من السينما إلى الميدان .. للبحث عن أدوار !!
نحن نحترمُ الفنَّ والإبداعَ، والاكتشاف والإختراع، وإعادة الخلق والابتكار. ونزعُم أنَّ بنا وفينا من كل ذلك؛ ولو جُزيئاً واحداً حيّاً؛ ولا نـُزايدُ ، كما لا نقبل من أحدٍ مزايدة. نعلم أنَّ في مصر الآن قد انتعشت سوقٌ رائجة؛ للتكتل والتحزُّب والاستقطاب ! ونعلم من ثمَّ أنّ النجاة هي في أن تكون ـ صراحة وكلية ـ مع هذا الطرف أو ذاك !! لقد انقلبت المعاييرُ ـ ويا للعجب !! ـ أصبحت الشجاعةُ في الإعتدالِ؛ لا في التطرُّف وإظهار القدرة عليه، وصارَ التميّز والتفرد؛ هو أن تكون في المنتصف؛ لا في البداية ولا على طرف؛ بل.. أن تكون في الوسطِ، خارجَ دائرةِ الجذب؛ في منطقة أولئك الذين يمسكون العصا من المنتصف!
ولكن قدَر المستقلين؛ أحرارَ الرأي و الفكر؛ أنَّهم لا يمتلكون أصلاً عصا كما التي في أيدي أولئك الذين لا يقولون ” لا” لأحدٍ ، أو لجماعة ، أو لشيء، و لا تجدهم أبداً سوى قابضين على شيء ـ أيّ شيء ـ يتمسّكون به سبباً للوصول إلى غايةٍ يرون فيها حاجة، أو سنداً يحفظ توازنهم ألاَّ يقعوا في شرِّ عملٍ من سابق أعمالهم التي تمثل لهم وجعاً دائماً، وبطحة مزمنة في رؤوسهم . الضعفاء الذين لا يستوعبون التغيرات الحادة في مجتمعهم أو في حياتهم الخاصة ـ عادة ما يلجؤون إلى حزمة حلول واحدة ؛ أو متشابهة .
وكما في أفلام السيما ـ لا يستطيع واحدهم ـ وقتئذ ـ سوى أن يذهب إلى ملهى ليليٍّ يترنَّح بالكأس، على وقع نقرات طبال الست؛ أو أنْ يذهب برأسه إلى أقرب حائط، أو برجليه إلى أعلى وأبعد كوبري عن بيته؛ حتى يتسنى له أن يجد أحداًـ أو بالأحرى ـ يجدهُ أحدٌ، يمنعه من إلقاء نفسه من أعلى سور الكوبري ، إلى أعمق نقطة في النيل ! أدوار السينما ـ تلك ـ كانت قد اختفت منذ فترة من على الشاشة، واختفى معها بريقُ النجوم الذهبية والفضية، والنحاسية؛ بعد أن أصبحت كل هذه الإبداعات، و التفانين موضة قديمة، وممجوجة، ومستهلكةًً مكرورة ..!
نحن كما وقفنا في المنتصف، و لم نقل ـ كما المتزيّدون ـ بحرمة الفن، كما لم نقل ـ كما المبتذلون ـ بحريّتة وانفلاته؛ لا نقول ـ هنا أيضا ـً بنفاد الفن، والفكر، والإبداع، ولا بهجران الست (إلهام)، و لا بعقوق أبناء الليل، ونشوز بنات الأفكار؛ ولا بإضراب عُمال الوحي، وحملة مشاعل التنوير، وشمعدانات التعليم !!
ولكنها ـ وبحقّ ـ أمراضٌ كثيرة، ومتنوعة؛ لا تصيب الإبداع كونه إبداعاً ولكنها تصيب المبدع؛ كونه افتقر لأحد أو لبعض لوازم أومكونات الشخص المبدع؛ كالروح الوثابة المتحررة من قيود المادة، والصبر على المنتج الفني حتى تمام النضج، وإغناء القريحة بما يجب أن تغتني به كي تـُنتج لنا ما ننتظر منها أنْ تـُنتج .. الفنان حُرّ .. والحُرُّ هو الوحيدُ، غير الملتصق بآخَر، أو الملتصق به آخَر .. ومن قبلنا قالوا في المأثور العالمي أنَّ : الرجلَ المبدعَ هو الرجل الوحيد .. نعم الوحدة هي صفة من صفات الفنان؛ لا التكتل، ولا التحزُّب، ولا أيّ من أشكال الإستقواء بالغير، والشلليّة .
عجبي لبعض الفنانين المصريين؛ وخاصة أولئك الذين لفنونهم ارتباط بمجال السينما والمسرح، و حتى التليفزيون! انهم قد تركوا ـ ومنذ فترة ـ المهنة والمجال بكامله؛ واسعاً فسيحاً أمام المسلسلات، والأعمال الدرامية لصناع السينما والمسرح والدراما في الدولة العثمانية!!
وانصرفوا إلى اعلانات التليفزيون التي تُرَوِّج لمساحيق الغسيل، وأدوات التجميل ، و للزيت والسمنة الصناعية، وكل منتجات الكوليسترول؛ وتدعو لثقافة الكسل والاستهلاك، واللعب والتسلية و قتل الوقت! والبعض ممن لا يجيدون فنون الدعاية من تمثيلٍ و غناء و رقص، و استنفدوا كل رصيدٍ لهم من: حبّ، واعجاب عند الناس ـ وانتهت كل أدوارهم في السينما والمسرح في مصر، وكسلوا عن السفر للعمل في الدراما المزدهرة السورية، وفشلوا حتى في أن يجدوا لهم دوراً في إعلانات التليفزيون، ومسابقات (0900) !
! لللأسف؛ ذهب كل هؤلاء جميعهم ليبحثوا لهم عن دور في ميدان التحرير !! نعم .. ولِما لا؟! فهو المسرح الوحيد ـ الآن ـ المكتمل العدد ( كومبليت) سبعة أيام في الأسبوع ، وهو دار السينما الوحيدة المفتوحة ـ و دائما ـ على مصراعيها .. والعرض مستمر !!. ***