الريبة الكردية في سوريا من المسلحين والمتشددين… وتركيا

 زالت العلاقة بين فصائل المعارضة السورية والشارع الكردي مرتبكة، على الرغم من جهود الطرفين في محاولة رأب الصدع الذي يزداد يوماً تلو الآخر، حتى وصلت الحساسية بينهما إلى حدّ الاتهامات المتبادلة بالتعصّب لقوميته. وتزداد المسألة توتراً مع انقسام «الجيش السوري الحرّ» في رؤيته للأكراد. هناك طرف من المعارضين يعتبرهم فصيلاً مهما في الحراك الشعبي السوري، وهناك من يراهم عدواً لدوداً يعمل لصالح النظام… وهناك طرف ثالث يفضل التزامهم سياسة النأي بالنفس.

 
وفي الحالتين الأخيرتين، لا بدّ من البحث عن القطبة الخفية أو غير الخفية، وهي تركيا. الأخيرة تحشد قواتها على الحدود، ويتهمها بعض الأكراد بتسهيل وصول المقاتلين إلى المناطق التي يسيطرون عليها.

في المقابل، على الرغم مما يخرج من مواقف عن لسانهم أو آمال بأن «يقلبوا» المعادلة السورية، يعود الأكراد ليؤكدوا على أن لا نيّة لدى شارعهم كما لدى قيادات أحزابهم بالانفصال. الجميع هنا يتفق على مسألة واحدة: لن نلقي بأنفسنا إلى الهلاك.

 
المعارضة المسلّحة:
الأكراد موالون للنظام

انتقلت سحابة الصيف التي ظلّلت لفترة علاقة المعارضة السورية بالفرع الكردي بشكل أكثر قوة إلى الجانب المسلّح من تلك المعارضة. الأخير يعتبر أن الأحزاب الكردية التي تسيطر، بشكل أو بآخر، على مناطق الشمال الشرقي في البلاد هي أحزاب تعمل لصالح السلطة في دمشق. ويتهم «الجيش الحرّ» تلك الأحزاب بتشكيل ميليشيات خاصة بها لقتاله، وذلك لأنه مصمّم على دخول هذه المناطق الممتدة من ريف حلب وحتى الحسكة في أقصى الشرق. وتتجه أصابع «الجيش الحرّ» بشكل خاص إلى «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي»، الذي تراه المعارضة المسلحة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» الموالي للنظام، على حدّ تعبيره. ويعزّز ذلك الاتهام واقع أن «الكردستاني» هو الأكثر سيطرة على الأرض في تلك المناطق، بالإضافة إلى أحزاب أخرى كـ«الحزب الديموقراطي الكردي».

 وتبلغ المواجهة في الآونة الأخيرة ذروتها في المعارك قرب منطقة رأس العين من جهة، والمناطق الكردية القريبة من حلب من جهة أخرى. الأمر الذي دفع الأحزاب، عبر «المجلس الوطني الكردي»، إلى تشكيل قوة عسكرية لمواجهة الكتائب ذات اللون الإسلامي المتشدد والتي تصر على معركة «تحرير الجزيرة». يُذكر أن تلك الكتائب تتهم «العمال الكردستاني» بإدخال مقاتليه من الحدود التركية للقتال إلى جانب النظام أو تشكيل مجموعات مسلحة تحت مسمى اللجان الشعبية، محذرين إياهم من أي عمل قد يتعارض مع مسار «الثورة». ما سبق يرفضه الأكراد لأنهم مصرون على حضورهم ودورهم باعتبارهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام المدّ العسكري الذي يعلن عن استعداده لفرض سيطرته على هذه المناطق لتجنيب استهداف النظام لهذه المساحات التي يسيطر عليها «الجيش الحر».

وتجدر الإشارة إلى وجود تباين بين المسلّحين حول تعاطيهم مع الشأن الكردي، ففي الوقت الذي لا ينفك فيه بعض قادة «الجيش الحر»، وبشكل خاص رئيس المجلس العسكري سمير الشيخ ونائب قائد «الجيش الحرّ» مالك الكردي بالتأكيد أن لا خلاف مع الأكراد، ترسل «جبهة النصرة» والكتائب المتشددة رسائل عدائية لهم، وذلك من خلال استقدامها لمقاتليها إلى مقربة من المناطق الكردية، ما يثير حساسية الشارع الكردي.
الأكراد: لسنا انتحاريين..

 
لا نريد الانفصال
في وجه هذه الاتهامات التي تنطلق من المعارضة المسلحة، يحشد الأكراد صفوفهم السياسية والعسكرية في محاولة للوقوف في وجه الهجوم المزدوج من «الجيش الحر»، من جهة، ومن تركيا، من جهة أخرى. هكذا يعتبر ناشطو حلب من الأكراد على سبيل المثال أن لا وجود لـ«حزب العمال الكردستاني» في المنطقة، ويذهب ناشطون آخرون إلى التأكيد على غياب مقاتلي حزب عبد الله أوجلان رغم إشارتهم إلى تبنيهم لكثير من مبادئ وفكر أوجلان، وذلك من دون أن يحملوا الراية العمالية، وخاصة لجهة «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» الذي يسجل نفسه عضواً في هيئة التنسيق، وهي أحد أبرز أقطاب معارضة الداخل.

في المقابل، يشن عدد من ناشطي الأكراد هجوماً على تركيا التي يعتبرونها «رأس الأفعى»، وذلك على اعتبارها ذات دور كبير في حشد قواتها وتسهيل مرور المقاتلين المتشددين إلى مناطقهم. وكأن معركة الإسلاميين مع الأكراد هي معركة بقرار تركي أو كرمى لعيون الأتراك، على حد تعبيرهم. يعتبر الأكراد أن هؤلاء يسعون لإرضاء تركيا لأنها تسهّل إيصال الدعم المالي والعسكري للكتائب المقاتلة في الشمال، إضافة لدور أنقرة الكبير في الدعم السياسي.

ومن جهة ثانية، يجزم الأكراد جميعاً أن الحديث عن دعوات للانفصال وإقامة الدولة الكردية يحمل الكثير من المبالغة والدعاية الإعلامية لا أكثر. ذلك أن الأولوية تتمثل في الاعتراف بحقوق الأكراد ولغتهم وثقافتهم وقوميتهم، من دون أن يعني ذلك الانسلاخ عن الوطن السوري.

ويحمل بعضهم شيئاً من الاستياء لحالة الكيل بمكيالين، بين الهجوم العنيف على الأكراد لمجرّد رفعهم لعلمهم الكردي أو تراجع حضور راية «الثورة» السورية، وبين تبرير الدعوات للخلافة الإسلامية ورفع رايات «القاعدة» من دون أي حضور للثورة السورية وعلمها.

ويؤكد ناشطون من رأس العين (أو سري كوباني كما يسميها الأكراد بلغتهم) أن لا الشارع الكردي ولا الأحزاب التي تقود الحراك في الشمال والشمال الشرقي تفكر بعقلية انتحارية. الانفصال ليس مسألة تُحسم بساعة وساعتين، على حدّ تعبيرهم. ما دام الشارع يعتبر نفسه جزءاً لا يتجزأ من سوريا فلا مصلحة لأحد بالانفصال، بغض النظر عما يفكر فيه جيرانهم في العراق. ويعزّز هذا الاتجاه واقع أنهم في سوريا يتوزعون ضمن النسيج الاجتماعي في مختلف المناطق السورية، من دمشق إلى ريفها وحلب والحسكة وشمالي الرقة.

 
رغم كل هذا الحديث الإيجابي من ناحية الأكراد، لا يزال التوتر قائماً بينهم وبين المعارضة المسلحة ما يفتح الباب على صراع واسع في المستقبل القريب، ما لم تحدث تسوية لا تزال معالمها بعيدة الأمد

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *