تقرير صحفي: استخبارات الإمارات العربية أبلغت وسام الحسن بأن منزله السري تم كشفه
لم يختلف اغتيال رئيس فرع المعلومات العميد وسام الحسن عن غيره من عمليات القتل التي وقعت في لبنان منذ عام 2005. القاتل دوماً معروف. ومن يشكّك في ذلك، ولا يشارك في إدانة «القاتل»، شريك في الجريمة. لكن التحرر قليلاً من وطأة الاتهام المسبق يسمح بقول كلام آخر. عارفو اللواء الشهيد وسام الحسن الذين عايشوه طوال السنوات الماضية، سمعوا منه كلاماً بشأن الجهات التي كان يرى أنها تريد قتله. بعض ما كان يقوله كان مبنياً على تحليلات، وبعضه الآخر مبنيّ على معطيات ووقائع.
منذ لحظة اغتيال الحسن، وجهت قوى 14 آذار الاتهام إلى سوريا، هامسة باسم حزب الله، كمنفذ للجريمة، قبل أن يعلنها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بوضوح: حزب الله نفذ الجريمة. بالتأكيد، لم يكن الحسن يبرّئ سوريا من الكثير ممّا يجري في لبنان. وخلال الأشهر الأخيرة، ارتفع منسوب قلقه من أجهزة الاستخبارات السورية، رغم أنه كان يهزأ من الضعف البنيوي الذي أصاب عمل هذه الاستخبارات، والذي ظهر في قضية الوزير السابق ميشال سماحة.
إضافة إلى الاستخبارات السورية، لم يكن وسام الحسن يخفي اقتناعه بشأن اتهام حزب الله بالوقوف خلف جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكنه كان يفرّق بين المتهمين وبين حزبهم. كان يجزم قائلاً إن السيد حسن نصر الله والشهيد عماد مغنية لم يكونا على علم بالجريمة، ولا تربطهما أي صلة بها.
كان الضابط يقول بوضوح إنه يخاف مجموعة من حزب الله، «عناصر غير منضبطة لا تأتمر بأمر القيادة»، كما في اغتيال الحريري. لكن هذا التوجس عند الحسن لم يكن يحول دون نقاش حول هذه «الخواطر» التي كان يعبّر عنها أحياناً، إلا أنه كان دوماً يقفل النقاش من دون نتيجة. وما تقدم لم يحل دون تعاونه مع حزب الله في ملفات كثيرة. تبادل معه كمّاً كبيراً من المعلومات. ورغم أن معظم شبكات التجسس التي أوقفها فرع المعلومات كانت بجهد من ضباط الفرع ورتبائه ومجنديه، إلا أن جزءاً من هذه الملفات لم تكتمل عناصره إلا بمعلومات حصل عليها الفرع من جهاز أمن المقاومة الذي كان يقول الحسن إنه «أشطر منا بالاستعلام البشري».
لائحة المتهمين مسبقاً بقتل الحسن لم تتوقف في حياته على مجموعة من حزب الله. كان يقول إن عمله «لم يترك لي صاحباً». قبل أشهر، أخبر الحسن عدداً من المقربين منه معلومات عن لقاءين جمعاه بمسؤولَين أردنيين. أحدهما هو رئيس الاستخبارات الأردنية، والتقاه في ألمانيا. أما الثاني، فهو وزير على صلة بأجهزة الاستخبارات الأردنية.
قال الحسن إن الرجلين أبلغاه معلومات عن لقاءات جمعتهما بمسؤولين في الاستخبارات الإسرائيلية. أضاف أن المسؤولين الأردنيين أخبراه، كل منهما على حدة، بمضمون محادثاتهما مع الإسرائيليين، التي تطرقت إلى الوضع في لبنان. وبنتيجتها، قال المسؤولان الأردنيان للحسن: الإسرائيليون لا ينظرون بعين الرضى إليك، وعليك أن تحذر منهم. أحدهما قال له: عليك أن تكون حذراً، حتى في أوروبا.
