وسط أنزعاج تركي : واشنطن تعيد تشكيل “المعارضة السورية” أنطلاقا من الدوحة

تستعد الدوحة هذا الأسبوع لاستقبال معارضين سوريين من أطياف مختلفة، يحضرون للمشاركة في تأسيس هيئة قيادية جديدة تشكّل بديلاً من المجلس الوطني الحالي الذي باتت أهليته في تمثيل المعارضة السورية مثار خلاف دولي وعربي حاد. الاجتماع، الذي يبدأ يوم غد لمناقشة تشكيلة المجلس الجديد المفترض الإعلان عنها الأربعاء المقبل، ليس الأول للمعارضة السورية، لكنه قد يعدّ الأكثر أهمية، إن لم يكن المفصلي.
 
 وفيما تأتي هذه المبادرة برعاية أميركية خالصة، وتنسيق أوروبي وخليجي إلى جانب الجامعة العربية، فإن ذلك يشي بتغيير حاصل في المقاربة الدولية للأزمة السورية.
 
 بداية، أصرّ الأميركيون ومعهم المجتمع الدولي على التلويح بخطر المتطرفين وضرورة احتوائهم، وبعد ذلك كانت الدعوات لتوحيد المعارضة، تلتها انتقادات للمجلس الوطني الحالي، وصولاً إلى محاولة تجريده من شرعيته، وفق ما أكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمس الأول لأن «أعضاءه متواجدون خارج سوريا منذ أكثر من 20 عاماً».
من هنا، أكدت كلينتون أن هدف بلادها الوصول إلى معارضي الداخل، وهو ما أوضحت أبعاده تقارير كثيرة ناقشت مؤخراً احتمال توجه واشنطن نحو البحث عن حلّ سياسي وصولاً إلى إيجاد جهة موحدة يمكنها الحوار مع المجتمع الدولي كما مع الأسد.

«حكومة فورد ـ سيف»

قبل الدخول في أبعاد تبني أميركا لخطوة مماثلة، تجدر العودة إلى تفاصيل هذه المبادرة التي قد تحمل الكثير من المؤشرات في هذا الصدد.
بداية، سيشارك في الاجتماع عشرات من القادة المعارضين ومسؤولي لجان التنسيق بحضور السفير الأميركي في سوريا روبرت فورد. وسيضم المجلس الجديد 51 عضواً بحسب مصدر مطلع لصحيفة «الغارديان» البريطانية أوضح أن اسم رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب سيكون مطروحاً لدخول الهيئة القيادية، إضافة إلى ثلاثة من أعضاء «المجلس الوطني الكردي» وهيثم مناع من «هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي».


وأفادت معلومات عن توجه رياض حجاب ورياض سيف وبسمة قضماني وسهير الأتاسي إضافة إلى 12 آخرين للمشاركة في اجتماع الدوحة أمس بعد إنهاء اجتماعهم في الأردن.
 
كما كشفت المصادر عن أبرز الجهات المدعوة ومنها المجالس الإدارية المحلية وسيحضر منها 14 ممثلا لكل محافظة، ثلاثة من المجلس الوطني الكردي، رابطة علماء الشام، رابطة العلماء السوريين، حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب العمل الشيوعي (عبد العزيز الخيّر)، المنبر الديموقراطي (ميشيل كيلو)، حركة المواطنة، هيئة أمناء الثورة (هيثم المالح)، رابطة اتحاد كتاب الثورة (صادق جلال العظم)، المنتدى السوري للأعمال، المجلس الثوري لعشائر سوريا، والعديد من الشخصيات الوطنية والمنشقين السياسيين.

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مسؤولين أميركيين توقعهم أن يحضر اجتماع المعارضة السورية نحو 50 من ممثلي المعارضة، أغلبهم من داخل سوريا. وسيتم اختيار مجلس تنفيذي يتضمن بين 8 و 10 أعضاء ستكون مهمته العمل مع الحكومات الأجنبية بشكل مباشر حول المسائل العملية مثل تقديم وتوزيع المساعدات الإنسانية، شرط أن يكونوا من التكنوقراط وليسوا أعضاء في المجلس الجديد.
وذكرت الصحيفة أنه في حال سارت الأمور كما هو مخطط لها فإن الجامعة العربية ستوافق على هذه العملية في الاجتماع المقبل في القاهرة.

