اعتداء بنغازي لن يغيّر نتائج الانتخابات

إذا أردنا أن نفهم السبب الذي جعل المحافظين يفقدون ثقتهم بوسائل الإعلام البارزة، فيجب التفكير بالسؤال الآتي: أين اختفت الحملة الإعلامية الجنونية بشأن اعتداء بنغازي؟

على عكس بعض زملائي اليمينيين، أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة في هذا الملف، بل أظن أن الصحافيين يميلون إلى التصرف وفق غرائزهم (بعضهم يتباهى بهذا الأمر!). بشكل عام، تبدو غرائز وسائل الإعلام ليبرالية، ما يجعل التفكير الجماعي أمراً حتمياً.

عام 2000، نظّم ناشط ديمقراطي مفاجأة من العيار الثقيل للتهجم على جورج بوش الابن، فكشف أن بوش كان قد اعتُقل قبل 24 سنة بتهمة القيادة وهو بحالة ثمالة. شنت وسائل الإعلام حملة جنونية لتغطية هذا الخبر. سأل هوارد كيرتز في جزء من برنامجه “مصادر موثوقة” (Reliable Sources) على قناة “سي إن إن” (CNN): “هل نجمت التغطية الإعلامية المتواصلة لنبأ اعتقال بوش منذ 24 عاماً عن رغبة وسائل الإعلام الليبرالية في إغراقه أم أن تلك القصة هي نبأ إخباري مشروع لا يمكن الإغفال عنه؟”. فأجمع الضيوف على إجابة واحدة: لم تكن القصة نبأً إخبارياً مشروعاً لكن أصرت وسائل الإعلام على تناول القصة.

يمكن تعداد تجارب مماثلة كثيرة. في سبتمبر 2004، جازف الإعلامي السابق على قناة “سي بي إس” (CBS)، دان راثر، بمسيرته المهنية كلها بسبب قصة عن خدمة بوش في الحرس الوطني. كان حدسه قوياً جداً لدرجة أنه لم يراجع الوثائق التي استعملها بدقة، فتبين أنها كانت مزيفة. عام 2008، كانت الحملة الإعلامية الجنونية ضد المرشحة مع جون ماكين، سارة بالين، سخيفة لدرجة أنها تشبه إحدى روايات توم وولف. خلال السنتين الأخيرتين، تعاملت وسائل الإعلام عموماً مع حركة “احتلال وول ستريت” بشكل مثالي بينما اعتبرت “أحزاب الشاي” جماعات عنصرية ومرعبة.

لا شك أن المحافظين شنوا بدورهم حملات إعلامية جنونية بشأن القس الراعي لباراك أوباما والمعلومات التي أضافها جون كيري إلى سجله الحربي مثلاً… لكن لطالما تولّت وسائل الإعلام البارزة مهمة تبديد أي “هستيريا” مماثلة.

في الأسبوع الماضي، أعلنت مراسلة قناة “فوكس نيوز”، جينيفر غريفين، أن المصادر الميدانية في ليبيا تشير إلى أن الموظفين طلبوا الدعم خلال الاعتداء على القنصلية في بنغازي، وهو الاعتداء الذي أدى إلى مقتل أربعة أميركيين، منهم السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز. وفق الادعاءات، طُلب منهم مرتين أن يهدؤوا وينتظروا. الأسوأ من ذلك هو بروز مؤشرات على وجود موارد عسكرية مهمة لمكافحة الاعتداء، لكن رُفضت طلبات المساعدة.

إذا كانت هذه المعلومات صحيحة، فستنهار جهود البيت الأبيض الرامية إلى تحميل فيديو الفيلم المسيء مسؤولية الاعتداء وستتبخر الادعاءات المزيفة الأخرى أيضاً. لكن يوم الجمعة الماضي، أعلن الرئيس أنه أمر ببذل كل ما يمكن لحماية طاقم الموظفين فور تبلّغه بما حصل. إما أن يكون هذا الادعاء غير صحيح وإما أن أوامره لا تلقى آذاناً صاغية في المسائل الملحة.

ذلك الاعتداء ليس الحدث الذي يمكن أن يغيّر نتائج الانتخابات بعد أن كشف عنه باحثون معارضون في وسائل الإعلام، بل إنه مجرد نبأ.

تطرح هذه القصة “مسائل مهمة” تدعي وسائل الإعلام أن الانتخابات يجب أن تتمحور حولها. على سبيل المثال، قال وزير الدفاع ليون بانيتا في الأسبوع الماضي إن “المبدأ الأساسي هو عدم استعمال القوة عشوائياً من دون معرفة ما يحدث ومن دون الحصول على معلومات حقيقية حول ما يحدث”. إذا كان الفيديو الحقيقي الذي يصور الاعتداء والاتصالات التي سجلت طلبات المساعدة الملحة لا تشكل “معلومات حقيقية”، فما هو تعريف المعلومات الحقيقية؟

لا يعني ذلك أن قناة “فوكس نيوز” وحدها تغطي هذه القصة، لكنها القناة الوحيدة التي تتعامل معها وكأنها مسألة مهمة. خلال فضيحة فاليري بلايم التي كانت أقل وقعاً، تجمع المراسلون أمام منزل كارل روف ومسؤولين آخرين في البيت الأبيض خلال عهد بوش. هل صادر أوباما معدات هؤلاء الصحافيين ومنعهم من القيام بالأمر نفسه؟

في 28 أكتوبر، خلال البرامج الصباحية الخمسة يوم الأحد، وحده البرنامج الذي ظهر على قناة “فوكس نيوز” اعتبر هذه القصة مسألة بالغة الأهمية. لكن في البرامج الأربعة الأخرى، ذُكرت القصة نفسها حين تطرق الجمهوريون إلى الموضوع فقط، وفي برنامج Meet the Press على قناة “إن بي سي” (NBC)، أسكت الإعلامي ديفيد غريغوري ضيفته حين حاولت ذكر الموضوع فقال لها: “لنتكلم عن ليبيا في مرحلة لاحقة”.

لكن لم يذكر غريغوري مسألة بنغازي مجدداً، بل إنه خصص وقتاً طويلاً للغوص في تحليل انعكاسات تعليقات المرشح عن ولاية إنديانا ريتشارد موردوك حول الإجهاض والاغتصاب على حملة رومني. كما تجري العادة، يبدو أن حدس غريغوري حول مختلف الأنباء يتماشى دوماً مع طرح الديمقراطيين، فأيّد في هذه الحالة خطاب أوباما السخيف عن “الحرب ضد النساء”.

أنا مستعد لأصدق أن صحافيين مثل غريغوري صادقون في رغبتهم في عرض الحقائق، لكن في معسكر الأشخاص الذين لا يشاركونهم الحدس نفسه، يصعب التمييز بين المؤامرة والتفكير الجماعي، بل يصعب أن نعرف السبب الذي يدفع البعض إلى أخذ عناء التمييز بين الأمرين أصلاً.

* رئيس تحرير موقع “ناشونال ريفيو” (NATIONAL REVIEW)، وهو مسؤول في معهد “أميركان أنتربرايز”، ومؤلف كتاب “استبداد الأفكار المبتذلة” (The Tyranny of Clichés).

Similar Posts

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *