التناقض السعودي: تدعو لحوار الأديان بالنمسا… وتُبشّر لـ “السلفية الوهابية” في سويسرا!
يُفتتح الاثنين القادم بالعاصمة النمساوية فيينا “مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات” بحضور أكثر من ستّ مئة شخصية من أتباع الإسلام والمسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية، وبعد أقلّ من ثلاثة أسابيع، من المُتوقّع أن يحضر الدّاعية السعودي محمد عبد الرحمن العريفي مُؤتمرا في سويسرا ويُحاضر للتّحريض على الكراهية والعنف وزواج القاصرات.
أهداف استراتيجية
في فيينا، سيحضر حفل الافتتاح ضيوف على مستوى رفيع، في مُقدّمهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ورئيس وزراء جمهورية النمسا، المستشار فيرنر فايمن، ووزراء خارجية الدول المشاركة في تأسيس المركز ـ الأمير سعود الفيصل (السعودية) وميخائيل شيبندلاجر (النمسا) وخوسيه مانويل جارثيا مارجاللو (إسبانيا)، وكذلك مندوب عن الفاتيكان الذي يملك صفة “مُراقب”، وأمين عام رابطة العالم الإسلامي د.عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ووزير الشؤون الإسلامية السعودي الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ.
وسيحضر الحفل أيضاً رجال دين من داخل وخارج النمسا، يتقدّمهم تسعة مندوبين (ثلاثة مسلمين وثلاثة مسيحيين ومندوب واحد عن كل من الديانات اليهودية والبوذية والهندوسية)، والذين سيترأس أعمالهم النائب السابق لوزير التربية والتعليم السعودي، الشيخ فيصل بن عبد الرحمن بن معمر، ونائبته وزيرة العدل النمساوية السابقة، كلاوديا بانديون ـ أورتنر.
وسيسعى المركز إلى “نشر وتطوير المعرفة في مجال الحوار وإرساء وتعزيز احترام الاختلاف إضافة إلى بناء جسور للتواصل بين أتباع الأديان والثقافات، بما يعزز القواسم المشتركة فيما بينهم ويوحّد المواقف تجاه المشاكل التي تواجه المجتمعات الإنسانية من الفقر والجريمة والإرهاب والأمراض والأوبئة وغيرها من المهددات في بناء الأسرة والمجتمع لدى كل شعوب العالم”، وفقا لـ”أهدافه الاستراتيجية” المُعلنة رسميا سعوديا.
المُموّل الرئيسي يحارب التعددية الدينية
تعود فكرة تأسيس المركز إلى الملك عبدالله الذي قرر ذلك بعد لقائه سنة 2007 مع بابا الفاتيكان في روما. وتعزّزت الفكرة في عددٍ من المؤتمرات واللقاءات في مكة المكرمة ومدريد ونيويورك وجنيف ثم في فيينا.
والجدير بالذّكر أن المركز تعرّض في الفترة الأخيرة لانتقادات من بعض وسائل الإعلام النمساوية، لأن المُموّل الرئيسي، أي السعودية، “تمنع غير المسلمين من مُمارسة شعائرهم الدينية”، كما قالت إحدى الصحف.
وتساءلت أخرى “كيف تأتي مبادرة حوار الأديان من اكثر الدول ممارسة لسياسة محاربة للتعددية الدينية وتهميشا للأقليات الدينية المحلية؟”.
وأكدت صحيفة (20min) التي تصدر بالفرنسية وأيضاً بالألمانية أن “السعودية ستتبرع في السنوات الثلاث الأولى بمبلغ 10 إلى 15 مليون يورو، بينما تدعم الحكومة النمساوية المركز عن طريق إعفائه من الضرائب”.
مُؤتمر لـ”السّلفنة” في سويسرا
في سويسرا ـ حيث يُعاني المسلمون من عدة صعوبات تشمل التمييز في مجال التشغيل والتوظيف والحصول على فرص للتدريب والتكوين المهني وأحيانا حتى في الحصول على إيجار بيت للسكن ـ “سيتسبب ‘المجلس المركزي الإسلامي’، (الذي يمثّل التيّار الإسلامي المُتشدّد) في غضب عام، حيث قام بدعوة الداعية السعودي محمد العريفي إلى مؤتمره السنوي في 15 ديسمبر/كانون الأول”، بحسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن مُؤسسة ورئيسة “المنتدى من أجل إسلام تقدمي في سويسرا” ـ وهو يمثّل التيّار الفكري والعقائدي المعتدل – سعيدة كيلّر- مساهلي (Saïda Keller-Messahli)، وهي مواطنة سويسرية من أصل تونسي تقيم في زيورخ، أن “العريفي يطالب بعدم تحديد سن أدنى لزواج الفتيات وبالسماح بممارسة الجنس معهن في سن التاسعة، ويدعو كذلك إلى العنف ضد النساء واليهود والمثليين جنسياً”.
