مخاطر واشنطن في الشرق الأوسط تفوق منافعها المحتملة
لم يواجه أوباما تحديات جدية بشأن الخطط الأميركية في سورية وإيران خلال الانتخابات، بل إن الصراعات القائمة في المنطقة قد تتضاعف خلال ولايته الثانية.
يبدو أن الرئيس أوباما محظوظ بخصومه، ولا سيما في ما يخص تفسير السبب الذي جعل النفوذ الأميركي يتلاشى في الشرق الأوسط، بصعوبة ذُكرت هذه المسألة خلال الانتخابات، عدا محاولة خجولة قام بها ميت رومني للوم الإدارة على مقتل السفير الأميركي في ليبيا، كريس ستيفنز، وعلى حرق القنصلية الأميركية في بنغازي.
لكن سرعان ما تخلى رومني عن موقفه الأولي الذي كان يقضي بمهاجمة أوباما لأنه “اعتذر باسم الولايات المتحدة” وفشل في ترسيخ النفوذ الأميركي. فاعترف بوجود أمر واحد لا يريده الناخب الأميركي، وهو شن حرب أخرى في الشرق الأوسط. من خلال المبالغة في التركيز على الحس الوطني، جازف رومني بتذكير الناخبين بأن الجمهوريين هم الذين قادوهم منذ فترة قصيرة إلى حربين فاشلتين في العراق وأفغانستان. ربما شعر رومني بأنه سيكون في موقف ضعيف في المواضيع التي لم يكن يعلم شيئاً عنها.
لا تعني هذه الحصانة شبه الكاملة ضد الانتقادات اللاذعة خلال الحملة الانتخابية أن أوباما لا يواجه مخاطر متعددة في أنحاء المنطقة كتلك التي فشل سابقاً في التعامل معها.
تشكّل التجربة الأفغانية خير مثال على ذلك. أدت خطة زيادة القوات العسكرية التي شغلت البيت الأبيض حين وصل أوباما إلى الرئاسة في عام 2009 إلى إرسال 33 ألف جندي إضافي إلى أفغانستان حيث فشلوا في التخلص من “طالبان”. من المنتظر أن تنسحب قوات حلف الأطلسي المتبقية (عددها 112 ألف عنصر) في نهاية عام 2014، ما يعني إنهاء واحدة من أكثر الحروب الكارثية وغير المجدية في التاريخ الأميركي. يُقال إن الأميركيين وحلفاءهم يدربون قوى الأمن الأفغانية كي تتولى مسؤولياتهم، لكن قُتل حتى الآن عدد كبير من الجنود الأميركيين والبريطانيين على يد جنود أفغان وعناصر من الشرطة الأفغانية لدرجة أن العملية الانتقالية بدأت تتحول إلى كارثة فعلية.
إذا أرادت الولايات المتحدة يوماً تحقيق أي إنجاز، مثل التفوق العسكري على “طالبان”، فهي تحتاج إلى إغلاق الحدود المفتوحة مع باكستان أنها سمحت للمتمردين بالحصول على ملجأ آمن. أدركت واشنطن حقيقة المشكلة ولكنها فشلت في اتخاذ خطوات فاعلة لمعالجتها. لا شك أن نظام حامد كرزاي سيجد صعوبة في الصمود بعد عام 2014، حين تتحرك “طالبان” ولاعبون آخرون لسد الفراغ الذي خلّفه رحيل الأميركيين والبريطانيين.
نظراً إلى ما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا، من الغريب أن تعلو بعض الأصوات في الولايات المتحدة للدعوة إلى تكثيف التدخل الأميركي في الحرب الأهلية السورية من أجل تغيير ميزان القوى وقلب الوضع ضد بشار الأسد. عرض بعض النقاد الأسباب التي تجعل من هذا الاقتراح فكرة سيئة، لكن نادراً ما يذكرون نقطتين مهمتين. تتعلق النقطة الأولى بطبيعة الميليشيات المعادية للنظام: قد يبدأ عناصر الميليشيات، سواء في سورية أو لبنان أو العراق أو ليبيا أو الشيشان، بالتحرك كمقاتلين أبطال يسعون إلى الحرية والديمقراطية. لكن قد يتحول هؤلاء العناصر غير النظاميين الذين لا يتلقون المال مقابل أفعالهم إلى مقاتلين محليين أو عصابات إجرامية تستهدف الشعب، ما لم يتم ضبطهم بشكل حاسم. أتذكر كيف توصل السكان المحليون في الشيشان بين عامي 1999 و2001 إلى كره العصابات المتمردة بعد أن كانوا يدعمونها حتى الموت. حصل الأمر نفسه في بغداد بين عامي 2006 و2007 وفي ليبيا خلال السنة الماضية.
في سورية، بدأ الناس يرددون اليوم ما كان يُقال في صراعات مشابهة أخرى: “يقول المقاتلون إنهم يموتون من أجل الشعب، لكن يبدو أن الشعب هو الذي يموت من أجل المقاتلين”. قد يتحول الأصوليون المجاهدون أو الإسلاميون إلى جنود متعصبين وفاعلين، لكن يبدو أن أعمال العنف الواسعة التي يرتكبونها تهمّش الأشخاص الذين يدّعون حمايتهم. هذا ما دفع الثورة القبلية السنّية إلى التحالف مع القوات الأميركية ضد “القاعدة” في العراق.
لا شك أن هذه التطورات تشكل أنباء سيئة وتعيق تقديم الدعم العسكري الأميركي للميليشيا السورية “المعتدلة” التي يُفترض أن تزداد قوة نتيجة تدفق أسلحة ومعدات أميركية إضافية.
لكن ثمة نقطة ثانية يتجاهلها الكثيرون أيضاً. لنفترض أن نظام الأسد سقط فعلاً. سيكون ذلك التطور لطمة موجعة في وجه إيران لأنها ستفقد حليفها العربي الوحيد. سيؤدي هذا الأمر أيضاً إلى إضعاف “حزب الله”، الجماعة الشيعية الناشطة في لبنان. قد يحصل الأمران معاً، لكن يجب ألا ننسى أن الفوضى ستسود البلد على الأرجح بعد سقوط نظام الأسد أو قد تنشأ حكومة ضعيفة في أفضل الأحوال. استناداً إلى تجارب العراق ولبنان، يجيد الإيرانيون و”حزب الله” الصيد في المياه العكرة أكثر من الولايات المتحدة. لا شك أن الأوضاع المعقدة هي الحالة المثلى التي يمكن أن يستغلها الإيرانيون لأنهم يحبون خوض الألعاب السياسية الملتوية.
هل تستطيع إسرائيل خداع الولايات المتحدة وإقناعها بالمشاركة في الاعتداء على إيران؟ لطالما ظننتُ أن الإسرائيليين يخادعون، لكن يناسبهم أن يقتنع الجميع بأنهم على وشك مهاجمة إيران، فهم يحصلون بذلك على ورقة ضغط فاعلة في عالمٍ يريد منع حرب مماثلة. أدت التهديدات الإسرائيلية إلى فرض عقوبات اقتصادية كارثية على إيران وتهميش الفلسطينيين واعتبارهم سبب المشكلة. لكن من المستبعد أن يحقق الاعتداء العسكري إنجازات كثيرة، فهو سيدفع إيران على الأرجح إلى تصنيع جهاز نووي. لا شك أن الحكايات التي تؤكد أن رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي ورئيس الموساد هما اللذان منعا شن حرب مماثلة في الماضي تخدم أهداف بنيامين نتنياهو، فهي تزيد مصداقية تهديده بشن اعتداءات جوية إسرائيلية وشيكة.
في الوقت الراهن، من الأفضل أن تبقى الولايات المتحدة والقوى الخارجية الأخرى خارج الشرق الأوسط وغرب آسيا. تشكّل ليبيا أحدث مثال على الأخطاء التي يمكن ارتكابها، فمنذ بضعة أشهر، ظنت واشنطن أن الدور الذي لعبته من وراء الكواليس لإسقاط القذافي كان نموذجاً جيداً للتدخل الخارجي. ولكنها نسيت أن جهود الحرب التي بذلتها الميليشيات الثورية كانت مجرد خدعة ترويجية لأن القوات الجوية التابعة لحلف الأطلسي هي التي خاضت الحرب الحقيقية. لكن حين وقع الاعتداء ضد القنصلية الأميركية في بنغازي في 11 سبتمبر من هذه السنة، قيل إن عملاء وكالة الاستخبارات المركزية هناك ناشدوا عناصر الميليشيات المحلية كي يأتوا لمساعدتهم لكن من دون جدوى.
يبدو أن الخارطة السياسية الجديدة في الشرق الأوسط تشمل أفخاخاً كثيرة تفوق المنافع التي يمكن أن تكسبها الولايات المتحدة، لكن لا يعني ذلك عدم وجود أي مخارج. سارع أوباما إلى التخلي عن حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس في أول أيام الربيع العربي. لا يريد “الإخوان المسلمون” في مصر ولا حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا حصول مواجهة مع الولايات المتحدة فيما يسعى الطرفان إلى أسلمة المجتمع في بلديهما. هما يدركان الحاجة إلى حرمان الخصوم المحليين من أي دعم أميركي محتمل. نظراً إلى وفرة الصراعات المتداخلة، قد تنطلق حقبة من الصراعات الإقليمية بما يفوق ما شهدناه في أي فترة سابقة منذ الستينيات