هل تغيّر المملكة العربية السعودية نظام ولاية العهد؟
أثارت التقارير عن تدهور صحة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز تساؤلات حول الخلافة، لاسيما وأنها قضية تلوح في أفق المملكة منذ عدة سنوات لكنها تجددت بعد أن خضع الملك البالغ من العمر 89 عاما لجراحة في الظهر الشهر الماضي، بعد أن أجرى عملية جراحية سابقة في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وأخرى بعدها بشهر.
وقد حكم ستة ملوك السعودية منذ تأسيس المملكة في عام 1932، بما فيهم مؤسسها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود.وكلما تقدم الملوك السعوديون في السن يواجهون قرارا صعبا: هل يواصلون في تسليم الحكم من أخ إلى آخر (من أبناء الملك عبد العزيز) أم أن الوقت قد حان لجيل جديد من الملوك؟.وبموجب التقليد السعودي فإن جميع الملوك الذين حكموا المملكة بعد الملك عبد العزيز كانوا من أبنائه بمن فيهم الملك عبد الله.
“ملكية قصيرة العهد”
وعقب الوفاة المفاجئة لولي العهد الأمير نايف بن عبد العزيز في يونيو/حزيران الماضي، تم اختيار أخيه سلمان البالغ من العمر 76 عاما وليا للعهد. وعلى الرغم من أن صحته هو الآخر ليست في حالة جيدة، إلا أن هناك توقعات بأنه سيكون الملك القادم.
ولا يوجد سوى عدد قليل من الإخوة الذين مازالوا على قيد الحياة وبصحة لا بأس بها، إلا أن الكثيرين يتساءلون إذا كان باستطاعتهم تولي زمام الحكم.وفي هذا الإطار قال سايمن هندرسون مدير برنامج الخليج والطاقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى في لقاء مع إذاعة صوت أميركا، إن الملكية في السعودية “سلسلة من الملوك قصيري العهد”.
وأضاف أن المشكلة تتمثل في أن “الملوك يتولون الحكم في وقت متأخر من حياتهم وبالتالي ليست لديهم الطاقة الكافية للحكم، ومن ثمة فإن الأمور لا تسير كما لو كان القائد أقل سنا ولديه طاقة أكبر، مما يثير احتمال وقوع اضطراب سياسي” في المملكة، على حد قوله.
ويرى بعض المحللين الغربيين المهتمين بالشأن السعودي أن الحل الواضح لقضية الخلافة في المملكة يتمثل في تسليم الملكية إلى الجيل التالي، وهي خطوة ظلت المملكة مترددة في اتخاذها حتى الآن.
وعن ذلك يقول هاندرسون إن المشكل الأكبر يتمثل في “هوية من يقع عليه الاختيار” في تولي الحكم، مضيفا أن “أي اختيار لولي عهد قادم يعني إبعاد بعض الأشخاص الذين هم من أبناء مؤسس المملكة، فضلا عن أنه ينبغي تحديد أي فرع من الجيل القادم الذي ينبغي أن يرث العرش”.
وقد تؤدي أي خطوة في ذلك الاتجاه إلى منافسة وهي مسألة ليست بغير مسبوقة في تاريخ السعودية، كما تقول الصحافية كارين إليوت هاوس، التي تقوم بزيارات إلى المملكة منذ 30 عاما التقت خلالها بعدد كبير من أبناء العائلة الملكية، وأشارت إلى وجود “عداوة بين الملك السابق سعود وأخيه فيصل استمرت لعقد كامل”.
وقالت هاوس، مؤلفة كتاب “السعودية: شعبها، الماضي، الدين، خطوط الخطأ — والمستقبل”، إن مؤسس المملكة اختار قبل وفاته ابنه البكر سعود ليخلفه واختار ثاني أكبر أبنائه فيصل ليكون ولي العهد.
وأضافت هاوس أن الملك عبد العزيز أوصى ابنيه وهو على فراش الموت قائلا “ضعا يديكما معا على جسمي وعداني بأنكما لن تتخاصما أبدا بشكل علني”.وأشارت هاوس إلى أن “الابنين تخاصما على مدى عقد تقريبا إلى أن أطاح فيصل أخاه سعود ونصّب نفسه ملكا قبل أن يقتل على يد ابن أخيه”.
ويقول المراقبون إن التنافس ربما يكون أكثر وضوحا بين ما يسمى بـ”السديري السبعة” وهم أبناء عبد العزيز من أم واحدة هي حصة السديري التي يتردد أنها كانت إحدى زوجات الملك عبد الله المفضّلات.