وكانت واشنطن قدمت قائمة للشخصيات والمنظمات السورية التي تعدّ مرشحة للدخول في الهيئة القيادية الجديدة، في وقت خضعت مشاركة المجلس الوطني الحالي فيها لنقاش واسع. وسربت مصادر أجنبية وعربية لمجلة «فورين بوليسي» معلومات تكشف مشاركة المجلس الوطني بـ15 عضوا.
ولفتت «الغارديان» إلى أن فورد هو مهندس المشروع، وهو كان «قلقاً من ضعف تمثيل الأقليات في المعارضة»، مع العلم أن القائمة لا تضم أية شخصية علوية. كما يناقش الأميركيون نقل قيادة المجلس الجديد إلى الداخل السوري، وسط وجود العديد من المخاوف من هذا الكيان المستجد بين صفوف المعارضين السوريين من جهة، ولدى الجانب التركي من جهة أخرى.

وبحسب المصادر، ترى الإدارة الأميركية أن المجلس الجديد قد يتحول إلى حكومة انتقالية قادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي أو حتى مع النظام السوري الحالي. ويطلق المسؤولون الأميركيون على المبادرة اسم «خطة رياض سيف» في إشارة إلى رجل الأعمال والعضو السابق في مجلس الشعب السوري، الذي يرجّح أن يكون شخصية محورية في هذا التنظيم الجديد.

تفصيل آخر بخصوص المشروع لفتت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية هو التوقيت الذي جاء فيه الاجتماع أي بعد يوم على انتخاب الرئيس الأميركي، وهو أمر، بحسب معلومات مسؤولين للصحيفة، تعوّل عليه واشنطن أن يكون مؤشراً على أن القضية ليست لـ«الاستهلاك الانتخابي» كما جرت العادة. كما نقلت الصحيفة عن محللين عسكريين توقعهم بان تسمح هذه الخطوة لأميركا بتعزيز انخراطها العسكري في سوريا عبر توفير الأسلحة المضادة للطائرات.

«إنهم يسرقون الثورة

انقسم المعارضون لتشكيل جبهة معارضة جديدة، والرافضون بشكل قاطع لـ«حكومة فورد ـ سيف» الوليدة، إلى قسمين:

 
 الجزء الأول
 يعتبر ألا جدوى من مبادرات مماثلة، فشلت سابقاً وستفشل الآن، لا سيما بعد كل هذا التشرذم الذي يشتت المعارضة. وبحسب «نيويورك تايمز»، نقلاً عن معارضين في الخارج، لا وجود لأي ضمان بأن تؤتي هذه الجهود الشاملة ثمارها، لا سيما أن المحاولات السابقة لتشكيل معارضة أكثر وحدة باءت بالفشل الذريع.
أما الجزء الثاني والأكبر،
 فشكّك في النوايا والأغراض الأميركية. وفي السياق، كشف المعارض السوري محمد عبد الله، الذي كان انشق سابقاً عن المجلس الوطني الانتقالي «بعد تجربة سلبية معه»، عن أهداف أميركا من تشكيل الحكومة الائتلافية. وهو قال إنه توصل لمعرفة هذه الأهداف بعد أن تناقش مع العشرات من الأشخاص الذين التقاهم في مؤتمر القاهرة السابق والذين يشاطرونه الرأي.

وفقاً لعبد الله، الذي ابتعد عن السياسة وتفرّغ للأعمال الإنسانية وتوثيق الانتهاكات حسب قوله: «بعد أن اكتشف المجتمع الدولي أن المجلس الوطني يتبنى مطالب الثورة كاملة ويطالبه بمطالب محرجة بالتدخل في سوريا وحماية المدنيين بدأ يشكل عبئاً كبيراً عليه، فقرر تجاوزه وإنهاءه».

ويضيف: «سمحت حالة الترهل في صفوف المجلس الوطني، وغياب الشفافية وانعدام الممارسة الديموقراطية في صفوفه بإضعاف صورة المجلس في عيون السوريين وإعطاء الفرصة الذهبية للمجتمع الدولي».
من هنا، بدأت مهمة إنهاء المجلس على يد فورد. وفي تموز الماضي في القاهرة، تقدم السفير الأميركي بمشروعه وانتقل للمرحلة الثانية باستخدام قطر، الطرف الممول للمجلس للضغط عليه للقبول بفكرة حكومة رياض سيف.

