الشيخ القطري محمد أل ثاني: ربيع العرب ودول الخليج.. حان الوقت للأخذ بالتغيير

عندما يتقاعد معظم وزراء دول الخليج العربي عن العمل يميل معظمهم لإدارة الأعمال التجارية لأسرهم، معتمدين في ذلك على اتصالاتهم السياسية السابقة ونفوذهم في الداخل.
ولم يخرج الشيخ محمد آل ثاني، وزير التجارة والاقتصاد القطري سابقاً عن هذا الإطار، فهو يدير مجموعة من المصالح الاقتصادية الخاصة منها فندق في قلب الحي التجاري بالعاصمة الدوحة.

لكن عندما ترك منصبه عام 2006 بعد 17 سنة من العمل ساعد خلالها في تحويل قطر الى أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، توجه الشيخ محمد الى جامعة أوكسفورد ليكتب حول الاقتصاد السياسي في دول الخليج.
والحقيقة أن هذه الدراسة تشكل الآن أساس كتابه: «ربيع العرب ودول الخليج.. حان الوقت للأخذ بالتغيير».
ولقد حاول الشيخ محمد تجنب إثارة الكثير من الضجيج الإعلامي في هذا المجال لإدراكه مدى حساسية كتابه الذي أهداه لابن عمه الشيخ حمد أمير قطر.

ولارتباطه بعلاقات واتصالات كثيرة باعتباره من الأسرة الحاكمة، وزوج لسيدة أعمال رفيعة المستوى هي الشيخة هنادي، لم يكن مفاجئاً أن يكون الشيخ محمد حذراً حينما يناقش شخصياً الكثير من القضايا التي عالجها في كتابه. إذ ان تسليط الضوء على موضوع الإصلاح في منطقة الخليج هو ليس بالأمر السهل، لاسيما عندما يتعلق بالأمر بتقديم آراء معينة حول الدول المجاورة في مجلس التعاون الخليجي. فمعظم هذه الدول أظهرت تشككاً في حركة الشباب التي اجتاحت المنطقة بهدف التغيير.
غير أن قطر، وفقاً للشيخ محمد، أدركت القوى التي تقف وراء «ربيع العرب»، وكانت الرائدة في تأييد ثورات الشرق الأوسط.

تباين

بيد أن النقاد يشيرون هنا الى وجود تباين بين تمويل الدوحة لثورتي ليبيا وسورية وبين السيطرة المُحكمة التي تمارسها أسرة الشيخ محمد الحاكمة على البلاد. فقد أصدرت محكمة هذا الشهر حكماً بالسجن مدى الحياة على شاعر قطري في قصيدة شهيرة حول «ربيع العرب».
لكن يبدو أن مناقشة موضوع مصر شيء والتطرق لمسألة البحرين شيء آخر.
فالشيخ محمد يسارع لعدم اعتبار انتفاضة البحرين جزءاً من «ربيع العرب»، وذلك لأن التغطية الإعلامية الإيرانية لها هي دليل برأي الشيخ محمد على ان طهران هي التي تحرك الخيوط في ساحة اللؤلؤة بالبحرين.
كما ينتقد الشيخ محمد ما يصفه بقرار إيران محاربة العرب السنّة في الخليج، ويعتقد أن دعم طهران للأسد في سورية هو خطأ فادح بالنسبة للجمهورية الإسلامية.
غير أن الشيخ محمد ينتقد، ولو على نحو غير واضح تماماً حكومة البحرين لعدم «وضعها الغذاء على الطاولة لكل أبناء الشعب»، ويقول: على الحكام هناك تغيير موقفهم إزاء مواطنيهم من خلال توزيع الثروة بإنصاف ومساءلة الحكومة وتوفير الحرية للشعب كي يعيش حياة كريمة لأن هذه هي الطريقة المثلى للتقدم الى الأمام. وهنا تكمن في الواقع الفكرة الرئيسية للكتابة، وهي أن عدم وجود فرصة لشباب المنطقة، الذين يشكلون جزءاً كبيراً من السكان، هو الذي أجج الغضب الذي حرك «ربيع العرب» في تونس، مصر ثم ليبيا واليمن، وسوف يستمر في تهديد المنطقة طالما بقيت بعيدة عن التغيير.
ويؤكد الشيخ محمد ان معالجة هذه الظاهرة ستتطلب القيام بإصلاحات سياسية واقتصادية واسعة.

حماية

وحول هذا يقول: لقد حمت أسعار النفط المرتفعة والإنفاق الحكومي السخي دول الخليج حتى الآن مما كان يمكن أن يكون أسوأ مشاعر السخط والغضب والثورة لدى جيل الشباب، لكن استمرار مثل هذا النهج الحكومي السخي غير ممكن على المدى الطويل بالطبع.
ويضيف الشيخ قائلاً: «إنكم الآن في السلطة، وأسعار النفط أكثر من 100 دولار للبرميل، ولديكم اقتصاد مستقر حتى الآن ووضع اجتماعي مستقر أيضاً، فلماذا لا تفكرون بالتغيير جدياً الآن؟ ولماذا تتركون هذه المسألة لوقت آخر؟ ولماذا يمكن أن يكون مثل هذا التغيير أفضل عندئذ؟ وما هي الخطة؟
هذه الخطة يجب أن تتمثل برأي الشيخ محمد في التحرر الاقتصادي المقترن بانفتاح سياسي متدرج من أجل تعزيز تقدم البلاد على مستوى قدرة الفرد. والمسألة الأولى هنا تكمن في كيفية تحسين التنافس في كل بلد لفتح الاقتصاد أمام الشعب كي يزدهر. كما يتعين أن يتبع تطبيق الأنظمة والقوانين بشكل منصف وعادل مثل حماية حقوق الملكية الفكرية، تحرك رأس المال بحرية أكبر بين كل أبناء الشعب، وإصلاح العملية التعليمية والتربوية أيضاً.

عنصر أساسي

غير أن المساءلة تبقى عنصراً أساسياً للإصلاح والتغيير، برأي الشيخ الذي يلاحظ بالقول: الشعب يريد حكومة تخضع للمساءلة.
لكن لدى سؤاله حول كيفية تحقيق مثل هذا الأمر في بلاد مثل قطر تتركز فيها السلطة بيد أسرة واحدة هي أسرته، ضحك الشيخ ثم سارع قائلاً: من المقرر أن تجري انتخابات برلمانية السنة المقبلة، لكني أعتقد أن دولاً مثل قطر بحاجة لأن تحدد طريق تقدمها نحو مثل هذه المساءلة.
وبعد أن قال دعونا نكون صريحين، تساءل الشيخ محمد «هل الديموقراطية الأمريكية أو الأوروبية هي الحل الصحيح لنا؟»، أضاف قائلاً: ربما، لكني أعتقد أن المنطقة، وعلى الأخص الخليج، تستطيع أن تضع النظام الملائم تماماً لها.

سايمون كير – فايننشال تايمز
تعريب نبيل زلف

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *