع باتجاه مفاوضات جديّة. وقد يكون ذهاب فلسطين إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للمطالبة بالعضوية اختباراً لأوباما، هناك لا تملك أميركا حق الفيتو، وسيبقى الأمر معلقاً بالرئيس كي يقرّر إما الضغط أو الانفتاح.
أميركا اليوم تشبه حاملة الطائرات الضخمة. كي تستدير هي تحتاج إلى الكثير من الوقت والمساحة. ولكن أي تغيير تقوم به، ولو كان طفيفاً، سيرخي بظله على حياتنا.
السؤال المهم في إسرائيل اليوم هو هل سينتقم أوباما من نتنياهو؟
لا شك، فأوباما يكره نتنياهو، ولديه أسباب وجيهة ليفعل. وعليه، لن يحظى رئيس الوزراء الإسرائيلي باستقبال دافئ في المكتب البيضاوي.
ولكن إلى أيّ حدّ سيكون أوباما صارماً؟ هل سيغيّر موقفه من نتنياهو وسياساته بما يدفع باتجاه السلام؟ هل سيحاول التأثير على الانتخابات الإسرائيلية كما فعل نتنياهو في الأميركية؟
بصراحة، آمل ذلك. لمصلحة إسرائيل. فوز أوباما يُفترض أن يعزّز الاتجاه الليبرالي، الديموقراطي العلماني والاجتماعي والأقل عنفا حول العالم. وإن استمرت الحكومة الإسرائيلية على مسارها الحالي، فإن عزلها عالمياً سيتزايد تزايدا خطيرا. إلا إذا فعل الإسرائيليون في الانتخابات المقبلة ما فعله الأميركيون برومني.
في المقابل، كما يعرف الجميع، ما زال هناك بعض نقاط الالتقاء البديهية بين أميركا وإسرائيل. الدولتان تعتبران دولتي مهاجرين، بناها مستوطنون بيض عنصريون. الاثنتان تمجدان إنجازاتهما في وقت تستمران في التعتيم على المراحل السوداء في تاريخهما.
وتضيء الانتخابات في البلدين على تشابه إضافي، فهي تظهر انقساماً متزايداً في المجتمع. ذكور أميركا البيض انتخبوا رومني، فيما صوّت الملونون والنساء لمصلحة أوباما. العوامل الديموغرافية تلعب دوراً رئيسياً.
وجاء تطرف «حزب الشاي» ليفاقم الانقسام، إذ يبدو أنه مكتوب على كل جيل أميركي أن يشهد موجة من الجنون. وللأمانة، لقد استطاعت أميركا أن تتخطى هذه الموجات. إسرائيل بدورها تشهد انقساماً مماثلاً. المجتمع مشرذم إلى أطياف تظهر مصالحها الانتخابية وفقاً لخطوطها المذهبية: البيض (أشكينازيم)، والشرقيون، والمتشددون (الحريديم)، والمهاجرون الروس، والعرب. و«الليكود» هو حزب من الشرقيين المحكوم من الذكور البيض. ليبرمان لديه حزب «الروس». والاثنان معاً يشكلان ائتلافاً شديد القوة. بعكس أوباما، لم يكن اليسار الإسرائيلي قادراً على تشكيل ائتلاف فاعل لمواجهة الائتلاف الآخر.
وفي المحصلة، نحتاج اليوم كإسرائيليين إلى أوباما إسرائيلي، يستطيع العمل مع أوباما الأميركي لتحقيق السلام قبل فوات الأوان.
ترجمة: هيفاء زعيتر