السيناريوهات السورية.. ومصير الانتخابات اللبنانية
كان القرار الذي اتخذته المعارضة في لبنان بالعودة إلى المجلس النيابي ومناقشة قانون الانتخاب العتيد، مفيداً لها على الصعيد الشعبي، ومخففاً من إحراجها على صعيد الرأي العام اللبناني، الذي بات مقتنعاً بأنها تريد أن تضيّع الوقت المتبقي لإقرار قانون انتخاب عصري تجري على أساسه الانتخابات النيابية المقبلة، بدل قانون الستين الذي تمّت تجربته مرّات عديدة ولم يؤدِّ إلا إلى مزيد من التشنج الطائفي، وزيادة نفوذ المال السياسي والتحريض المذهبي، وسواه مما يشوّه صحة التمثيل.
لكن، من خلال ما يظهر من تصريحات ومواقف، لا تبدو قوى 14 شباط جدّية في رفض “قانون الستين” الانتخابي، بل يظهر الأمر أقرب إلى محاولة للتملص من تهمة تعطيل إقرار قانون انتخابي جديد، أو على الأقل التملص من تهمة تشبثها بإجراء الانتخابات على أساس قانون عفا عليه الزمن، ورفضته بكركي، وترفضه قوى الأكثرية، التي لوّحت أكثر من مرة أنها تفضّل تأجيل الانتخابات على إجرائها بقانون الستين.
إن ما يظهر من حركة قوى 14 شباط مراهنتها على متغيرات إقليمية محددة في الأزمة السورية، لكي تخوض على أساسها الانتخابات النيابية المقبلة؛ بكل معاييرها وشعاراتها وخططها، وهو ما يبدو من خلال مراهاناتها على سقوط النظام السوري، ما يسمح للقوى المتحالفة معها السيطرة على سورية، وبالتالي مدّ نفوذها إلى لبنان والقضاء على المقاومة فيه.
لكن، وبما أن سقوط النظام السوري غير مضمون، وقد تتعدد سيناريوهات الحل، فكيف يمكن أن تتأثر الساحة الانتخابية اللبنانية بتلك السيناريوهات؟
السيناريو الأول: سقوط النظام السوري بالقوة وانهياره، فتكون تداعياته على الوضع اللبناني من خلال ما يلي:
* أن يؤدي سقوط النظام إلى سيطرة القوى الأصولية المتطرفة، فتحاول تلك القوى مدّ نفوذها إلى لبنان، فتلاقيها قوى 14 شباط، ما يسمح بعودة الوصاية السورية إلى لبنان، وسيكون هناك محاولات تشبه ما تمّ بعد اغتيال الحريري، أي محاولات استئثار بالحكم والقضاء على جميع الخصوم الداخليين وإسكاتهم بالكامل، سواء بانتخابات أو من دون انتخابات.
* أن يؤدي السقوط إلى انهيار الدولة السورية، وقيام حروب الكل ضد الكل، فتمتد شرارة الاقتتال المذهبي والطائفي إلى لبنان كما الى باقي المنطقة الإقليمية والدول المجاورة، وعندها لن تحصل الانتخابات اللبنانية بطبيعة الحال.
ولكن نؤكد أن هذا السيناريو غير ممكن التحقق، وهو مستبعد جداً، بسبب تماسك النظام داخلياً، وقوة حلفائه الدوليين والإقليميين، الذين سيمنعون انهياره بالقوة رداً على محاولات إسقاطه بالقوة.
السيناريو الثاني: نجاح النظام السوري في القضاء على المعارضة واجتثاثها بشكل كامل، وهو سيناريو يبدو غير واقعي أيضاً. هذا السيناريو سيؤدي إلى تقوية نفوذ حلفاء النظام السوري في الداخل، أي المقاومة وحلفائها، وإضعاف القوى التي تدعم المعارضة السورية، ولكن قياساً على التجارب السابقة، وعلى التاريخ اللبناني الحديث جداً، لن تعمد المقاومة إلى القضاء على خصومها والاستئثار بالحكم، بل ستعمد إلى محاولات إبقاء نوع من التوازن في الداخل، خوفاً من الفتنة المذهبية، وحرصاً على صورتها في العالميْن العربي والإسلامي.
السيناريو الثالث: تسوية في سورية، وهو السيناريو الأقرب إلى الواقعية.
في أي حل سلمي، أو تسوية مقترحة في سورية، ستخرج المملكة العربية السعودية خاسرة، بسبب افتقارها إلى التأييد الشعبي السوري، ما يمنعها من إيصال وكلائها إلى السلطة في أي انتخابات سورية أو تقاسم سلطة مفترض، لذلك ستعمد إلى توتير الوضع الأمني في كل من لبنان وسورية، واستخدام كل ما يمكنها من وسائل تفجير إرهابية في سورية، للضغط على الدول التي تتفاوض لإعطائها نفوذاً في لبنان كبديل عما خسرته من نفوذ في العراق، وما لم تستطع تحصيله من نفوذ في سورية.
في هذا السيناريو، ستحاول السعودية، ومعها الدول الكبرى، تكرار مشهد عام 2009 الانتخابي؛ حين سخّرت الدول كل نفوذها ومالها لإيصال “تيار المستقبل” وحلفائه إلى الحكم، مقابل التسوية التي حصلت في العراق نهاية عام 2008، حين قبل الأطراف الإقليميون بتمرير الاتفاقيات العراقية – الأميركية، مقابل سقوط الاتهام السياسي عن سورية في قضية اغتيال الحريري، واستحصال الفريق السعودي على الأغلبية في البرلمان اللبناني، وقيام الحريري وجنبلاط بزيارة سورية وتقبيل الرئيس بشار الأسد والنوم في ضيافته.
إن هذا السيناريو سيعيد كل طرف إلى حجمه الطبيعي، وستنتهي “العنتريات المستقبلية”، لكن يبقى على المقاومة وحلفائها التنبه اليوم أكثر من أي وقت مضى، لئلا تقع في نفس الأخطاء التي وقعت فيها سابقاً خلال انتخابات عامي 2005 و2009، فالمنطقة على فوهة بركان، وما يتمّ خسارته اليوم قد لا يمكن تعويضه، ويجب التنبّه لئلا تكون التطورات الإقليمية على حساب لبنان وشعبه، وعلى صحة التمثيل فيه.