لا تتوقعوا ظهور نسخة صينية من غورباتشوف!
اعترف سي جينغ بيتغ بالتحديات المرتقبة التي تواجه بلاده في ملاحظاته الأولية أمام العالم بصفته الزعيم الجديد للصين: الفساد بين أعضاء الحزب، وابتعاد المسؤولين عن الشعب الذي يجب أن يخدموه، واتساع نطاق اللامساواة، والضرر البيئي، ومسائل أخرى.
كل من تابع مسار الانتخابات الرئاسية الأميركية حتى الأسبوع الماضي لاحظ على الأرجح التزام السباق الانتخابي المحتدم بقواعد واضحة حول طريقة فوز أي مرشح. لكن في ما يخص عملية تغيير القيادة في الصين، لم يكن الرأي العام يعلم الكثير عن هوية قادة الصين الجدد إلى أن سار الرجال السبعة الذين سيصبحون أعضاء اللجنة الدائمة للمكتب السياسي على المنصة لمقابلة الصحافة في بكين يوم الخميس.
لكن يُعتبر هذا الحدث تقدماً ملحوظاً في سياق التاريخ الصيني: تحصل مراسم تسليم القيادة مرة كل عشر سنوات، وكانت المناسبة الأخيرة التي شهدت هذا الحدث المرة الثانية التي يتم فيها تسليم السلطة بطريقة سلمية ومؤسساتية خلال أكثر من مئة سنة منذ إسقاط سلالة كينغ في عام 1911.
منذ ذلك الحين، مرت السياسة الصينية بحروب أهلية وعمليات غزو خارجية، وشهدت قيام جمهورية شعبية جديدة، ووجد الحزب الشيوعي الصيني صعوبة في تحويل نفسه من حزب ثوري إلى مؤسسة حاكمة وسط سلسلة من الاضطرابات مثل “خطة القفزة الكبرى” و”الثورة الثقافية”.
بعد الاحتجاجات الطلابية في ميدان تيانانمين (السلام السماوي) في عام 1989، قام دينغ شياو بينغ باختيار جيانغ زيمين الذي فرض أخيراً بنية القيادة الجماعية، وعيّن كبار القادة الذين يشغلون مناصبهم خلال فترة خمس سنوات شرط ألا يبقوا في السلطة لأكثر من ولايتين. كذلك، نجح زيمين في نقل السلطة بشكل دوري إلى هيو جينتاو في عام 2002 للمرة الأولى في تاريخ الصين الحديث.
اتّسمت ولاية هيو جينتاو التي دامت 10 سنوات بأسلوب حازم وغير مباشر في القيادة. حاول هيو تطبيق طريقة متساوية لتوزيع المداخيل ومحاربة الفساد وتوجيه مسار البلد نحو نموذج تنموي اقتصادي مستدام، لكن سرعان ما أصبحت إنجازاته محدودة في جميع هذه المجالات. فضّل هيو الاستقرار والنمو الاقتصادي على التحرر السياسي والإصلاح الجذري، فترك معظم التحديات التي واجهها على عاتق من سيخلفه.
لكن نجح هيو بترك بصمته في قواعد تسليم القيادة في نهاية المطاف. بالنسبة إلى دنغ وجيانغ معاً، كان الأمر أشبه بعملية تشمل ثلاث خطوات لتسليم السلطة إلى الجيل المقبل: قيادة الحزب، ثم قيادة الحكومة، وأخيراً قيادة اللجنة العسكرية التابعة للحزب الشيوعي الصيني (هذه العملية تدوم سنتين). لم يشأ هيو الآن التنحي من منصبه كأمين عام الحزب الشيوعي الصيني فحسب بل قرر التخلي عن منصب رئيس اللجنة العسكرية أيضاً، وهكذا اقتصرت عملية نقل السلطة على بضعة أشهر فقط.
لكن تشدد القيادة الجديدة بكل وضوح على أهمية مبدأ الاستمرارية. يبدو أن المجموعة الأساسية المؤلفة من سبعة رجال (بعد أن كانوا تسعة) هي نتاج أكبر نظام للأحزاب السياسية في العالم (فهو يضم 82 مليون عضو). ارتقى أمين عام الحزب الشيوعي الصيني الجديد، سي جينغ بينغ، وزملاؤه بشكل تدريجي على سلّم الرتب ضمن نظام التراتبية الهرمية داخل الحزب على مر العقود.
ظهر سي كشخصية مقبولة بين الجماعات النافذة الأساسية. كان والده رئيس وزراء سابقا ضمن الجيل الأول من قادة جمهورية الصين الشعبية. في السابق، لم يكن الرأي العام يعرف الكثير عن رئيس أحدث المدن الصينية، شنغهاي، لكن كانت زوجته مغنية أسطورية وكانت أشهر منه بكثير بالنسبة إلى الصينيين العاديين.
على صعيد آخر، فضّل الحزب الشيوعي الصيني تعيين سياسيين أهم وأكثر خبرة كي يرأسوا أكبر المدن. لكن أُقصي من التشكيلة الجديدة مرشحان بارزان هما رئيس القسم التنظيمي في الحزب الشيوعي الصيني، لي يوان تشاو، وأمين الحزب في مقاطعة قوانغدونغ، وانغ يانغ، ما أدى إلى انتشار توقعات مفادها أن جماعة القيادة الجديدة تتخذ توجهاً أكثر تحفّظاً.
لكن ما من أدلة مقنعة على أن الحزب الشيوعي الصيني سيُحدث أي إصلاحات جذرية إذا أصبح لي أو وانغ جزءاً من اللجنة الدائمة الجديدة للمكتب السياسي. بدل توقّع ظهور نسخة صينية من غورباتشوف يمكن أن تضع الصين على طريق الديمقراطية المستوحاة من الغرب (يميل الكثيرون في الغرب إلى توقّع أمور مماثلة في زمن تغيير القيادة الصينية)، من الأفضل أن ندع المجتمع الصيني يدير مستقبله بنفسه استناداً إلى معطياته الداخلية.
برزت مؤشرات أخرى على أن الجماعة النافذة الجديدة تعترف صراحةً ببعض التحديات الخطيرة والمعروفة التي يجب أن يواجهها الحزب الشيوعي الصيني. اعترف سي بتلك التحديات في ملاحظاته الأولية أمام العالم بصفته الزعيم الجديد: الفساد بين أعضاء الحزب، وابتعاد المسؤولين عن الشعب الذي يجب أن يخدموه، واتساع نطاق اللامساواة، والضرر البيئي، ومسائل أخرى.
استعمل سي أسلوباً مرناً ولافتاً في مؤتمره الصحافي يوم الخميس، لكن يبقى أن نرصد مدى قدرته على قيادة الفريق الجديد لمعالجة تلك المشاكل الخطيرة التي عدّدها.
يبرز عائق أكبر أمام الزعيم الجديد في بكين، وهو يتعلق بقدرة الحزب الشيوعي الصيني على الصمود لعشر سنوات إضافية مع الحفاظ على نمو اقتصادي مستدام ومن دون تطبيق إصلاح سياسي جوهري.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة ألبرتا ومدير منتدى الطاقة والبيئة بين كندا والصين