كما سارع رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا أمس إلى ردّ الاتهامات لكلينتون، محملاً المجتمع الدولي مسؤولية «تواجد التطرف في سوريا» نظراً لـ«عدم دعم الشعب السوري».
وبموازاة ذلك، كثرت التحليلات والردود التي انتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي من معارضين، بعضهم لم يدع للاجتماع، والبعض الآخر كان تلقى دعوة، اعتبروا أن أميركا تبحث عن مصالحها وتحاول سرقة الثورة والالتفاف عليها، وتاريخها يشهد على ذلك في لبنان والعراق وتونس ومصر…

تركيا منزعجة أيضاً!

يبدو أن الأمور ليست على أحسن ما يُرام بين تركيا وأميركا اليوم، كما يظهر واضحاً التخبط التركي المستمر في مستنقع الأزمة السورية. وتشير المعلومات الآتية من أنقرة إلى أن الحكومة التركية قلقة من المشروع الجديد لأنها سبق واستثمرت جهودها في المجلس الوطني الحالي الذي سيلعب دوراً محدوداً في المجلس الجديد.
وفيما أعرب مسؤولون أميركيون عن أملهم في أن تستقبل أنقرة الهيئة الجديدة للمعارضة السورية في نهاية المطاف، يصر الأتراك على أن الأخيرة لا يمكن أن تعدّ بديلاً من المجلس الحالي بأي شكل.
وأوضح الباحث والكاتب التركي محمد زاهد غول لـ«السفير» أن أنقرة لا تنسجم مع الكلام عن بديل للمجلس رغم وجود بعض الإشكاليات حوله، لأنه من غير الممكن النجاح في ذلك.


ويعترف غول، المقرّب من النظام، أن المجلس الوطني لا يمثل الأطياف كافة، ولكن ولادته استغرقت مخاضاً طويلاً، وأي طرح آخر لا بدّ أن يمر في المرحلة ذاتها التي مرّ بها المجلس.

«هيئة التنسيق»: لم ندع إلى مؤتمر في الدوحة

نفى المتحدث باسم هيئة التنسيق الوطنية المعارضة في سوريا منذر خدام، أمس، أن تكون الهيئة أو شخصياتها قد تلقت أية دعوة للمشاركة في مؤتمر المعارضة المزمع عقده في الدوحة الأسبوع المقبل، مشيرا إلى أن المؤتمر يهدف لمناقشة ما يعرف بمبادرة رياض سيف لتشكيل حكومة انتقالية تنوب عن الانقسام في صفوف المعارضة

.
وقال خدام،  إن الهيئة «لم تدع كما لم تستشر بالمؤتمر» المذكور، «كما لم تناقشه أية جهة معها».

وأعلن خدام أن معلوماته هذه هي حتى صباح أمس، مشيرا إلى أن وفدا من الهيئة وشخصيات أخرى معارضة، بينها المنسق الخارجي للهيئة الحقوقي هيثم مناع والباحث عارف دليلة يزورون الآن مدريد بدعوة من الخارجية الاسبانية.

ويتضمن جدول المدعوين المعلن على شبكة الانترنت شخصيات كحسن عبد العظيم المنسق العام للهيئة ولكن بصفته أمينا عاما لحزب الاتحاد الاشتراكي، ومسؤول الخارج المعتقل في هيئة التنسيق عبد العزيز الخير ولكن بصفته من حزب العمل الشيوعي، الأمر الذي يعني تجاهلا للهيئة التي تضم في صفوفها عدة أحزاب وقوى.

ويرى خدام أن المؤتمر يهدف لمناقشة ما يسمى بمبادرة عضو إعلان دمشق المعارض رياض سيف، والتي تهدف باختصار «لتشكيل حكومة انتقالية موسعة» تعوض عن ضعف المجلس الوطني السوري، كما تحاول إشراك عناصر ذات علاقة بالداخل.

ووفقا لقناعة خدام «فإن المبادرة حيكت بأياد غير سورية للأسف».
ويشرف على الاجتماع المقبل سلطات الدوحة، كما السفير الأميركي في دمشق روبرت فورد، الذي قالت مصادر ديبلوماسية غربية  إنه «المنسق الفعلي للمبادرة» الجديدة لتوحيد صفوف المعارضة.
 

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *