غزّة والعلاقات التركية – “الإسرائيلية”
تقدّم “إسرائيل”، من حيث لا تقصد، الفرصة تلو الأخرى للعرب والمسلمين بل تدفعهم دفعاً ليكونوا إلى جانب الشعب الفلسطيني والقضية الأكثر عدالة في العالم .
“إسرائيل” لا تعير أهمية لأي من حلفائها أو أصدقائها سواء في الغرب أو داخل العالم العربي والإسلامي .
حسابات “إسرائيل” خاصة بها . حتى في الأيام العصيبة لن تخرج الضغوط الأميركية عن أن تكون لمصلحة “إسرائيل” .
لم تهدأ “إسرائيل” منذ تأسيسها، اعتدت على كل العرب متشددين ومعتدلين، والهدف هو ما تعدّه مصلحة “إسرائيل” في السيطرة والهيمنة وابتلاع الأرض الفلسطينية والعربية وكل الحقوق التي تكفلها لهم المواثيق الدولية .
وإذا كانت “إسرائيل” قد مارست اعتداءاتها على فلسطين والعرب في ظل أنظمة متخاذلة، غير أن “الربيع العربي”، افترض ان يتغير المشهد الرافض للسلوكيات “الإسرائيلية” .
العدوان “الإسرائيلي” الجديد على غزة الذي سمّي ب “عمود السحاب” شكل امتحاناً واختباراً لدول الربيع العربي ولكل العرب ولكل الدول الإسلامية .
لقد قدّمت “إسرائيل” “هدية” وإن دموية، إلى العرب ليكونوا فعلاً لا قولاً إلى جانب شعارات “الربيع العربي”، لكن العرب رفضوا الهدية .
المؤشرات الميدانية لاتزال تعكس تشاؤماً في هذا الإطار . من ذلك عدم تغير مشهد العلاقات المصرية “الإسرائيلية” جذرياً عما كان عليه في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وآخرها الرسالة “العجيبة” للرئيس المصري محمد مرسي إلى “صديقه” الرئيس “الإسرائيلي” شمعون بيريز .
اليوم لا تنتظر غزة مواقف التعاطف الإنسانية، فأهل غزة لا يحتاجون إلى مجرد أدوية ومعنويات .
القضية أكبر بكثير من هذا المستوى وتحتاج إلى مواقف تعيد تشكيل المشهد العربي والإسلامي في اتجاه تشديد الضغوط على “إسرائيل”، ذلك أن القضية الفلسطينية ليست فقط غزة . . هي الاحتلال في الضفة والحصار على غزة وعودة اللاجئين في الشتات إلى فلسطين وتفكيك المستوطنات .
في هذا الإطار ليس مقبولاً أن يذهب رئيس وزراء مصر إلى غزة كما لو أنه وزير للصحة وليس بموقف يعكس تغييراً حصل في مصر . وهذا يجرنا إلى الكلام عن تركيا التي أظهرت “أبوّة” ل “الربيع العربي” والتي واجهت امتحاناً قاسياً عندما قتل الجنود “الإسرائيليون” تسعة أتراك مدنيين على متن أسطول الحرية في نهاية مايو/أيار2010 في المياه الدولية للبحر المتوسط .
واكتفت أنقرة بردة فعل خجولة لم تتعد تخفيض العلاقات الدبلوماسية فيما استمرت العلاقات الاقتصادية تنمو كل سنة أكثر من سابقتها، بل أرسلت مرة بعد الحادثة طائرات لإخماد الحرائق في شمالي الكيان الغاصب .
أما تعهد أنقرة بحماية أي سفينة تتجه إلى غزة لكسر الحصار وتحمل المساعدات الغذائية والطبية والقول إن الأمن في شرق المتوسط هو أيضاً مسؤولية تركية، فلم يترجم في أي مناسبة وبقي حبراً على ورق .
الجميع يبيعون غزة وعوداً وكلاماً، بل الأكثر إيلاماً أن ينتهز البعض الدم الفلسطيني لكي يحقق ما يتعارض مع المعايير الإنسانية وقواعد العدالة والأخلاق .
لم تقصّر تركيا ولا سيما الرئيس التركي عبدالله غول في إدانة العدوان .
أما رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان فلم يكن قد أبدى أي موقف مميز بعد ثلاثة أيام على بدء العدوان . واكتفى وزير الخارجية أحمد داود أوغلو بوصف العدوان أنه “جريمة ضد الإنسانية” .
لكن الموقف الأكثر استغراباً كان من جانب نائب رئيس الحكومة بولنت أرينتش، وأرينتش ليس نكرة في حزب العدالة والتنمية بل هو من “المدافع الثقيلة” فيه ومن الجناح الإسلامي الأكثر تشدداً في الحزب، ولا يمكن أن تكون “رسالته” تعكس فقط رأياً شخصياً .
اقترح أرينتش، من أجل وقف العدوان، أن تعاود تركيا الالتقاء ب”الإسرائيليين” على الأقل لوقف الكارثة . قال أرينتش حرفياً “بسبب هذا الحدث فإنه يتوجب على البلدين أن يلتقيا من أجل أن يتعاونا معاً على الأقل لوقف هذه الكارثة وهذا الاعتداء” .
والمعروف أن تركيا ترفض ترميم العلاقات مع “إسرائيل” ما لم تعتذر عن مقتل الأتراك التسعة .
هذا الموقف الذي يعدّ رسالة ضمنية إلى “إسرائيل” للمباشرة بعودة العلاقات بين البلدين، لا يستقيم أبداً مع حجم العدوان ولا مع اغتيال قائد عسكري كبير بحجم الشهيد أحمد الجعبري، ولا مع لحظة الدم الفلسطيني المراق .
تحتاج غزة إلى “ربيع” عربي وإسلامي في مواقف الأنظمة . وهذا على ما يبدو ليس بعد في متناول اليد