من يعالج الرئيس “مرسي”؟
تم عقد الاجتماع في فيللا مرشد «الإخوان». جاء الرئيس مرسي والمهندس خيرت الشاطر مبكراً قبل أذان الفجر. كانا متوضئين فأمهم فضيلة المرشد وأدوا الصلاة وجلسوا يرددون التسابيح والأدعية ثم دعاهم المرشد الى الإفطار. كانت المائدة عامرة: فول مدمس وبيض مسلوق وبيض أومليت وفطير مشلتت ساخن وعسل أبيض وعدة أنواع من الجبن أهمها جبن قريش فلاحي طازج. أكل الثلاثة بشهية ثم ذهبوا الى حجرة مكتب المرشد الفخمة حيث بدأوا الاجتماع فوراً وهم يحتسون القهوة.. قال المرشد:
ـ أريد أن أستمع الى تقييمكما للموقف.
بادر الشاطر قائلا:
ـ بالنسبة للموقف الدولي: الادارة الأميركية تدعمنا وقد اتصلوا بي وقالوا إنهم سيصدرون تصريحاً ضد العنف الذي حدث أمام القصر الرئاسي، فقلت لهم أهم شيء أن يكون البيان عاماً وليس فيه إدانة لـ«الإخوان». الأميركان وافقوا. بالنسبة للموقف بالداخل. شباب «الإخوان» جاهزون للتعامل مع أي تجمعات ضد الرئيس.
لمس المرشد نظارته وقطب جبينه وقال:
ـ هل أعداد الشباب كافية؟
ضحك الشاطر وقال:
ـ طبعا. شباب «الإخوان» وحوش. الواحد منهم يضرب عشرين عيل من العلمانيين.
بدا الرضى على المرشد وقال:
ـ وأنت يا مرسي ما رأيك؟
تنحنح الرئيس وقال:
ـ يا فضيلة المرشد سيادتك دائماً ترى ما لا نراه. ربنا سبحانه وتعالى يلهمك الصواب للإسلام وللمسلمين.
ابتسم المرشد بعطف وقال:
ـ أنا حاسس يا مرسي إنك عاوز تقول حاجة.
قال الرئيس مرسي بصوت خافت:
ـ يا فضيلة المرشد أنا الحقيقة لم أكن أتوقع ان الاعلان الدستوري يتسبب في كل هذه المظاهرات.. حاولت أمتص الغضب وأعلنت الاعلان الدستوري الجديد. لكن المظاهرات لا زالت في كل مكان.
قاطعه المرشد بحدة:
ـ هذا غضب الباطل يا مرسي. نحن على حق وهم على باطل. لقد مكنّا الله من حكم مصر أخيراً. لن نسمح للعلمانيين كارهي الدين بتولي السلطة أبداً. مصر الآن تدخل عصر الخلافة المباركة.
هز الشاطر رأسه مؤيداً وقال:
ـ انهم يحاربون شرع الله. والله لن نترك الدستور لهم أبداً ولو متنا جميعاً دونه. «عارف مين عاملين كل هذه الضجة». فلول مبارك على شوية أقباط وشيوعيين ملحدين. كلهم بلا قيمة. احنا حنكسب اي انتخابات وأي استفتاء مهما عملوا. الناس في مصر عاوزة الدين. الدين معنا. مهما كان موضوع الاستفتاء الناس بتشوف الدين فين وتؤيده.
ابتسم الرئيس مرسي وتمتم:
ـ طبعاً. طبعاً.
قلب المرشد في الأوراق أمامه وقال:
ـ الشرطة متقاعسة يا مرسي عن حماية مقرات «الإخوان».
قال الرئيس:
ـ لقد عقدت اجتماعاً مع وزير الداخلية وقد وعدني خيراً بإذن الله.
بان الغضب على المرشد وصاح:
ـ كلام فارغ. تم حرق أكثر من عشرين مقراً لـ«الإخوان المسلمين».. وزير الداخلية إما فاشل أو متواطئ.
سأل الرئيس مرسي:
ـ هل ترى يا فضيلة المرشد أن نعين وزيراً آخر للداخلية؟
مسح المرشد بكفيه على وجهه (وهذه عادته عندما ينفعل) ثم تنهد وقال:
ـ لا. أي تعديل وزاري الآن سيعطي رسالة سلبية وقد يثير عداوة لواءات الداخلية. ننتظر قليلا وما أن تهدأ الأمور يجب أن يتغير هذا الوزير. الآن. لقد أعد اخوانكم خطة لتأمين المقرات.. أريد أن أستمع الى ملاحظاتكما.
مد المرشد يده بنسختين من الخطة الى الرئيس مرسي والشاطر.. راحا يطالعان الخطة. ساد الصمت ثم قال الشاطر:
ـ الأعداد المطلوبة كبيرة. سنضطر لاستدعاء الاحتياطي.
هز المرشد رأسه وقال:
ـ إفعل ما تراه ضرورياً.
استمر الرئيس مرسي في القراءة ثم مد يده بالورق الى المرشد وقال:
ـ أظن هناك خطأ في اسم مسؤول طنطا.
تناول المرشد النسخة لكنه تطلع الى يد الرئيس وقال:
ـ أنت انجرحت يا مرسي؟
نظر الرئيس مرسي الى يده اليمنى فلاحظ بقعة دم. عندئذ بان الانزعاج على وجهه وقال:
ـ غريبة. أنا مش فاكر إني انجرحت.
قال الشاطر مطمئناً:
ـ تلاقيك خبطت في حاجة وأنت مش واخد بالك.
ـ لا. دي بقعة غريبة فعلا.
كانت مساحتها مثل قطعة نقود كاملة الاستدارة في منتصف راحة الكف تماما وكان الدم جافاً لونه داكن. نهض الشاطر بسرعة وخرج من المكتب ثم عاد حاملاً قطناً طبياً وزجاجة مطهر. تناول الرئيس قطعة القطن وغمسها في المطهر وراح يدعك بقعة الدم بقوة عدة مرات لكنها لم تزُل. استأذن الرئيس وهرع الى الحمام ووضع يده اليمنى تحت الماء الساخن وراح يدعك يده بالصابون، لكن بقعة الدم ظلت كما هي. لم تتأثر بشيء. عندئذ أحس الرئيس بجزع. استأذن من المرشد وركب سيارته وطلب من السائق أن يتجه بسرعة الى المستشفى الخاص الذي يملكه طبيبٌ صديقه وزميله في مكتب الارشاد. عندما أخبر السائق أفراد الحراسة بالأمر جاءوا يطمئنون على صحة الرئيس لكنه أخفى يده اليمنى وابتسم بصعوبة وأكد لهم أن الأمر بسيط وأنه بخير والحمد لله. بعد نصف ساعة دخل الرئيس على عجل الى مكتب الطبيب وبادره قائلا:
ـ أنا لقيت على يدي بقعة دم مش عارف جاءت منين.
ارتدى الطبيب قفازاً جراحياً وكشف على الرئيس ثم أمسك بيده ووضعها تحت المصباح الطبي وراح يفحصها بعناية وفي النهاية غمس قطنة في محلول طبي له رائحة نفاذة وأخذ يدعك بقعة الدم بقوة لكنها ظلت ثابتة لم تتأثر. ألقى الطبيب بالقطنة جانباً وقال:
ـ يا دكتور مرسي حالتك غريبة فعلا. الدم لا ينزف من جرح عندك. الدم لازق في يدك ومش بيطلع.
ردد الرئيس بصوت مضطرب:
ـ أنا مستغرب جداً.
ـ وأنا أيضاً الحالة بالنسبة إليّ غير واضحة.
ـ والعمل؟!
ـ العمل إنك تستحمل لغاية الصبح. أنا راح أكلم أستاذ أوعية دموية في ألمانيا لأني بصراحة أول مرة أشوف حالة زي كده.
هنا انفعل الرئيس قائلاً:
ـ ما أقدرش أنتظر. أنا عندي اجتماع مع الوزراء الساعة السابعة وبعد كده عندي خطاب لازم أسجله في التلفزيون. لا يمكن أتعامل مع الناس ويدي عليها دم.
بدا الأسف على وجه الطبيب ثم أطرق وقال بصوت خافت:
ـ سيادة الرئيس ما باليد حيلة. الحالة غريبة وسوف نعمل تحاليل كثيرة هنا وفي الخارج حتى نفهم ما حدث ليدك.
أحس الرئيس أنه لا فائدة من الحوار. شكر الطبيب وتوجه الى مكتبه في قصر الاتحادية. بعد ذلك مضى النهار كما كان مخططاً. مقابلات مع مسؤولين مصريين وأجانب ثم اجتماع مجلس وزراء وبعد ذلك خطبة في التلفزيون سجلها لتذاع في اليوم التالي .خلال كل هذه المقابلات كان الرئيس يضم يده اليمنى ويبعدها عن نظر من يحدثه حتى لا يلاحظ بقعة الدم. عندما عاد الرئيس الى بيته كان من الصعب أن يخفي الأمر عن زوجته. حكى لها فانزعجت وتناولت يده وراحت تقلبها ثم حاولت إزالة بقعة الدم فوضعتها في الماء الساخن ودعكتها بقطعة من الليف وحجر خفاف، الذي يستعمل في تنظيف الكعوب، على أن البقعة لم تتأثر. ظلت مستديرة، داكنة، راسخة في منتصف كف الرئيس كأنها تسخر من محاولات إزالتها. يئست زوجة الرئيس من إزالة البقعة فانسحبت وهي تتمتم وتستغفر الله ثم عكفت على قراءة القرآن وقد تملكها حزن جعل الدموع تنسال على وجهها.. أخذ الرئيس حماماً ساخناً حاول أثناءه ألا يفكر في البقعة لكنه رغماً عنه كان يتطلع اليها بين الحين والآخر ويتمنى أن تكون زالت أو حتى انكمشت قليلاً، لكن البقعة ظلت كما هي. طوال الليل لم يستطع الرئيس أن ينام. انتابته هواجس سوداء. انه لا يخاف الموت لأنه قدر الله. اذا كانت بقعة الدم عرضاً لمرض خطير فإن أجله سينتهي في موعده. انه يخاف من انتشار الخبر. اذا استمرت هذه البقعة على يده سيلاحظها الجميع وستكون فرصة لخصومه من أجل الهجوم والتجريح. استغرق الرئيس في التفكير وعاد فتذكر كل ما حدث في اليوم السابق، فلم يجد أنه اختلط بشخص مجروح ولم يلامس الدم بأي شكل من الأشكال. ما أن سمع أذان الفجر حتى توضأ وصلى ثم أمر بإيقاظ سائقه وأفراد الحراسة وارتدى ثيابه وتوجه الى فيللا المرشد فوجد عنده خيرت الشاطر.. سلم الرئيس بسرعة عليهما وألقى بنفسه على المقعد. تطلع اليه المرشد وابتسم وقال:
ـ اخبارك إيه. ان شاء الله تكون يدك خفت. قال الرئيس مرسي بصوت خافت:
ـ يا جناب المرشد أنا تعبت. بقعة الدم على يدي لا تزول أبداً. الدكتور قال إنها حالة غريبة أول مرة يشوفها.
صمت المرشد قليلاً وبدا كأنه يفكر ثم قال:
ـ أظنك أحسن تسافر تشوف دكتور في أميركا أو أوروبا.
لم يبد الرئيس متحمساً للفكرة. قال بصوت خافت:
ـ يا فضيلة المرشد. أنا خايف يكون ربنا بيعاقبني على الناس اللي ماتت.
سأل الشاطر بنبرة مستنكرة:
ـ ربنا يعاقبك ليه؟
رد المرشد بحزم:
ـ الناس اللي ماتت كان منهم شباب «إخوان».
قال الرئيس.
ـ طبعا يا فضيلة المرشد. ربنا يرحمهم ونحسبهم شهداء بإذن الله. لكن أنا حاسس إني السبب. لو كنا تصرفنا بطريقة مختلفة كان ممكن الشهداء يعيشوا.
بدا المرشد وكأنه يكظم غيظه وقال بصوت عال:
ـ يا دكتور مرسي. افهم. القرارات اللي أخذناها كانت ضرورية من أجل تمكيننا وإحباط مخطط العلمانيين أعداء الإسلام.
قال الشاطر:
ـ كنت عاوزنا نسيبهم يستولوا على الحكم يا مرسي؟
هز الرئيس رأسه وقال:
ـ لا طبعاً. عندكم حق.
ابتسم المرشد وقال بهدوء:
ـ كل ما نأخذه من قرارات لإرضاء الله ورسوله. نحن لسنا طلاب سلطة مثل غيرنا والحمد لله.
هز الرئيس مرسي وسكت ثم تطلع الى يده اليمنى. كانت بقعة الدم لا تزال كما هي.
الديموقراطية هي الحل