لماذا العدوان على غزة الان ؟ …وما هو سقفه؟
قد يصدق البسطاء ان العدوان الذي يستهدف غزة الان باليد الاسرائيلية و بالسلاح الاميركي الذي ينتج مباشرة او غير مباشرة باموال عربية ، قد يصدقون ان هذا العدوان جاء ردة فعل على صاروخ استهدف الية عسكرية اسرائيلية تحرشت بالقطاع و اقتربت منه في سياق الحصار المفروض على غزة منذ نيف و 5 سنوات خلافا لقواعد القانون الدولي و الانساني . وهي القواعد التي لا يوجد لها محل في الفكر الصهيوني الاستعماري.
1. و في الاسباب الحقيقية للعدوان كما نراها (العدوان المنفذ الان تحت تسمية ” عامود السحاب ” ( او عامود الغيم، او الغيمة المتصاعدة و المتمددة ) فانها تكمن في ان جبهة العدوان على العرب و المسلمين و مستفيدة من نظم التبعية و الارتهان ، احتاجت لمثل هذا العدوان لللسير قدما في مشروعها التصفووي للمقاومة و محورها ، و تاليا تصفية القضية الفلسطنينة كما تريد اسرائيل و داعميها ، و هو الهدف الاستراتيجي الاساسي الذي لا تستطيع الجهة المنفذة الافصاح عنه صراحة الان حتى لا تقع في سقطة حربي 2006 و 2009 ، حيث كان التحديد المسبق من غير تحقيقه دليلا على الهزيمة الاسرائيلية .لهذا انطلق العدو بعدوانه ، دونما اعلان مسبق لسقف العملية لكننا نستقرأ هذه الاهداف المتعددة الطبيعة بين عسكرية و سياسية و استراتيجية كالتالي :
أ. في الاهداف العسكرية المباشرة نرى ان اسرائيل تريد ان تضع حدا لتراكم القوة لدى المقاومة في غزة هذه المقاومة التي رفض قادتها الميدانيون المسار الذي اتخذ بعد احداث سورية ، فاحجموا عن الانصياع للبعض من المسؤولين الذين قادتهم خياراتهم الى التماهي مع الموقف الاعرابي الذي تعبر عنه قطر المعروفة الولاء و الانتماء و التبعية و الوظيفة بالنسبة لاسرائيل و اميركا. و بالتالي فاننا نرى في الاهداف العسكرية الحقيقية لهذه العملية ثلاثة اساسية هي :
1) تصفية القادة المقاومين من مقاتلين و سياسيين ليخلوا المجال امام الاخرين الذين ارتبطوا بالمشروع الغربي لانفاذ مشروعهم الاستسلامي و لهذا نرى ان الخطر يحدق بكل قيادي في المقاومة في غزة يرفض مسار تصفية المقاومة و لا يقبل بالقول وداعا ايها السلاح .
2) تدمير ما امكن من مخزون الصواريخ الذي تمكنت المقاومة من تشكيله تصاعديا خلال السنوات الاربع التي اعقبت حرب 2009 .
3) تدجين المقاومة ثم تغيير واقعها في غزة من الوضع الذي عليه الان حيث هي قابضة على السلاح قادرة على المواجهة ، الى الوضع القائم في الضفة الغربية و الذي يصدق عليه القول بالمقاومة المشلولة المقيدة ان لم نقل المنعدمة بسبب التنسيق الامني و القمع الذي تمارسه اجهزة سلطة اوسلو بالتعاون مع ااجهزة الامن الاسرائيلي .
ب. اما في الاهداف السياسية الاستراتيجية ، فان ارادة اسرائيل و الغرب بالقيادة الاميركية تريد معرفة حقيقة الانظمة الجديدة التي قامت في معرض اكذوبة “الربيع العربي ” ، و اختبارها للتحقق من صدقيتها حيال الغرب و هل ستكون وفية لتنفيذ التزاماتها الناتجة عن صفقة ” السلطان لنا اي للغرب و السلطة لكم اي للقوى الممسكة بالانظمة المحدثة “. اختبار يريد الغرب ان يجريه قبل ان يندفع اكثر في الانخراط العملي و الميداني في الازمة السورية خاصة و انه تيقن ان تحقيق اهدافه في سورية يتطلب برأيه قرارات خطرة لا يمكنه اتخاذها قبل الاطمئنان الى مواقف تلك الانظمة المنتجة على عجل تحت عناوين دينية ، يريد معرفة ردات فعلها الحقيقية على تصفية القضية بدءا من تصفية المقاومة في غزة .
ت. اما في الاهداف الاسرائيلية المباشرة فهي متعددة منها ما له علاقة بالانتخابات النيابية و و منها العسكري المتعلق باختبار المنظومات و الخطط و الاسلحة التي اعتمدت بعد حرب 2006 و 2009 من اجل تحصين الجبهة الداخلية ، و منها السعي الى ترميم القدرة الردعية الاسرائيلية و استعادة الهيبة قبل اي عمل قد تقوم به او تقرره على الجبهة الشمالية ضد لبنان و سورية فضلا عن ايران .
2. و لتحقيق هذه الاهداف يبدو ان العدو اعتمد خطة مرنة ذات مراحل متتابعة و مفتوحة على كل الاحتمالات و بشكل يمكنه التوقف في اي مرحلة او اي لحظة دون ان يخشى توصيف الهزيمة او الاندفاع الى الحد الاقصى اي عودة الاحتلال الى القطاع لفترة محددة و بالتالي فاننا نرى ان خطة العدوان كما يمكن استقراؤها حتى الان قائمة على :
أ. مرحلة اولى : او المرحلة النارية المكثفة التي بدأها الطيران بشكل اساسي ، و التي تهدف الى تصفية القيادات الميدانية ما امكن ، و تدمير ما خزن من صواريخ ، و تحاول اسرائيل هنا ان تتجنب استهداف المدنيين . و في هذه المرحلة قد تدعي اسرائيل انها حققت اهداف العدوان بسرد ما انجزته في الميدان من قبيل القول بانها قتلت القائد الميداني الابرز في المقاومة و الرافض لمسار التسوية الاستسلامية ( احمد الجعبري ) معطوفا على الادعاء بانها دمرت المخزون لاكبر من الصواريخ .
ب. المرحلة الثانية : و تنتقل اسرائيل اليها ان وجدت الطريق الميداني و البيئة الدولية مفتوحة لذلك . و سيكون اداء المقاومة مؤثرا في القرار الاسرائيلي . اما في التنفيذ فقد يكون متمثلاً في تضييق الحصار البري على غزة عبر احتلال شريط حول القطاع و فيه و بعمق يتراوح بين 3 الى 5 كلم و يكون من شأنه تعطيل استعمال الجزء الاكبر من مخزون الصواريخ ، مترافقا مع تدمير الانفاق لمنع التعويض .و هنا قد تدعي بانها حققت المطلوب من العدوان .
ت. المرحلة الثالثة و هي تطوير للمرحلة الثانية و تكون باحتلال ممرات في القطاع بعرض 2 الى 3 كلم من اجل تقطيعه الى مربعات ثم حصار تلك المربعات دون الدخول في مواجهة ميدانية مباشرة مع المقاتلين في الاماكن السكنية .
ث. المرحلة الرابعة احتلال كامل القطاع والسعي لاجراء عملية اجتثاث كلي للمقاومة و ملاحقتها بشكل يذكر بالعام 1982 في لبنان .و قد بدأت اسرائيل بالتحضير لها و للمرحلة الثالثة عبر استدعاء 75 الف من الاحتياط ، و تحضير البيئة الدولية لتقبل هذا القرار و نتائجه .
هذا ما يمكن استنتاجه الان من طريقة ادارة جيش العدو لعملياته وكما بات واضحا يبقى امر توقف العدوان او استمراره حتى اقصاه رهن بعاملين :
1) الاول اداء المقاومة خاصة في مسألة ادارة النار و المحافظة على زخم اطلاقها بما يحافظ على مسألة انتاج الخوف لدى الاسرائيلين و هو الخوف الذي لا بد منه من اجل انتاج الردع المطلوب و منع اسرائيل من ترميم قدرتها الردعية ، و هنا نذكر بان ليس مطاوبا من المقاومة كثافة من النيران التدميرية لان وظيفتها ليست التدمير ، بل عليها ان تلتزم نسقا من النيران يتعهد انتاج الخوف في النفس الاسرائيلية ،
و في هذه النقطة يمكن ان نقيم اداء المقاومة حتى الان في الخانة الايجابية خاصة و انها احدثت من المفاجأت ما اربك العدو خاصة في القدرات النارية المتوفرة لديها و بدقة اصابة بعض الاهداف في ممنطقة تل ابيب و هو ما ادخل عاملا جديدا ضاغطا على اسرائيل وضعها في موقع حرج لجهة اتخاذ قرار حول الحرب استمرارا او توقفاً .
2) اما الثاني فمتعلق بالموقف الاقليمي و بالاخص الموقف المصري . الذي يكاد يوازي في فعاليته عمل المقاومين . و حتى هذه اللحظة نستطيع القول بان الموقف الدولي و العربي و الاقليمي في غالبيته يعمل لصالح اسرائيل و يشجعها على متابعة العدوان بما يذكر بالوضعية ذاتها التي قامت خلال حرب 2006 ضد لبنان . و هنا بات المراقب يطرح السؤال هل ان التواطؤ العربي قائم الان ايضاً ؟ خاصة و ان في مشهد العرب في جامعتهم و مواقف بعض الدولة ما يجعلنا نقول بالتواطؤ من غير خشية التجني على احد ، و الا كيف نفسر ان يصف العرب انفسهم بالنعاج امام اسرائيل ، و هم انفسهم من كشر عن انياب الذئاب ضد سورية و شعبها ؟ و ستبقى هذه نظرتنا و خشيتنا من الموقف العربي ، دونما ضرورة لاعادة النظر بها ، الا اذا رأينا قرارات و مواقف ليس اقلها :
– تهديد مصر او اقدامها على تجميد او الغاء اتفاقية كامب ديفيد .
– العمل على تسليح المقاومة في غزة بعد ان يتخذ قرار نهائي بكسر الحصار و فتح معبر رفح بدون قيد او شرط
-وقف التعاون الاعرابي مع اميركا في الملفات الاقليمية و العربية و في طليعتها المسألة السورية .
– الذهاب الى الجمعية العامة للامم المتحدة لادانة اسرائيل في كل ما تقوم به و للحصول على الاعتراف بفلسطين دولة مراقب غير عضو فيها .
اما ما دون ذلك ، او ما صدر حتى الان من مواقف عربية فهي ليست ذات قيمة عملية و لا تعدو كونها مواقف كلامية و خطابات شاعرية تغري العدو بمتابعة عدوانه و تؤكد التوطؤ العربي معه .
ويبقى القول و على اتجاه اخر ، انه لا يمكن الركون لموقف غربي من هنا او لتصريح اسرائيلي من هناك يروج لفكرة قرب وقف العدوان ، فهذا العدوان لن يتوقف الا بسد ناري تحدثه المقاومة المحتضنة من محورها الحقيقي و يدعمه موقف عربي صلب تبادر مصر الى تكوينه .