خذوا الحكمة من فم بوتن // ..بوتين يتوقع تغييرات جذرية عالمياً: نسعى إلى تعزيز مكانتنا وتطوير إمكاناتنا
حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن العالم مقبل على مرحلة انعطاف مليئة بالهزات والتغييرات الجذرية، وقال إن بلاده تعمل لمواجهة هذا الاستحقاق لتعزيز وضعها الجيوسياسي وتطوير إمكاناتها.
وحملت رسالة بوتين السنوية أمام المشرعين الروس، وهي الأولى منذ عودته إلى الكرملين في أيار (مايو) الماضي، ملامح ما وصف بأنه برنامج استراتيجي يحدد مسار تطور روسيا لسنوات مقبلة.
وأعلن الرئيس الروسي أن «العالم وروسيا أمام مرحلة انعطاف كبرى» وتحدث عن عصر «التغييرات الشاملة وربما الهزات الكبرى». وخاطب أعضاء الهيئة الاشتراعية الروسية مشدّداً على أن موسكو: «أدركت مبكراً وبوضوح كامل أن السنوات المقبلة ستكون حاسمة»، معتبراً أن المهمة الأساسية أمام السياسة الروسية تتمثل في «المحافظة على الأهمية الجيوسياسية للبلاد ومضاعفتها» وهذا أمر «له أهمية قصوى بالنسبة إلينا وبالنسبة إلى شركائنا وجيراننا أيضاً».
المؤسسة العسكرية
وبعدما رسم ملامح المرحلة المقبلة، حدد بوتين عدداً من المهمات الحيوية المطلوبة وقال إن ذلك يتطلب من روسيا القيام بعمل كبير للنهوض بأوضاع الاقتصاد والثقافة والعلوم ووسائل التعليم والديبلوماسية الروسية التي خصص جزءاً من حديثه للإشارة إلى أن المطلوب منها تعزيز قدرات روسيا على المشاركة بـ «نشاط مشترك على الصعيد الدولي».
كما تطرق بوتين الذي أطلق قبل أسابيع مشروعاً ضخماً للتحديث العسكري، إلى أوضاع مؤسسة الجيش، وقال إن القدرات العسكرية الروسية ستظل «ضمانة أمن روسيا واستقلالها». وكان لافتا أنه ربط هذا الملف مع حديث عن أن «الأوضاع والتناقضات الكبرى التي يشهدها العالم حالياً تتطلب منا القيام بأفعال واتخاذ قرارات حازمة». واعتبر أن على روسيا «أن تندفع إلى الأمام فقط نحو المستقبل».
تنافس على الموارد
وزاد أن التطور العلمي الكبير بات يتخذ مجرى سيحدد أبعاد التنافس على الموارد، معتبراً أن هذه المرحلة بدأت وبقوة، وزاد: «تنضج أكثر وأكثر الظروف لوقوع نزاعات جديدة ذات طابع اقتصادي وجيوسياسي وإثني، وتشتد المنافسة للحصول على الموارد، ونحن ننافس ليس فقط للحصول على الموارد الطبيعية بل على الموارد البشرية بالدرجة الأولى، وقدرات البشر الذهنية».
الوضع الداخلي
وتطرق بوتين في شكل سريع إلى الوضع السياسي الداخلي وتنامي نشاط المعارضة، مشيراً إلى أن روسيا اختارت طريق الديموقراطية ولا تراجع عنها، لكنه حدد في الوقت ذاته شروطاً للتنافس السياسي في البلاد.
ودعا إلى وضع ما وصفها بأنها «قواعد المنافسة السياسية النزيهة» وهي تقوم على شرط الحفاظ على وحدة روسيا وسلامة أراضيها وسيادتها، وإقصاء كل مظاهر النزعات الانفصالية من الحياة السياسية. ورفض أي تدخل خارجي مباشر أو غير مباشر في الحياة السياسية الداخلية، بما في ذلك رفض أي تمويل خارجي لأي طرف سياسي روسي. وأضاف شرطاً يقتضي ضرورة التمييز بين النشاط السياسي الهادف والنشاط الإجرامي المخالف للقوانين وزاد أن الحوار السياسي في البلاد ممكن مع القوى الملتزمة القوانين فقط.
وفي إطار الإصلاحات السياسية حمل خطاب بوتين استجابة لواحد من مطالب المعارضة بضرورة العودة إلى نظام الانتخاب القائم على اللوائح الفردية والحزبية معاً، لكنه قال إن ذلك يتطلب فتح حوار واسع ومعمق.
ومع تأكيده أن لا خيار لروسيا سوى انتهاج الديموقراطية، أكد سيد الكرملين أهمية أن ترتكز «الديموقراطية الروسية على تقاليد الشعب والمعايير السائدة في البلاد وليس أن تسعى لتطبيق معايير مستوردة من الخارج».
وبين الملفات الداخلية الحيوية بالنسبة إلى المواطن الروسي توقف بوتين مطولاً أمام تصاعد النزعات القومية المتشددة والعمالة الأجنبية والأزمة الديموغرافية في البلاد.
وتحدث عن إنجاز مهم في ملف تناقص تعداد السكان، مشيراً إلى أن روسيا اقتربت من تجاوز هذه المشكلة بعدما تساوت معدلات الولادة والوفاة في السنوات الأخيرة.
وأعاد التذكير بالوضع في تسعينات القرن الماضي عندما كانت روسيا تخسر مليون نسمة سنوياً، وقال إنه «بدا من غير الممكن وقف هذه الكارثة وكانت التوقعات الديموغرافية للبلاد وقتها حكماً نهائياً على البلاد، إلا أننا تمكنا من تخطي هذه الأزمة وبعد إطلاق البرامج الديموغرافية، نشهد اليوم استقراراً في النسبة السكانية. ومنذ عام 2010 راح عدد السكان يرتفع وهذا إنجازنا الحقيقي».
وتطرق عند حديثه عن أوضاع سوق العمل إلى مشكلة العمالة الوافدة من جمهوريات سوفياتية سابقة وأطلق خطة لتقنينها وتقليص معدلاتها. متعهداً مكافحة «الهجرة غير الشرعية بحزم».
الاكتفاء الذاتي
على الصعيد الاقتصادي دعا الرئيس الروسي إلى ضرورة الوصول إلى اكتفاء ذاتي في الغذاء في روسيا في غضون السنوات الأربع المقبلة، معتبراً ذلك مقدمة لأن تشغل روسيا مرتبة متقدمة عالمياً بين أهم موردي السلع الغذائية.
وحول عملية الخصخصة، قال بوتين إنها يجب أن تتضمن بيع أملاك الدولة بأسعار عادلة وتؤدي إلى ظهور «ملاك شرعيين»، ولا تشبه «خصخصة التسعينات».
السياسة الخارجية
خارجياً، دافع بوتين عن سياسته الهادفة إلى تشكيل حلف إقليمي قوي في الفضاء السوفياتي السابق، وقال إن بلاده ترى ضرورة قيام تكتلات إقليمية تراعي المصالح المشتركة للشعوب في المناطق المختلفة وبينها أميركا اللاتينية أو آسيا أو الفضاء الأوراسي.
تعليقات على الخطاب الرئاسي
نشرت صحيفة “روسيسكايا غازيتا” تـعليقات لعدد من الشخصيات الروسية البارزة على خطاب فلاديمير بوتين. من هؤلاء وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي عـبرعن قناعته بأن ما أوصى به الرئيس لتسهيل إجراءات الحصول على الجنسية، يمثل رسالة ذات مغزى إلى المؤسسات المعنية في الدولة التي تعاني من بيروقراطية مستفحلة. أما رئـيـس هـيـئـة الـتحـقـيـقـات ألكسندر باستريكين فقد توقف عند قضية التهرب الضريبي وتـهـريـب الأموال، مؤكدا أن مبالغ طائلة تهرب إلى الخارج، الأمر الذي يحرم البلاد من الاستفادة منها، لتحقيق التطور الاقتصادي المنشود، وأكد باستريكين أن مكافحة تهريب الأموال عـبـر مناطق الاوفشور، لن تكون مجدية ما لم يتم تطوير القاعدة القانونية التي تعالج هذه المسألة. أما عـمدة موسكو سيرغي سوبيانين، فيرى أن السياسة التي تنتهجها الدولة حاليا في مجال الهجرة، أصبحت بحاجة ماسة للمراجعة لجهة التركيز على استقطاب الاختصاصيين.
أما زعماء الأحزاب، فقد بنوا مواقفهم من خطاب الرئيس بسرعة ملحوظة. فسكرتير المجلس العام لحزب “روسيا الموحدة” سيرغي نيفيروف أعرب عن قناعته بأن الرئيس فلاديمير بوتين صاغ من خلال خطابه فكرة وطنية. بينما وصف سيرغي جيليزنياك نائب رئيس مجلس الدوما نائب سكرتير حزب روسيا الموحدة كلمة الرئيس بالموقف الايديولوجي، وأنه يؤيد بشكل كامل التحول إلى النظام المختلط في انتخابات مجلس الدوما، لأن ذلك يجعل النواب أكثر التصاقا بمناطقهم وناخبيهم. وأضاف جيليزنياك أن حزبه سيبدأ اعتبارا من اليوم مباشرة بمناقشة خطوات تنفيذ ماجاء في خطاب الرئيس.
لكن إيفان ميلنيكوف عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية كان لديه رأي آخر، حيث أشار إلى أنه لم يرد في خطاب الرئيس أي شيء جديد من حيث المبدأ، ففي كل عام يتكرر المنهج نفسه في التعاطي مع الأمور، إذ أن الحديث عن إعادة الإعمار والدعم قد انتهى، والآن نحن أمام مرحلة جديدة، يتوجب فيها البناء والعمل بجد من أجل التطوير