بحث: كوكب جديد بحجم الأرض
هل الكواكب غير الشمسية مخلوقات صغيرة من ألفا قنطورس (أقرب نظام شمسي إلى شمسنا)؟ للأسف، لا. لكن أحد النجوم المجاورة للأرض والأقرب إليها يملك كوكباً بحجم الأرض يدور حوله، ويملك كوكب آخر أكثر بعدًا أربع شموس.
تشكل الكواكب غير الشمسية، أي نجوم المدار دون الشمس، أحد أهم المواضيع في علم الفلك. تم العثور على أول كوكب في عام 1992، وهو يدور حول نجم نيوتروني (وحش غريب مصنوع من المادة وكثيف) على بعد 1.500 سنة ضوئية من الأرض. ثم تم اكتشاف الكواكب التي تدور حول نجوم تقليدية أكثر بعد ثلاث سنوات. منذ ذلك الحين تحولت الاكتشافات الأولية الضئيلة إلى بحر من الاكتشافات. حتى الآن، تم التأكيد على اكتشاف 843 كوكبًا وما زالت بضعة آلاف أخرى محتملة التأكيد.
لذلك من النادر، في هذه الأيام، أن نتفاجأ عندما نسمع عن اكتشاف كوكب. لكن، هذا الأمر ما زال يحدث من وقت إلى آخر وهذا ما حصل فعلاً في 16 أكتوبر من هذا العام. في ذلك اليوم، نشرت Nature بحثًا أعلن فيه فريق من جامعة جنيف عن العثور على كوكب بحجم الأرض يدور حول نجم يسمى «ألفا قنطورس ب».
إذا كان اسمه يبدو مألوفًا، فهذا لأن، على بعد أربع سنوات ضوئية، يشكل نظام «ألفا قنطورس» أقرب النجوم المجاورة للشمس. بالتالي، هذا الكوكب ليس الأقرب إلى الأرض على الإطلاق فحسب، بل هو أقرب إلى الأرض على قدر ما يمكن لأي كوكب غير شمسي أن يكون. وما كان ليكون أقرب إلا لو كان يدور حول «قنطورس» القريب، العضو الثالث في النظام بعد «ألفا قنطورس أ» وألفا قنطورس ب». أنه صغير أيضًا، مع كتلة يقدر حجمها في الحد الأدنى كحجم الأرض. والنجم الذي يدور حوله يشبه الشمس إلى حد كبير: فهو مشابه لها في الضخامة بنسبة 93 في المئة، وتنخفض درجة حرارة سطحه بضع مئات الدرجات فقط.
رغم ذلك، تقتصر أوجه التشابه على تلك المذكورة فحسب، فالكوكب الجديد قريب جدًا إلى نجمه الأم، وينهي دورة المدار كل 3.2 من أيام الأرض. (وعلى سبيل المقارنة، تطول سنة عطارد، الكوكب الأقرب إلى الشمس في المجموعة الشمسية، 88 يومًا إضافيًا.) كذلك يكاد يكون من المؤكد أنه مقيد بالنجم الأم، وهذا يعني أن يتعرض باستمرار من جانب واحد إلى الإشعاع النجمي الحارق، في حين أن الجانب الآخر يواجه سواد الفضاء المجمد. لذلك، من المحتمل أن تكون الحياة على كوكب مماثل غير واردة.
مع ذلك، يستحق اكتشاف خافير دوموسك وزملائه في حد ذاته النشر، فقد أجروا أعمال البحث باستخدام ما يعرف بأسلوب السرعة الشعاعية، التي تتفحص النجوم للعثور على تذبذبات صغيرة ناجمة عن جاذبية الكواكب التي تدور حولها. طورت هذه الطريقة بشكل جيد. لكن كلما زاد صغر الكوكب، قلت التذبذبات التي ينتجها، ما يجعل البحث صعبًا للغاية. على وجه الدقة، تمكن الفريق من اكتشاف تذبذب من 0.5 متر في الثانية في نجم على بعد 41.300.000.000.000 كم تقريبًا.
في الواقع، يدعو صغر القياس إلى الحذر. ففي الماضي، تبخر الكثير من الكواكب الظاهرة بعد التفتيش الدقيق. في هذه الحالة، كان من الضروري إجراء قدر كبير من التمارين الإحصائية لاستخراج تذبذب ناجم عن الكوكب من تذبذبات أكبر ناجمة عن تموجات النجم الداخلية وضوضاء الأدوات، وحركة الأرض عبر الفضاء، وتلوث الإشارة بالضوء من «ألفا قنطورس أ»، أكبر عضو في نظام «ألفا قنطورس».
مع ذلك، يعتقد دوموسك وزملاؤه أن احتمال الحصول على انذار كاذب أقل من واحد في 500. فكانت أبحاثهم مضنية، وامتدت على مدى ثلاث سنوات ونصف السنة. وتمثل شرط نشر بحثهم في Nature في جعل البيانات متاحة على الفور لغيرهم من الباحثين الذين سيتمكنون من إعادة التحقق من أرقام الفريق.