وأضافت الصحيفة أن “بعض المسلمين المعتدلين يقولون أن ‘المجلس المركزي الإسلامي’ يُريد الاستفزاز عبر دعوة العريفي، وأنه بذلك يُسيء إلى سمعة الإسلام والمسلمين” في بلد تمتزج فيه أعراق وجنسيات قادمة من دول متعددة وتنتمي إلى ثقافات وديانات مختلفة.
ونقلت الصحيفة عن المتحدث باسم “مجلس الاندماج السويسري” – وهو من المُؤسّسات التي تساهم في الحوار بين السلطات والمسلمين لوضع أسس توافق وطني وتعايش سلمي في سويسرا – أنه “يُراقب الأمر” وأنه “في حال وجود خطر على أمن سويسرا، فإنه سيطالب بمنع دخول المتشددين”.
غير أن المتحدث باسم “المجلس المركزي الإسلامي” أكّد أنه مُتمسك بدعوة العريفي، مُعتبرا أن “رأي العريفي ضد المثليين جنسياً يدخل في نطاق حرية التعبير عن الرأي”.
جدل في فريبورغ
وقالت وكالة الأنباء الكاثوليكية الدولية (Agence internationale catholique de presse APIC) في بلجيكا أن “الاتحاد الديمقراطي للوسط” في فريبورغ أعرب عن “قلقه” من مشاركة الشيخ السعودي محمد العريفي الذي يشجع “الكراهية والعنف”، وطالب سلطات مقاطعة فريبورغ بـ”إعادة النظر، بل وسحب اتصريح الممنوح للمجلس الإسلامي السويسري بتنظيم هذا المؤتمر في منتدى فريبورغ”.
كما نددت المنظمات السويسرية الألمانية بالعريفي، “صاحب الفتاوى المعادية للسامية والتصريحات المهينة للمثليين والنساء الغربيات”. وطالب رئيس “الاتحاد السويسري للمسلمين السابقين”، قاسم الغزالي، رئيس من السلطات السويسرية بـ”التدخل بشكل عاجل وباتخاذ التدابير اللازمة لمنع العريفي من إلقاء محاضرات”.
وكان العريفي، الداعية الإخواني المرجعية، قد زار مُؤخّرا تونس وألقى سلسلة من المحاضرات الدينية في عدد من الكليات التونسية، دون ترخيص مسبق من المجالس العلمية للكليات، حول “الحجاب” و”الاختلاط” و”العقيدة الإسلامية” ما أثار حفيظة الأساتذة الجامعيين والمثقفين. وأثارت زيارته جدلا حادا في الأوساط السياسية والفكرية التونسية.
وهنا المُشكلة!
وكانت الحكومة السويسرية قد أطلقت ـ بعد إقرار حظر المآذن إثر استفتاء نوفمبر/تشرين الثاني 2009 ـ حوارا بين منظمات وتيارات فكرية وعقائدية مختلفة منضوية في إطار “فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا”، و”تنسيقية المنظمات الإسلامية” و”منتدى الإسلام التقدمي”، ومنظمات كانتونية ومحلية أخرى من جهة وبين موظفين كبار بالمكتب الفدرالي للهجرة والمكتب الفدرالي للعدل والمكتب الفدرالي لمناهضة العنصرية، والقسم السياسي بوزارة الخارجية.
وعانت سويسرا – وكذلك ألمانيا والنمسا – في إبريل/نيسان الماضي من بعض الجماعات الإسلامية السلفية التي وزّعت مئات الآلاف من نسخ المصحف الشريف المترجم إلي الألمانية مجاناً في عدة مدن على المواطنين والمقيمين غير المسلمين بهدف كسبهم للدخول الى الإسلام. وقالت بعض الصحف أن الحملة موّلتها دول عدة على رأسها السعودية.
ويزيد عدد المغتربين في سويسرا عن 1.7 مليون نسمة، يشكلون نحو 3,22 في المئة من مجموع السكان. ويبلغ عدد المسلمين حوالي 310,000 شخص ويشكلون حوالي 4.26 في المئة من مجمل تعداد السكان، وفق إحصاء 2001.
وتقول إحدى المشاركات في اللقاءات الحوارية بين الحكومة الفدرالية ومجموعة من الشخصيات المسلمة، أميره هافنر الجباجي، الخبيرة المتخصصة في شؤون الإسلام في سويسرا ورئيسة مجموعة التفكير في مجال حوار الأديان، في مقابلة مع “سويس إنفو” (swissinfo) “نحن جزء لا يتجزّأ من هذا المجتمع ومسؤولون أمامه، لدينا حقوق نطالب بها مثلما ان علينا واجبات نؤديها”.
وتُضيف الخبيرة “لكن المؤسف ايضا هو أن الإسلام يتم ربطه باستمرار بقضايا مثل الإرهاب والعنف ضد المرأة والزواج القسري…وختان الإناث. ولا ننكر ان شيئا من ذلك واقع، أما تحميل المسؤولية في ذلك إلى الإسلام، فهنا المشكلة“.،