لا تهادنوا المحتل، إنه عمل غير صالح
ليست الدروشة .. ولا هي العصبية، أو القبلية، أوحتى الوطنية والقومية.. وإنما نعتمد هنا منطق الإنسانية؛ نتفاهم، ونتدارس، ونتناقش مستخدمين في براهيننا منطق الإنسان؛ الإنسان الذي هو الخليفة لله على الأرض، و أمّا أصحاب العمائم، واللحى، و الدراويش: فنترك لهم الحق في الحديث عن الأمر بمنطق السماء.
حسناً، ما هو إذن مفهوم الصلاح بمنطق أهل الأرض؛ أولئك المحبين الحريصين على حياة ؛ المعتمدين (السالكين) دروب العلم.؟ إنّ الصلاح بمنطق أهل الأرض ـ حتماً ـ لن يخرج عن مفهومه في الإطار العام الذي هو (النفع) والنفع هنا: إنما هو النفع العام لأهل الأرض ـ لا لفئة دون فئة. و هنا يبرز لنا حقيقة الحاجة إلى معيارٍ يُحدِّد لنا الخط الفاصل بين النافع، و غير النافع؛ وهذا المعيار: إنما هو العلم.
كما و نحتاج بالتالي إلى مَرجع يُنظم لنا العلاقة بين أهل الأرض؛ بعضهم ببعض، ويُقيم العدالة في توزيع النفع، كما في توزيع التكاليف، والعِبء ؛ وهذا المرجع: إنما هو القانون . ومن العلم، والقانون، تكتسب الأعمالُ شرعيتَها. ولكن ما أهمية أن تكتسب الأعمال شرعيتها؟ إنَّ الأعباء، والتكاليف اللتين يُنظمهما العلم، و يُرتبهما القانون ـ تـُوجبان أن يسعى الإنسان على الأرض إلى عمار(صلاح) الأرض، ومن مُتمِّمات مفهوم الصلاح العام هنا هو الإصلاح؛ وهو إزالة ما لحق بالشيء من فساد.
ومن نافلة القول أنْ نقولَ بأنَّ الله عندما خلق الأرض فقد خلقها صالحة للحياة، وأنّ ما يمكن أن نراه عليها من فساد ؛ إنما هو بالضرورة فساد ناتج عن إفسادٍ حادثٍ، غير أصيل؛ قام به محدثون (مفسدون) فالعمل الشرعيّ إذن: هو عملٌ أقرّ نفعَه العلمُ، وكلفنا القانونُ القيام به، و تـبَنِّيه. والعمل غير الشرعيّ بالتالي: هو العمل الذي أقرّ العلمُ فساده، وكلفنا القانون تَجَنُّبه، ودَفعه، ومجاهدته، وإزالة آثاره. من المفارقات العجيبة حقاً أنّ المفسدين في الأرض أسموا أنفسهم بأنفسهم (مستعمرين)؛ وهم في حقيقة أمرهم إنما هم (مستخربون) !!
والحاصل أنّ أصحاب الأرض المسلوبة أخذوا (وبسلامة نيـّة) المصطلح بلغة المحتل الغاصب للأرض، وترجموه حرفياً بلغتهم الأصلية، وخرجوا علينا بمصطلحات تؤدّي عكس المعنى المقصود تماماً؛ من قبيل “استعمار” ، و “مستعمرين” و المقصود هو: استخراب، ومستخربين !!
فعندما نتجاوز القانون الذي تعارفنا عليه ونتعدّى الحدود المرسومة بين حق الإنسان وأخيه الإنسان، فهذا ولا شك عملٌ غير شرعيّ يؤدي إلى غيرما تـُعُورِفَ عليه من أعمال تسير في درب تحصيل المنفعة المتحققة من إعمار الأرض؛ بل هو عكس ذلك تماماً؛ إنه في حقيقته ليس إلا إفساداً في الأرض. وعندما يكون على الأرض فسادٌ ومفسدون، فمن الواجب والشرع (القانون و العلم) دفع الفساد، ومجاهدة المفسدين ؛ وإلا نكون قد غيّبنا القانون، أو أنَّنا أهملنا دورنا في القيام بواجباتنا، وتـَحَمُّلِ أعبائنا؛ في سبيل هدفنا في النفع الناتج عن إعمار الأرض، والأخذ على أيدي المفسدين فيها، العابثين بصلاحها؛ وهنا نكون إزاء فساد آخر؛ من نوعٍ آخر؛ ونحن أنفسنا ـ هذه المرة ـ أبطاله !!
وهنا يصبح التقاعُس عن دفع فساد المفسدين وإزالة آثاره، عملاً غير شرعيّ، موازٍ لفساد المتجاوزِ على القانون ـ نفسه ـ ؛ القانون الذي أقرّه العالـَمون .. القانون الذي وضع الحدَّ بين حق الإنسان ، وأخيه الإنسان. إنني أتعجب لأولئك الذين يَدبُّون بأرجلهم على الأرض، يروحون و يجييئون؛ يحللون و يُنظـِّرون هنا وهناك ، لهذا وذاك من الحكام والشعوب؛ يُوَصِّفون الحالة بين المحتل، المستحِلّ لأرض الغير، وبين أهل الحق؛ أهل الأرض الأصليين ـ و يُفنـِّطون القول ويَتفنـَّنونه من قبيل:” هذا ما يحق للمُحتل المُستَـَحِِلّ ، وهذا ما لا يحق لصاحب الأرض المغتصبة، والعِرضْ !!
إنني لا أتوجه باستعجابي واستغرابي هذا لأصحاب الحق، والأرض المنتهكة، والعرض؛ من العرب والفلسطينيين وكل المظلومين و المستضعفين على الأرض فحسب ـ بل أتوجه إلى المفكرين و المُنظـِّرين المتفذلكين، وإلى كل أصحاب القوة، والسلطة، و الجاه؛ من الحكام والملوك، والأمراء والسلاطين، ومنهم وعلى رأسهم دوائر أهل الرأي، و صُنعِ و اتخاذ القرار في العالم، أنْ: كفاكم دجلاً يا سادة، وحسبكم كذباً نفاقاً .. فلا أمريكا ولا بريطانيا ولا غيرهما بقادرِين على قلب الحقائق، وفبركة الشرائع والقوانين، ولـَيّ الأذراع، وتعديل ناموس الكون؛ ليسير على أمزجتهم وهديهم السافر المبين. ولا أنجيلا ميركل (ولاغيرها) تستطيع تغيير العالم، أو إضلاله بورقة ؛استيقظت لتجدها جاهزة على مكتبها؛ ممليَّةً عليها لتأتي هي بدورها وتـُمليها علينا ؛ لعلـّها تخدع مَن ينخدع !!
كما وليست اسرائيل بالكيان الذي يمكن أن نـُضحي بأمان العالم، وصلاحه؛ من أجل أن نقيم لها دولة على أشلاء ودماء أصحاب البلاد الأصليين، وعلى حساب أرضهم، وعرضهم، ومقدّراتهم، و وجودهم نفسه !! فاحتلال، واستحلال حرمة الغير من قبيل اغتصاب الأرض، وهتك العرض، والعبث بمقدرات الشعوب هو: جُرمٌ إنسانيّ، وكبيرة من الكبائر، و سابقةٌ نوعية تهدِّد بني البشر، وتعبث بمستقبل عيشهم على الأرض؛ وليس من النفع، ولا من القانون أو العلم أنْ تقفوا ـ يا أنتم ـ إلى جانب المجرمين الخارجين على القوانين ، ولا أنْ تـُجافوا أصول وقوانين العلم، وتهتكوا عذريّة الأرض!
بل من الجُرمِ، والجهل في تعاملنا، و ردود أفعالنا إزاء الفاسد، العابث، المجرم، المحتل؛ أنْ نُداهنَ، أو نهادنَ، أو نـُسالم، أو نـُصالح !
فإنَّ هذا يا السادة، أقول لكم ـ و باللـّيِّن من القول ـ وبمنطق شريعة أهل الأرض ـ لا هو من العلم .. ولا هو من الشرع .. إنه عملٌ غيرَ صالح !!. *** لا تهادنوا المحتل، إنه عمل غير صالح
محمد عزت الشريف ***