وبحسب هاندرسون فإن “‘السديري السبعة’ حاولوا السيطرة، وتمكنوا من ذلك ومازالوا”، لكن بدرجة أقل لأنه مع وفاة كل من الملك فهد، وسلطان ونايف لم يتبق سوى ‘السديري الأربعة’، واحد منهم هو تركي يعيش في المنفى، فيما يعاني سلمان من تدهور في وضعه الصحي، وأحمد فقد منصبه كوزير للداخلية وعبد الرحمن يشعر بالانزعاج لأنه يتم تجاوزه، وبالتالي لم يعد هناك سوى ‘السديري الاثنين ونصف”، على حد تعبيرها.
صنع الملوك
ومع تراجع صحة الملك عبدالله يطفو السؤال على السطح إذ تقول هاوس إنه لا توجد أي قوانين تحدد كيفية اختيار ملوك السعودية.وتضيف أنه “عادة، يلتقي الملك بشكل سرّي مع دائرة صغيرة من الأمراء ذوي النفوذ بهدف اختيار ولي العهد، لكن لا أحد يعلم بشكل مؤكد كيف تتم العملية”، مشيرة إلى أنه “يتم أخذ السن بعين الاعتبار ولكن أيضا أن يكون الأكثر قدرة على الحكم”.
وفي محاولة لاستباق وقوع عمليات انتقال للسلطة غير سلسة، أسّس الملك عبد الله في عام 2006 هيئة البيعة التي تضم 35 شخصا يمثلون كل فرع من الأسرة الملكية. وإذا توفي أحدهم أو أصبح غير قادر على الاستمرار يحقّ لأبنائه تمثيله.
وفي حال وفاة الملك، فإن المجلس يتولى تسمية الملك الجديد. ثم على الملك الجديد أن يبلغ المجلس بعد ذلك بعشرة أيام بالشخص الذي يختاره لمنصب ولي العهد. ويمكن للملك أن يسمي ثلاثة مرشحين للمنصب، وإذا لم يلق أي من المرشحين موافقة المجلس، فيمكن لأعضائه اقتراح بديل.
وتتمثل المشكلة في أن المجلس لم يسبق أن خضع لاختبار، إذ يقول هاندرسون “إنها طبيعة الوضع في السعودية فبإمكان كل من يتولى منصب الملك أن يفعل ما يشاء، مما يعني أن ولي العهد الأمير سلمان إذا اعتلى العرش، فقد يمنح الأفضلية لخط عائلته”، حسب تقديره.
المتنافسون على الحكم
وبحسب المراقبين يعتبر اثنان فقط من أبناء الملك عبد العزيز الـ16 مؤهلين كمرشحين للحكم أولهما وزير الداخلية السابق الأمير أحمد، البالغ من العمر 72 عاما، وهو الأخ الشقيق لسلمان وأصغر الإخوة المعروفين بـ”السديري السبعة”.وتمت تنحية أحمد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي عن منصبه كوزير للداخلية الذي تولاه من بعده ابن أخيه الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر 53 عاما.
وشككت هاوس في احتمال اختيار أحمد لولاية العهد، مشيرة إلى “أن وجود أخوان شقيقان في منصبي الملك وولي العهد قد يشكل مشكلة داخل العائلة”.
أما المرشح المحتمل الآخر، فهو الأمير مقرن أصغر أبناء الملك عبد العزيز. إلا أن هاندرسون يقول إن “مقرن لن يتم ترشيحه على الأرجح لأن أمه أجنبية وهو ما يثير قضية النسب التي تحتلّ أهمية كبرى في المجتمع السعودي”.
ويتفق كل من هاوس وهاندرسون على أن الأمير محمد بن نايف، وهو من الجيل الثالث، يمكن أن يبرز كنائب لولي العهد.
وأوضحت هاوس قائلة إن “محمد مثير للإعجاب بشكل كبير، فهو يتحدث اللغة الانكليزية، ويدير برنامجا لإعادة تأهيل الإرهابيين يبدو أنه لقي نجاحا”.
من جانبه قال هاندرسون إن “المستقبل خلال السنوات القليلة القادمة غير واضح، وطبعا المشاكل في الشرق الأوسط والمشاكل في العالم لن تتوقف، ومن ثم فسيكون لدينا قلق إزاء البرنامج النووي الإيراني، والنفط، والتغييرات في العالم العربي، كما سيكون لدينا قلق حول الشيعة في المناطق الشرقية في السعودية وفي البحرين المجاورة”.
وبحسب المراقبين فإن كل تلك المشاكل مرشحة للزيادة على الأرجح، إن لم يكن باستمرار فعلى الأقل بين الحين والآخر، الأمر الذي سيسبب “أوجاع الرأس” لأي شخص يجلس على عرش المملكة العربية السعودية