شاهدوا الصور” عسى يخجل المسؤول العراقي” : بايسكل روتتي ومصفحات ساسة “المنطقة الخضراء”!
المقال
لا مجال للمقارن بين خصال الزعيم الهولندي (مارك روتتي) وبين خصال أصحاب المناصب العليا من المترفين المتظاهرين بالتعفف, المتجلببين بجلباب الورع والتقوى, فالرجل هولندي الأصل والتربية, لا يصوم شهر رمضان, ولا يزكي أمواله, ولا يصلي الصلوات الخمس في أوقاتها, لكنه رجل بسيط متواضع لا تفارقه الابتسامة, يتنقل بدراجته الهوائية من والى مقر عمله, يطوف بها في شوارع المدينة, ملتزما بقوانين المرور, مراعيا لشروط السلامة البيئية, لا يخشى أحد, ولا يعترضه متطفل, يغادر منزله صباحا, فيتفحص إطارات دراجته الهوائية بنفسه, ثم يركبها بثقة ونشاط, لينطلق بها نحو مقر عمله من دون أن يصدر أي ضجيج, ومن دون أن ترافقه العربات المدرعة, والسيارات المصفحة, ومن دون أن يختبئ خلف زجاجها المظلل, ومن دون أن يحيط نفسه بفوج من ذوي الرؤوس الحليقة والعضلات المفتولة, ومن دون أن ترافقه كوكبة من المركبات الحديثة ذات الدفع الرباعي, وناقل الحركة الخماسي, والأنوار السداسية, و(أم سبع عيون), ومن دون أن يتعمد السير عكس الاتجاهات النظامية, يحترم الناس ويحترمونه, يتبادل معهم التحيات الصباحية ملوحا بيده, يتفقد أحوالهم, ويستطلع مشاكلهم من دون وسيط وبلا تكلف. .
من الظواهر الغريبة عندنا في العراق إن أصحاب المراتب الفوقية استحوذوا على الأرصفة المحيطة بمنازلهم, واقفلوا الشوارع والأزقة المؤدية إليها, أحاطوها بالمصدات الكونكريتية, طوقوها بالحواجز الخراسانية, ثم نصبوا العارضات الأنبوبية والمطبات البلاستيكية, ووزعوا الكاميرات والأسلاك الشائكة وكابينات الحراسات الخارجية, فتحصنوا في قصورهم المنيفة, ومنعوا الناس من المرور وحرموهم من الحركة, لا نكاد نراهم إلا في الفضائيات يتحدثون في القنوات كلها عن العفة والنزاهة والبساطة والتواضع, ويتكلمون بلباقة ما بعدها لباقة عن علاقاتهم الحميمة بالجماهير. .
في بريطانيا اكتشف رئيس وزراؤها (ديفيد كاميرون) إن دراجته الهوائية أسهل له وانفع وأسرع في التنقل, ولا تكلفه شيئاً, وهكذا حذا حذو نظيره الهولندي, فركب دراجته وتجول بها لوحده في ضواحي المدينة. .
أحيانا يصطحب زوجته وأطفاله إلى الأسواق الشعبية, يتمتع بحريته الشخصية بين عامة الناس, يمارس حياته الطبيعية بلا حراس, ولا رجال أمن, ولا بودي غارد, ولا يتبعه الانتهازيون والوصوليون, ولا تسمع أهازيجهم الولائية المستنسخة (بالروح بالدم نفديك يا كاميرون), فالرجل جاء بسيارته, وتجول بمفرده, وتعامل معه الناس مثلما يتعاملون مع بعضهم البعض, من دون حواجز ولا موانع ولا فوارق وظيفية أو طبقية. .
في الولائم والعزائم والدعوات الخاصة يتوافد المسؤولون في العراق على المكان بمواكبهم الملكية الإمبراطورية المعززة بالحمايات, فتتكدس السيارات المصفحة والعربات المسلحة في الطريق العام, حينئذ يتعين على صاحب الدعوة أن يوفر الطعام بكميات هائلة لفوج كامل من عناصر الحماية, حتى لا يتسبب في زعل المسؤول. .
بينما يتناول الرئيس الأمريكي أوباما الوجبات السريعة مع ضيفه الرئيس الروسي (ميدفيديف) في مطعم ريفي صغير لبيع البرجر, يجلسون مع شباب القرية في مكان عام بالقميص والبنطرون, من دون أن يتقرب منهم أحد, ومن دون أن يتسببوا بإزعاج الناس, فالتواضع والبساطة وخفة الدم هي العوامل التي تحقق الوئام والانسجام بين الرئيس والمرؤوس. .
أحيانا يشاهد الناس الملكة البريطانية تحمل أكياس القمامة لتضعها في المكان المخصص لها خارج قصر توتنغهام, تركب الباص (الأتوبيس), تدفع سعر التذكرة من حقيبتها الصغيرة, تحتسي الشاي في المقاهي الشعبية, وأحيانا تمارس هواية القراءة في المكتبات العامة. تذهب وتعود لوحدها من دون حمايات ولا صفارات ولا دراجات نارية, حتى لا تنغص حياة الناس بأصواتها الصاخبة. .
هؤلاء كلهم من خارج مجتمعاتنا, لا يدينون بديننا الذي أوصانا بالتواضع ومكارم الأخلاق, ولا ينتمون إلى قوميتنا العربية الشرقية, التي زرعت في قلوبنا حسن التعامل مع الناس, لكنهم تمسكوا بالثوابت الإنسانية النبيلة, واختاروا البساطة سلما مهذباً للوصول إلى قلوب الجماهير, فاكتسبوا حب الناس بالرفق والتعامل المرن, ونالوا حب الله وحب العباد بالابتسامة الرقيقة والكلمة الطيبة, اما السيارات المدرعة والعربات المصفحة والمركبات المظللة التي تصنعها معاملهم العملاقة, فقد قرروا تصديرها إلينا بالعملة الصعبة وبأغلى الأسعار حتى يركبها أبطال السيرك السياسي فيتبختروا بها في أحيائنا السكانية البائسة المهملة القلقة الكئيبة, وعرب وين طنبورة وين ؟؟. . .
تعليق من القوة الثالثة لو سمح الكاتب الكريم
هل يخجل المسؤول والسياسي العراقي الذي أمامه عدد من المصفحات ،وخلفه عشرات المصفحات وسيارات الحمايات وحتى لو ذهب لشراء ” باكّة” فجل أو نفر كباب؟
هل يخجل ساسة ونواب ومسؤولي العراق والذين 80% منهم بلا تاريخ سياسي وعلمي وثقافي وفكري وأجتماعي وتراهم يكرهون الشعب والنظام والعدل والقانون وورائهم وأمامهم عشرات المصفحات؟
ألا يخجل هؤلاء الذين 85% منهم لا يمتلكون حتى 30% من الكاريزما التي يجب أن تتوفر عند القائد والسياسي والنائب والمسؤول؟
عشرات منهم يستحقون مخصصات للاستحمام وتنظيف الوجوه الكالحة والأسنان القذرة والملابس غير المنسجمة. ماذا يقول هؤلاء عندما يشاهدوا الصور التالية ولأرفع المسؤولين في أرقى الدول وهي أمريكا، وبريطانيا، وهولندا على سبيل المثال؟
ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم؟ لا نعتقد سوف يخجل هؤلاء على الإطلاق لأنها نقطة وسقطت جباههم حال تحويلهم الى نعاج من قبل بول بريمر، وصدق عندما وصفهم في كتابه وتوصياته