الحاكمون في الأرض (ج1)
مشكلة مصر(والأرض بعامة) الآن (وقبل الآن) .. أنَّ الذين يخططون لها ويديرون شئونها هم الموظفون ! والذين يُقنـِّنون لها، و يُشرِّّعون ويحرِّمون؛ هم أُناسٌ ـ لمثل تلك المهام ـ غير مؤهلين. والذين يقودونها ، و يسوقونها ـ عادة ـ هم العسكر !
والذين يُنَظَـِّرون لها دائماً هم قساوسة الكنائس، و شيوخ الجوامع؛ ذوو الجلابيب البيض، والعمائم الحمر، والسود ، وبالطبع لا ننسى العمم الخضراء التي نَدُرَت الآن و انقرضت بانقراض ( أسيادنا الأوليّا) في زمن طغيان المادة وسيادة مفاهيم البراجماتية !! وهذه الفئات قطعاً لا تمتلك مؤهلات الإدارة و القيادة، ولا التخطيط ، أو التنظير .. فالقيادة تحتاج فيما تحتاج إلى المبادرة.
والتخطيط يحتاج إلى خيال جديد لا مثيل له يُقاس عليه. والتنظير يحتاج إلى انفتاح واسع على كل الديانات، والمذاهب، و المناهج و الثقافات. ونحن نعلم أن الموظفين الحكوميين لدينا بالقطع هم أناس اعتادوا على الروتين والقولبة وتنفيذ الأوامر التي تأتيهم من أعلى. والذي هو بالأعلى ـ هو الآخر ـ لا يبادر حتى تأتيه الأوامر مما هو أعلى فأعلى، و هكذا … حتى إذا ما وصلتَ من الهرم إلى القمة التي تظن أن ليس بعدها قمة، فوجئت لتوِّك أنَّ تلك القمة هي الأخرى لا تمتلك المبادرة والاستقلالية، بل ترتبط في غالب سياساتها بسياسات قمم أخرى موازية؛ كأن تكون سياسة دولة عظمى، أو جهة سيادية، أو حتى ربما ترتبط أحيانا بظروفٍ شخصيةٍ لرئيس الجمهورية ـ مثلا ـ أو حرم رئيس الجمهورية؛ كما كان يحدث مثلا في عهد مبارك العجوز الذي كان ينقل عاصمة بلاده من الوسط، إلى الجنوب، إلى الشرق، إلى .. إلى … حسب الحالة، و حسب درجات الحرارة اليومية، و حالته الشخصية الصحية !!
أما القوانين والدساتير والقرارات الهامة والمصيرية والتي تقع مسئوليتها على عاتق أولئك المنتخبين من الشعب، قلا نكتمك العوار والعيب الذي يشوب قوانين ونظم انتخابات مجالس الشعب في بلادنا التي اشترطت أن يكون أكثر من 50% من هؤلاء الناس (النُوّاب للشعب) من العمال أو الفلاحين غير المؤهلين، بل و كثيراً ما كانت تخضع تلك القوانين و القرارات والدساتير لآراء و أمزجة و تأثيرات وضغوطات السيدات قرينات رؤساء الجمهورية (كما في عهد السادات والمبارك المخلوع) !!
وما نقوله على الموظفين ينطبق تماما على فئة العسكر .. وأكثر ! ولا نحتاج لأنْ نُفَصِِّّل في ذلك كثيراً، ولكن نكتفي بأن نُذَكِّرَ بأن قمة هرم الموظفين هي هي نفسها قمة هرم العسكر؛ فالرئيس المبارك المبروك كان على سبيل التمثيل كبير الموظفين، وفي ذات الوقت كان قائداً للعسكر .. وأكثر !! أما شيوخنا أصحاب الجلابيب البيض والعمامات الملونة فهؤلاء هم البركة (والبركة كما هو معلوم لا تعني الكثرة والوفرة) بل تعني القليل المُقنع .. في عالم ـ بطبعه تحكمه ثقافة الكمِّ، و الوفرة ـ ليحل مشاكله التى هي بمكان من التباين، و التنوع، و الوفرة ـ عالم ماديٍّ متضخم لا يُغنيه قليله أبداً عن كثيره !! و شيوخنا .. هم أهلُ وَرَعٍ، وزهدٍ، و تقوى وليسوا مؤهلين أبداً للمغامرة والمجازفة والتجريب و التجديد والتطوير .
وهم سلفيون (بطبعهم وحسب تعبيرهم ) مرجعيون ينظرون إلى الخلف ، ويكرهون الإبداع و الحداثة ، ويربطون بينها وبين الضلالة؛ ثم لا يزالون بها حتى يطرحوها في النار !! وهم ملتزمون على صراطٍ واحد وكتاب واحد لا يخرجون على نصه ولا يحيدون في تفسيره عن تفاسير الأقدمين، ولا حاجة لهم البتة إلى ما يحتاجه هذا العالم في هذا الزمن من الانفتاح على الآخر ( الصابيء) أو الأُخرى (المتبرجة) شيوخنا الفضلاء .. يعبدون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، إنهم يعمرون مساجد الله حتى أصبحت أكثر اكتظاظاً من المدارس والمعاهد والمعامل والمصانع ؛ و أصبحت تحفاً فنية في المعمار والزخرفة تفوق كل بنايات مدينتنا القديمة المتهالكة .
فيما تحتاج مدينتنا المتهالكة لرجال يحققون لها ـ بحق ـ البركة المقترنة بالكثرة ، ويحتاج ذلك بالطبع لرجالٍ مجازفين مجددين مطورين. تحتاج مدينتنا العريقة المتهالكة لمدارس ومعاهد وجامعات تفوق عدد الجوامع و المساجد و الزوايا ولا يكون ذلك ولا يتحقق إلا بالانفتاح على العلم، والعلم يحتاج للتواصل مع الآخر المؤمن منهم والصابيء، والأُخرى الكاشفة منهن والمحتشمة. إن الحلول لمشاكل مدينتنا القدبمة، لن تكون إلا باعتماد طرق تفكير، وزوايا رؤيةٍ جديد ة؛ للوصول إلى حلول مبتكرة، مستحدثة بديعة، جريئة لا تخشى صِمَةَ الضلالة، ولا تـَؤولُُ مآل النار !! …
نكمل في الجزء (2) ***