على افتراض أن الكوكب حقيقي، سيحرص علماء الفلك الآخرون على دراسة هذا الاكتشاف بدقة. ويشير البحث إلى أنه تم حتى الآن العثور على ما يكفي من الكواكب غير الشمسية لظهور الأنماط الإحصائية، ويتمثل أحدها في احتمال تقيد نجم ما بأكثر من كوكب واحد. لذلك سيزيد تأكيد اكتشاف الفريق احتمالات دوران المزيد من العوالم حول «ألفا قنطورس ب»، وربما حتى في المنطقة التي تسمى صالحة للسكن حيث تسمح درجة الحرارة بتوافر المياه السائلة على السطح.
تقنية الفريق حساسة بما يكفي للكشف عن كوكب بأربعة أضعاف حجم الأرض داخل المنطقة الصالحة للسكن، رغم أن الأمر سيتطلب عقدًا من الأبحاث لتأكيد هذا الاكتشاف. وقد تتمكن تلسكوبات أفضل من المتوافرة الآن أن تدرس عندئذٍ الأغلفة الجوية لكواكب مماثلة، وتبحث عن أدلة حول الكيمياء السطحية و(حتمًا) عن علامات على الحياة. ما يثير الاهتمام والفضول هو أن قرب «ألفا قنطورس» يعني أن مجموعة من العلماء الملتزمين والممولين بما فيه الكفاية قد يرسلون سابرًا فضائيًا الى هناك لإلقاء نظرة فاحصة. تستغرق رحلة من هذا القبيل عقودًا، وربما أكثر من قرن من الزمان، لكن ثمة الكثير من التصاميم للمركبات التي قد تفعل ذلك باستخدام التكنولوجيا الحالية.
رغم أن أخبار دوموسك كانت مثيرة للاهتمام، لم تتحول الأنظار كافة إلى «ألفا قنطورس». وتم الإعلان في 15 أكتوبر، في مؤتمر علم الكواكب في رينو، نيفادا، الذي استضافته الجمعية الفلكية الأميركية، عن كوكب آخر غير عادي. هذا الكوكب، الذي سمي PH1، بارز سواء بالنسبة إلى حقيقة أنه يضم أربع شموس وللطريقة التي تم العثور فيها عليه. في بحث ستنشره عالمة الفلك في جامعة ييل ميغ شوامب، وفريقها، في Astrophysical Journal، يُذكر أن الكوكب اكتشفه اثنان من أعضاء «صيادي الكواكب» (Planet Hunters)، وهو مشروع المواطنين والعلوم على شبكة الإنترنت حيث يُسمح للناس العاديين الوصول إلى بيانات تلسكوب الفضاء «كبلر» التابع لوكالة «ناسا» وتشجيعهم للبحث عن الأمور التي قد تكون غابت عن بيانات «كبلر».
صيادا الكواكب هما مطور شبكة الإنترنت كيان جيك، والطبيب روبرت جاليانو. كان اكتشافهما مثالاً تقليديًا لفائدة تدقيق الأشخاص بالبيانات إلى جانب أجهزة الكمبيوتر، بحسب كريس لينتوت، عالم فلك في جامعة أكسفورد يساعد في إدارة مشروع «صيادي الكواكب». يكشف «كبلر» عن الكواكب من خلال الإشارة إلى انخفاض الضوء الذي يحدث عندما يمر واحد منها أمام نجمه الأم. يجدي ذلك نفعًا بالنسبة إلى الأنظمة أحادية النجم، وحتى بالنسبة إلى الثنائيات (نجمتان تدوران حول مركز مشترك للجاذبية). مع ذلك، في حالة PH1، اربكت التغيرات الناتجة من تفاعلات كوكب مع أربعة نجوم منفصلة أجهزة الكمبيوتر ولكن ليس الإنسان حاد البصر.
إضافة إلى روعة هذا الاكتشاف في حد ذاته، إنه أيضًا غريب ويشكل اختبارًا لنظريات علماء الفلك حول كيفية تشكيل الكواكب. في الواقع، نجوم PH1 زوجان من الثنائيات: يدور كل ثنائي حول مركز مشترك، مثل الثنائي العادي، ويدور النظامان الثنائيان إذًا حول بعضهما. ترى نظرية تشكيل الكواكب أن العالم يتكثف من قرص من الغبار في وقت مبكر من حياة النجم. لكن في هذه الحالة، وفقًا للدكتور لينتوت، تشير نماذج الكمبيوتر إلى أن رقص النجوم التجاذبي قد يكون عطَّل القرص وأوقف تشكيل الكواكب. بالتالي، يختلف الواقع مع النماذج، وهكذا يتقدم العلم.