الكراهية وانعكاس أثرها على الأمن الوطني العراقي
في مجتمعنا خزين ثقافي للكراهية والأحقاد وهو البدبل المفجع لروح الحمية والمحبة والتودد والتسامح والألفة وكل قيم الأرض والسماء على امتداد التاريخ، وبالوقت الذي نجد مجتمعات أخرى قد تعلمت من تجاربها المؤلمة ، وغدت مجتمعات متحضرة يسودها الاحترام المتبادل والسلام وقبول الآخر .. في حين مجتمعنا اتخذ من المثالب والتباعدات .. ونكاد نتلمسها بشكل واضح في حياتنا اليومية بما نتمتع به من مفردات بحياتنا اليومية (اكره) كم نتداولها يوميا لفظا وسلوكا سواء بالتعامل اليومي أو بالخطاب السياسي او بالسلوك الأمني (اكره أروح للمدرسة، اكره العب، اكره …. الخ.)،
إن إحصاء كلمه الكره التي ننطق بها يوميا تتعدى العشرات ولا نشعر بها وهي خزين بالعقل الباطن، وهناك كراهية سياسيه (أحزاب تكره أحزاب) وكراهية طبقيه (الأغنياء والميسورين يكرهون الفقراء) وكراهية قوميه (عرب وكرد وتركمان ناس تكره ناس بدون مبرر) وأخيرا ( تتوجت بالكره الطائفي الأحمر والأحمق وماساته التي عاشها العراق بالاعوام 2006 و2007) وهي وصمه عار بالتاريخ العراقي, وكما نلاحظ (الكراهية العشائرية قبيلة تكره القبيلة الثانية) و( الكره غير المبرر لسيارات الكيه والسايبه ) وداخل المدينه الواحده هناك كره لمناطق في المدينة الصغيرة….الخ
وهكذا تستمر مسلسل من الكراهية بدون انقطاع هذا يعني ان الكره كالجوع، بدائي مثله..، فحين يُقدح زناده فإن نفوس الناس المغيب وعيها والمصادر عقلها تكون كما الغابة تشتعل بنار الانتقام ولا تنفع معها وسائل الإطفاء الحضارية.
أصل كلمة الكراهية جاءت من مفردة كراهة وهي نقيض الحب , فمن لم يستطع تحمل شخص أو أمر أو عمل معين يعني انه لا يطيق ذلك ويمقته وينفر منه فهو كاره له ويبغضه , ومن هنا يقال بأن الكراهة هي اشمئزاز من شخص أو شئ أو أمر ما , وفي ضوء ذلك تعني الكراهية : الشعور الشديد الذي يحولك عن شخص أو شئ ما ويدفعك الى ازدرائه , أي للنفور منه، ان تعريف جريمة الكراهية هو ( التحيز الذي ينفذ بطريقة مباشرة ومؤذية ضد شخص أو ممتلكات يختارها المعتدي عن قصد , بناء على العرق أو اللون أو العقيدة أو الأصل القومي أو العرقي أو الجنس (ذكر أم أنثى) أو الإعاقة) وطبقا للقانون العراقي فأن السلوك الناتج عن الازدراء والأحتقار والكراهية ضد الأخر أو ممارسة التمييز ضد جماعة معينة قومية أو دينية أو مذهبية لم يحظ بالاهتمام الكافي تشريعيا , ولم ينظر القضاء العراقي – حسب علمنا – الى قضايا من هذا النوع رغم وجود مثل هذه الجرائم في المجتمع العراقي, على العكس تماما من العديد من قوانين العقوبات في الدول الأوربية التي منعت بشكل صريح ممارسة الكراهية او التحريض عليها بين الناس داخل مجتمعاتها للمحافظة على السلم الاجتماعي وتنفيذ قواعد حقوق الإنسان، يقوم التحريض على الكراهية على مبدإ الإبعاد والإقصاء، وتجييش ترسانة من الأغاليط، والدعاوى الحمقاء والمأفونة المشبعة بالحقد الأسود حيال رأي أو فكر أو دين .
علينا ان نعترف بأن ثقافة الكراهية هي المسيطرة على واقعنا السياسي وواقعنا الاجتماعيه ورثناه من ترسبات وسياسات واعلاميات وتربويات وشعارات الماضي الذي عايشناه ، ووّلد كل الاحقاد وزرع كل الكراهية بين فئات المجتمع وتوحشّ الاحزاب الايديولوجية وممارستها الاقصاءات . ولا اعتقد ان مجتمعاتنا قد استوردت ثقافة الكراهية عن غيرها انها ثقافة قد اينعت بعد ازمان من الكبت والالام والمعاناة وممارسة الظلم وركام من القمع والاضطهاد والتهميش والتشويه والتضليل والاكاذيب والشعارات.
ففي دوله الكراهيه هناك متخصصون في غرس كل أشكال الكراهية والبغضاء بين الناس وهم أفراد يحكمهم التعصب وتحركهم الهمجية، ومع ذلك يدعون انهم يدافعون عن حرية الراي وحرية التعبير بينما لو عرضوا انفسهم على اطباء نفسيين لوجدوا انهم يعانون من عقد نقص تدفعهم كي ينحصر جهدهم في الرغبة بالانتقام ، في دولةالكراهية هناك قوانين ثابتة لا تقبل النقاش او الاعتراض في مقدمتها العمل على اقصاء الاخر ونفيه وتدميره ان امكن ويجوز لتحقيق ذلك استخدام كل انواع الاسلحة وفي مقدمتها الكذب والتضليل والافتراء والتزوير، في دولة الكراهية .. هدف رئيسي ينتظم عليه مواطنوها هو نشر الكراهية والبغضاء، وهي ضد المجتمع اي مجتمع مهما كان وكل مواطن فيها يجب ان يمتليء قلبه بالكراهية والحقد ضد الاخر، ويجب ان يتقن فنون نشر الاكاذيب والشائعات ضد اي كان.. وان يكون محترفا بخلق الاعداء من كل لون وجنس، فكل من هو خارج حدود دولةالكراهية اما ان يكون ارهابيااو علمانيا اوملحدا.. وأخطر ما في الخطورة نفسها، الوهم أو التوهم بأننا على حق، والغير على خطإ وشفير وكفر, في دولة الكراهية يمكنك ان تعلن دون خوف عن كل ما تكرهه مهما كان واي كان دون اي مراعاة لمشاعر الاخرين .. ويمكنك ان تشتم اي كان وتحتقر اي كان وتزدري اي كان .
لك مطلق الحرية بممارسة فنون الكراهية كما تشاء. وكلما ابدع الفرد في اشاعة الكراهية كلما حصل على المزيد من النقاط وترتقي القابك كلما برعت في ممارسة دورك في كراهية الاخرين,وربما تصل الى موقع السيادة والريادة وتنافس على كرسي الحكم بغض النظر عن كونك رجلا او سيدة ففي دولة الكراهية المساواة مكفولة بين الرجال والنساء بل حظوظ المرأة اكبر لان مواطني حكومة الكراهية تسحرهم الانثى لان البعض منهن متمرسات بالوشاية وصناعة الكراهيه. مع زيادة جرعات الكراهية تنتشرظاهرة العنف بالتأكيد هناك عوامل اخرى لزيادة جرعات العنف والكراهية سياسية واجتماعيه.
المطلوب أن نلجم الاندفاع ونطمر الأحقاد وندرأ هذه المهاوي الرهيبة، ونتحسس موقعنا على الأرض ومن حولنا، حتى لا يَرِينَ طائر البغض والتنابذ والاحتراب والإرهاب وإراقة الدماء وإزهاق الأبدان الأرواح , لا مناص من قبول الغير المختلف واحترام هذا الاختلاف، وتنسيب أفكارنا، أي إسقاط المطلقية عما نقول وقد اشار الدكتور قاسم حسين صالح( أن أنبّه الى أن جرائم الكراهية في مجتمعنا نائمة نومة الثعلب “عين وعين”..لأننا لم نعالج أسباب الكره المتمثلة بالاحباط، واضطراب الاحساس بالأمن النفسي، والتنافس الاستحواذي على الثروات والسلطة الذي من طبيعته تنمية الحقد والحسد والسعي الى الغاء الآخر..ولأن الجدران الصلدة التي أقامها الكره بين (جماعة النحن) و(جماعة الهمّ) ما تزال قائمة..ولم تتوافر ،حتى الآن،نوايا الجماعات على هدمها!.)
وبقدر تزايد الكراهيه سواء السياسية أو الدينية أو العشائرية تزداد الصراعات والحروب وعدم الاستقرار بكافة أشكاله. فالكراهية هو داء أى مجتمع الذى يؤدى حتمًا إلى تخلفه وتفتته وإندثاره، وفى التسامح موطن القوة وبذور التقدم. وتؤدي الكراهية إلى الانتقام , و الرغبة في التغلب على الخصم, و الحاجة لتعزيز تفوق المرء والكراهية يمكن أن تكون فقط الأساس لحكومات جديدة ان خطاب الكراهية الذي قد أصبح السمة الواضحة في الخطاب السياسي اليوم قد توسع إلى درجة غير مسبوقة واصبح التفنن في استعراض العضلات الخطابية والمفردات اللغوية لكثير من السياسيين الجدد والنواب والبعض منهم يجيد الخطاب الحماسي هو السمة البارزة ما ينذر بالشؤم على العراق التي لا تحتمل تلك الجرعة المضاعفة من الكراهية والتحريض على الشارع. في عراقنا يعبر الشخص عن الحقد بالصمت والانطواء على نفسه ويزيد ركاما يوما بعد يوم ,والشخص نفسه دائما يشعر بأن شيئا سيئا سيحيط به ويفضل الانسحاب بعيدا بدفن الكراهية في أعماق النفس لحين زوال ذلك السوء.
أن المتغيرات التي يمر بها العراق تؤكد أن الأمن الوطني لم يعد شأناً داخلياً بحتاً لأن مهددات الأمن الوطني أصبحت عابرة للحدود مثل التنظيمات المتطرفة وأيدلوجيات الكراهية التي تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي لدوله العراق، وهي تتطلب مواجهة برؤية سياسية واستراتيجية شاملة تعالج متطلبات الإصلاح وتصون مجتمعنا من مخاطر التدخل الخارجي إلى أن العراق بحاجة اليوم إلى بلورة «مفهوم استراتيجي ضد الكراهية» جديد وشامل.