كان الحسن يدرك واقع أن الإسرائيليين يريدون رأسه. قال أكثر من مرة إنه لم يعد يأمن على حياته أثناء زياراته لأوروبا. عرف حجم الأذى الذي لحق بالإسرائيليين جراء سقوط شبكات تجسّسهم في لبنان، ابتداءً من عام 2008 (دخل فرع المعلومات عالم مكافحة التجسس الإسرائيلي منذ عام 2007، إلا أن نتائج عمله لم تظهر إلا في نيسان 2009). وصلته رسائل لا لبس فيها من خلال تضييق الكونغرس على عدد من البرامج المشتركة مع الأميركيين. وفي إحدى المرات، قال له أعضاء من مجلس الشيوخ الأميركي بوضوح: نواجه ضغوطاً إسرائيلية كبيرة بهدف التوقف عن مساعدتكم. لكن الرسالة الأوضح كانت تلك التي تلقّاها من المسؤولين الأردنيين، والتي جعلته، قبل أقل من عام، يأخذ كلامهما على محمل الجد.
بداية العام الجاري حملت إنذاراً إضافياً لوسام الحسن. في كانون الثاني 2012، وردت إليه رسالة من جهاز الاستخبارات في دولة الإمارات العربية المتحدة تفيد بأنه حصل على معلومات موثوقة بشأن إمكان تعرض ضابط رفيع المستوى في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي لعملية اغتيال بسيارة مفخخة في منطقة الأشرفية، على الطريق بين مبنى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وأحد المباني الذي يقطن فيه الضابط. يومئذ، فوجئ الحسن بالمعلومة. فحتى ذلك الحين، كان مكتبه السري في الأشرفية لا يزال مجهولاً. حتى أقرب مساعديه إليه لم يكونوا على علم بمكان ذلك المكتب.
عرف الحسن أنه المعني بمعلومة الإماراتيين، فهو يقطن ــ سراً ــ المبنى الذي تحدثت عنه المعلومة. لم يكن أمامه شيء ليقوم به، سوى تسريب هذه المعلومات إلى الإعلام، إذ إنه في ذلك يقول لمن يريدون اغتياله إن مخططهم قد انكشف، ما يردعهم عن تنفيذ ما يريدون. التحقيقات العاجلة التي أجراها فرع المعلومات لم تؤدّ إلى تحديد أي حركة غير طبيعية في المنطقة، إلا أن دقة المعلومة الإماراتية جعلت وسام الحسن يتعامل معها بجدية فائقة. سرَّب الخبر إلى الإعلام. وكالعادة، صُرِف الخبر في السياسة الداخلية اللبنانية، فاتُّهِم فرع المعلومات بفبركة الخبر لأهداف متصلة بإرادة الحصول على داتا اتصالات الهواتف الخلوية.
لكن القضية كانت فائقة الجدية، بالنسبة إلى الأمنيين المعنيين. لم يكن الحسن يعرف الجهة التي تنوي اغتياله، والتي كشفتها الاستخبارات الإماراتية. رجّح أن يكون الأمر مرتبطاً بأجهزة الاستخبارات السورية. بقي هذا الترجيح هو السائد لديه، إلى أن التقى مسؤولاً في الاستخبارات الإماراتية، وهنا كانت المفاجأة. قال المسؤول الإماراتي للحسن إن المعلومات التي توافرت لديهم تشير إلى أن من كان يعدّ لمحاولة الاغتيال هو تنظيم «القاعدة»، وبالتحديد، مجموعة تعمل انطلاقاً من مخيم عين الحلوة.
خلاصة القول إن الحسن نفسه لم يكن يرى لنفسه عدواً واحداً، ولا خصماً وحيداً تُتَوَقّع أفعاله. كان الرجل يدرك أن أعداءه كثر، وأن السنوات السبع الأخيرة من حياته لم تفتح أمامه سوى أبواب عديدة للموت.