تقرير إسرائيلي: التدريب على اغتيال صدّام انتهى بصدمة وحرب جنرالات
كشف تقرير للقناة الإسرائيلية الثانية، وثائق ومعلومات جديدة تلقي الضوء على تفاصيل قضية أثارت أصداء واسعة في إسرائيل والعالم وهي حادثة «تسئيليم الثانية» التي وضعت حدا للاستعدادات لتنفيذ عملية معقّدة في بغداد تهدف إلى اغتيال الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
في عام 1992 وخلال تدريبات عسكرية لوحدة العمليات الخاصة “سييرت متكال” في قاعدة تسئليم في النقب أطلق صاروخ عن طريق الخطأ فأصاب مبنى يتواجد فيه عدد كبير من أفراد الوحدة الخاصة، وتسبب في مقتل 5 جنود وإصابة خمسة آخرين، وهي الحادثة التي باتت تعرف بـ “تسئليم ب”، والتي على أثرها كشف النقاب عن وجود وحدة العمليات الخاصة المسمّاة “سييرت متكال”.
أشغل هذا الحادث على مدار سنوات طويلة حيزا هاما من الجدل في الرأي العام الإسرائيلي، وأشعل الخلافات بين رؤوس المؤسسة العسكرية، واعتبر حتى عام 2003 من الملفات الغامضة.
بعد سقوط العراق، عاد الملف إلى دائرة الاهتمام إسرائيليا، وكشف النقاب أن التدريبات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 1992 والتي انتهت بحادثة تسئيليم الثانية كانت تتويجا لتدريبات مكثفّة استمرت شهورا لتنفيذ عملية كوماندوز في العراق وهدفها اغتيال الرئيس العراقي صدّام حسين.
يعتمد تقرير القناة الثانية الذي بث الجزء الأول منه الإثنين الماضي، على بروتوكولات جلسات هيئة الأركان العامة، وجلسات الحكومة، والمراسلات بين المسؤولين، كما يتضمن مقابلات مع الضالعين في العملية وبينهم إيهود باراك، وأوري ساغي، رئيس أمان حينذاك، وعميرام لفين، مخطط العملية، وقائد وحدة العمليات الخاصة “أ” الذي لم يكشف عن هويته، وقائد العملية دورون كامبل، الذي استقال من الجيش عقب الحادثة، ويدير اليوم مشاريع اقتصادية في الولايات المتحدة.
ويكشف التقرير الشامل الذي أعدّه -عمري أسنهايم لبرنامج “عوفدا” والذي استغرق العمل عليه أكثر من عام، والذي بث بالتزامن مغ صدور كتابه بعنوان “تسئليم- صدمة سييرت متكال”، أن التعليمات للاستعداد للعملية صدرت في العشرين من يناير/ كانون الثاني، 1992، من مكتب رئيس الأركان إيهود باراك، تحت سرّية تامة، وبدأت الاستعدادات لتنفيذ العملية، لمدّة شهور طويلة، لكن الحادثة وضعت حدا لها. ويكشف التقرير أن الاستعدادات للعملية كانت في مراحل متقدّمة، وأن رئيس الوزراء حينذاك يتسحاك رابين وافق على خطة رئيس هيئة الأركان العامة إيهود باراك لتصفية الرئيس العراقي، صدّام حسين.
ويورد المستشار العسكري لرابين في بروتوكول الجلسة أن «رابين يوافق على الخطة»، ويضيف على لسان رابين: ” ينبغي تنفيذ هذه العملية حينما تتوفر لها فرص النجاح لذلك يجب العمل على بناء القوة بأفضل شكل ومواصلة الاستعدادات “. واعتبر رابن أن «اغتيال صدام حسين هو هدف له دلالات كبيرة، متعلقة بأمن إسرائيل»، ويصف صدام حسين بأنه «ليس له مثيل في العالم العربي».
بموجب الخطة الأولى التي وضعها ليفين كان يفترض تنفيذ عمليّة اغتيال الرئيس العراقي خلال مراسم تدشين جسر 14 أكتوبر الذي قصفته القوات الأمريكية عام 1991، لكن موعد ومكان العملية تغيرا بعد ورود معلومات تفيد بأن أحد أعمام صدام حسين يحتضر في أحد مستشفيات العراق، فأجرى ليفين تغييرا على الخطة وتقرر تنفيذ العملية خلال مشاركة صدام في تشييع جثمان عمّه في مسقط رأسه تكريت. وحسب الخطّة الثانية تقوم القوة بإطلاق صاروخ “تموز” دقيق الإصابة، من منطقة تبعد عدة كيلومترات عن المقبرة، يستهدف مكان تواجد الرئيس العراقي صدام حسين، وتشمل الخطّة تفاصيل الهجوم وتأكيد القتل والانسحاب ومغادرة العراق.
وسئل أحد رجال الاستخبارات: ماذا لو لم يمت عم صدام؟، فأجاب: في هذه الحالة ينبغي تسريع موته. من جانبه يؤكد قائد العملية، دورون كمبل، أنه كان مقتنعا بضرورة تنفيذ العملية لما يشكله صدام حسين من خطورة على إسرائيل، ويؤكّد أنه شارك في عدّة عمليات في دول عربية. ويشير كمبل إلى أن ظروف تنفيذ العملية في المقبرة كانت مريحة، مؤكدا أن القوة كان ينبغي أن تتزود بعشرة صواريخ وتقسم إلى قسمين، قوّة استطلاعية صغيرة مزوّدة بمناظير، تقف في مكان يشرف على المقبرة لتحديد مكان وقوف صدام حسين، وقوّة أخرى على بعد عدة كيلومترات تطلق الصاروخ. وعن الانسحاب يقول كامبل إن استغلال صدمة العراقيين، وكون القوة مسلحة بصواريخ يتيح لها الانسحاب إلى نقطة التقاء القوّة الإسرائيلية الجوّية.
وخضعت الوحدة الخاصة لتدريبات مكثّفة على مجسم شبيه بالموقع الحقيقي، لكن التدريب الذي كان يهدف إلى فحص جاهزية القوة، والذي أجري بحضور كبار القادة العسكريين والأمنيين وعلى رأسهم رئيس الأركان إيهود باراك، انتهى بكارثة، حيث أطلق الصاروخ في توقيت خاطئ وقتل خمسة من افراد الوحدة الخاصة، وأصاب خمسة آخرين، وأدى ذلك إلى وقف التدريبات وبالتالي إلى إلغاء العملية.
يرسم التقرير التلفزيوني صورة كاملة للاستعدادات للعملية، ويدخل إلى الصراعات التي عصفت بالمؤسسة العسكرية خلال الاستعدادات، حيث برزت معارضة رئيس أمان، أوري ساغي، الذي اعترض على الزج بـ ليفين وتخويله بتخطيط العملية، معتبرا ذلك التفافا على صلاحيات أمان المسؤولة المباشرة عن “سييرت متكال”. وتبنّى ساغي موقفا معارضا للعملية برمتها، معتبرا أنها خطأ فادح ووصفة لكارثة، كما شكك في فرص نجاحها. وكان من بين المعارضين أيضا قائد “سييرت متكال” حينذاك دورون أفيتال، ورئيس شعبة العمليات الخاصة في القيادة العامّة، داني أرديتي، فيما تحفّظ رئيس هيئة الأركان أمنون ليفكين شاحك على العملية، غير أن باراك لم يستمع لأصوات المعارضة ومضى في الاستعدادات للتنفيذ.
ويدافع باراك خلال المقابلة عن قراره في تصفية الرئيس العراقي، معتبرا أنه شكّل حينذاك خطرا حقيقيا على إسرئيل، واعتبر في إحدى وثائق العملية التي عرضت في التقرير أن «خطورة الهدف تبرر العملية وتستحق بذل كافة الجهود»، معتبرا أن صدام حسين «من أشد المخاطر التي تواجه إسرائيل».
و يشير التقرير إلى أن باراك كان يعتمد بشكل كبير على عميرام ليفين، وكان يصر أن يكون إلى جانبه في كافة العمليات، ومن بينهاعملية اغتيال القيادات الفلسطينية كمال ناصر، كمال عدوان، وأبو يوسف النجّار عام 73، التي قاداها وتخفّيا بزي امرأة. أما وحدة العمليات الخاصّة “سييرت متكال”.
فتوصف في التقرير بأنها بأنها وحدة مُغلقة محميّة غير قابلة للنقد ويحظى أفرادها على حصانة، ومن بين عملياتها المشهورة أيضا، اغتيال القائد الفلسطيني أبو جهاد في تونس عام 88.
بعد الحادثة عصفت بالمؤسسة العسكرية والأمنية حرب جنرالات طاحنة، واتهم ساغي عدد من المسؤولين بالتهرب من المسؤولية. وتبادل كبار العسكريين والأمنيين الاتهامات حول العملية برمتها وحول المسؤولية عن حادثة التدريب.
خرج ليفين متضررا، وصرّح بأنه تعرّض للخيانة، في حين طال كمبل الكثير من النقد واضطر للاستقالة والسفر للولايات المتحدة. لكن الخلافات التي التي برزت في تلك الفترة لا زالت أصداءها تدوّي في أرجاء المؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية.