مهددات الديمقراطية في العراق

ثمة مجموعتان من العوامل المتناقضة المعوقة للتطور الديمقراطي في العراق والدافعة له. وطبقا لناتج الصراع بينهما، سيتعدد شكل مجيء لحظة الانتقال الفاصلة، فأما انتكاسة له تفترض تمرداً اجتماعياً واسعاً قبل التوصل للحظة انتقال حاسمة، واما ادراك لهذه اللحظة كلحظة ذروة في التطور المتدرج للعملية الديمقراطية واتخاذ الاجراءات الضرورية لتجسيدها فيما بين تغيير وتعديل لبعض مواد الدستور واعادة توزيع السلطة بين القوى السياسية. ولا ينفي ذلك امكانية استمرار حالة التردد والمراوحة لبضع سنوات قادمة قد ترجيء تفجر ازمات دون ان تحلها.

 

واول العوامل المعوقة للتطور/التغيير الديمقراطي هو عامل الازمة الاقتصادية التي يعيشها العراق والتي يتوقع ازدياد حدتها بمرور الزمن. وقد تستلزم عملية تشريح الازمة الاقتصادية حديثا متخصصا مثلما يستلزم طريق الخروج منها رؤية استراتيجية تدمج الاعتبارات الاقتصادية والسياسية الوطنية والعالمية الراهنة والمستقبلية، لكن التوصيف العام لملامح الازمة هو ما لا يختلف بشأنه منهج عن اخر.

 

فملامح الازمة متجسدة عيناً بما يجعل وصفها محل اتفاق عام لدى المتخصصين مثلما انها محل شكوى عامة لدى المواطنين. انها ببساطة ازمة مجتمع يستهلك اكثر مما ينتج، وازمة اختلال في توزيع مقدار الاستهلاك بين فئات المجتمع وازمة ادارة لمعظم جوانب العملية الانتاجية، وازمة جهاز بيروقراطي عتيق معوق للعملية الانتاجية، وازمة ثلة رأسمالية معظمها طفيلي ومضارب، واقلها انتاجي من افرازات الاحتلال . هذا اذا طرحنا جانباً صور الفساد الصريح في الاقتصاد والمجتمع.

 

وما لا يمكن طرحه جانباً في هذا السياق يتمثل في ثلاثة اعتبارات تزيد بلة الطين. اولها هو المديونية الثقيلة للعالم الخارجي والتي لا مهرب من دفعها على مدى عمر اجيال كاملة، خصوصاً وان الحكومة العراقية غير مستعدة للتمرد على النظام العالمي في ظل ارتباطاتها الدولية واتجاهاتها نحو البحث عن حلول وسط لمشكلة المديونية وبالتالي فان جهاز الدولة غير متهيء من الناحية السياسية سوى لسيناريو وحيد هو سيناريو دفع الديون بالكامل، بغض النظر عن العجز الاقتصادي في لحظات الدفع الفعلية. وهو ما يعني ان تشهد هذه اللحظات- وهي قادمة لاريب فيها- اما استعداداً لاشهار الافلاس امام العالم واما اجراءات تقشفية داخلية لاستخراج المبالغ المطلوبة من جيوب المواطنين.

 

والمشكلة ليست في ان هذه الجيوب خاوية من حيث المتوسط العام. ففي العراق اموال بعدد حبات الرمل كما يقول العامة. ولكن المشكلة تتمثل في توزيع الثروة على الجيوب بحيث ان بعضها يكون مثقوباً وبعضها يكون مثقلاً. وقدر من اموال الجيوب المثقلة بعيد عن متناول يد الدولة لوجوده خارج البلاد يعادل ديون العراق بالكامل.

 

ثاني الاعتبارات، فهو المتعلق بعجز موارد الدولة عن مقابلة التزاماتها ازاء المواطنين، سواء تعلق الامر بدعم السلع ام بتوفير الخدمات الاساسية، وهو ما يدفع لتقليص الدولة لمقدار التزامها نفسه دون بديل محدد سوى الخفض الفعلي لمستوى معيشة قطاعات اجتماعية واسعة منخفضة المستوى اصلاً.

 

انه، مرة اخرى، التقشف المعيشي غير المتميز بالعدل او على الاقل المساواة في الظلم، لكنه يقع اساساً على حساب الجيوب المثقوبة فقط الذين يصطلون اصلاً بنار التضخم. ويكفي النظر الى هيكل المرتبات والاجور في الدولة، ليس فقط لادراك مقدار العسر الذي يلقاه المواطنون حال لقاء التضخم بالتقشف في معيشتهم، وانما ايضا لادراك ان هذا الهيكل نفسه هو دعوة صريحة للسرقة.

 

والاعتبار الثالث يتعلق بوضعية هجرة المهارات والكفاءات العراقية وتحويلاتهم المالية (المهربة وغير المهربة) وما يترتب عليها من اثار سلبية.. الا ان الاخطر من ذلك هو احتمال عودة بعضهم قسرا او اختياراً. وليس هناك من يدعي ان الاقتصاد العراقي مهيء لاستقبالهم او لدى الدولة خطة طوارئ لاستقبالهم اذا قضي الامر وعادوا في ظروف انتشار البطالة. ناهيك عن عجز الدولة اساساً عن حماية مواطنيها في الداخل وحفظ كرامتهم.

 

وخلاصة هذه الاعتبارات، ان العراق يواجه ازمة اقتصادية مضاعفة تعبر عن اضمحلال موارد الدولة الاخرى، والمردود السياسي لذلك هو ان التجربة الديمقراطية التي بدأت مع الاحتلال الامريكي قد اصبحت اليوم امام اختبار التحول الى ديمقراطية مقيدة، وهو ما يعني ان سباقاً قد بدأ بين الاتجاهات الاوتوقراطية وفق قواعد (الاعتقال هو الحل) و (الاف القتلى في مقابر الشرطة اذا تحركت الجماهير) والاتجاهات الباحثة عن حل الازمة الاقتصادية في الاطار الديمقراطي. وبما ان الديمقراطية العراقية هي اقرب الى كونها اتوقراطية متعددة الاحزاب، فمن الممكن انتصار اساطير الاوتوقراطية والنكوص بالتجربة كلها.

 

اما العائق الثاني في تطور الديمقراطية في العراق فيأتي من طبيعة تشذيب هيكل جهاز الدولة على المستويين الذاتي والموضوعي. ولا يستلزم الامر حديثاً مطولاً عن الجانب الذاتي، حيث اختيار القيادات على اساس التوازن الداخلي من داخل الجهاز/ المؤسسة او على اساس الولاء السياسي والمذهبي والشخصي المضمون، وفي كل الحالات يفرّخ الجهاز/ المؤسسة قيادات متواضعة المستوى، ويندر ان يتواجد من بينها من هم على فهم لتطورات العصرنة وادراك لتبعات التطور الديمقراطي. هذا اذا كانت هذه القيادات مؤمنة اصلاً بالديمقراطية، اذ تتوزع بين اربع فئات غير متلقية لأي تدريب ديمقراطي، وهي العسكريون ورجال الشرطة والبيروقرطيين والمثقفون المدنيون المتسلقون.

 

اما رجالات الحزب (الحاكم) فلا يختلفون كثيراً عن هذه الفئات بسبب ترادف جهاز الحزب مع جهاز الدولة، وهو ما يجعلهم اقرب الى الموظفين التنفيذيين منهم الى سياسي الشارع باستثناءات محددة، اي ان الموضوع باختصار هو ان في العراق اليوم ديمقراطية بلا ديمقراطيين، بل انه يلاحظ تراجع نفوذ العناصر الداعية للحوار في المجتمع السياسي باستبدالها بعناصر اوتوقراطية متشددة او ببقائها الشكلي في مناصبها دون تأثير على مسار الاحداث.

 

ونموذج الحالة الاولى هو انتقال وزارة الداخلية من مدني غير مهني الى مدني شبه عسكري شبه مهني. بينما نموذج الحالة الثانية هو تراجع نفوذ بعض مستشاري الرئاسة المدنيين (رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء) يضاف الى ذلك نموذج استقرار وضع قيادات تنفيذية في مناصب هامة لاعتبارات الولاء الشخصي والسياسي اكثر من اعتبارات المهارة المدنية والسياسية.

 

اما على المستوى الموضوعي فيلاحظ ان اساس العلاقة بين جهاز الدولة ومؤسساتها والتجربة الديمقراطية هو اساس ضعيف للغاية، بحيث يبدو من غير الملزم لجهاز الدولة ان يراعى نظاما ديمقراطياً في البلاد. فالدستور الحالي هو دستور مجتمع سياسي احادي حشرت فيه حشراً مادة متعلقة بالتعددية كصورة رسمية للنظام السياسي ، لكنه ليس مصاغا اصلاً لتنظيم علاقات القوى في مجتمع تعددي، وبالتالي فهو لا يحول دون ان يكون النظام اوتوقراطياً من الناحية الفعلية طالما استوفيت التعددية الشكلية بوجود عدد محدد من الاحزاب الشرعية التي يعامل جهاز الدولة اكثر نشاطها كنشاط غير شرعي.

 

اما بقية النظام القانوني للدولة ما دون الدستور فهو ايضا نظام يلائم مجتمعاً سياسياً احادياً وليس فيه من مظاهر تنظيم/ التعددية سوى قانون الاحزاب الذي تكلفت آليات تطبيقه نشأة الاحزاب. وهذا من ناحية الاطار التنظيمي للديمقراطية، دونما توقف عند الممارسات المنافية حتى لهذا الاطار المحدود في الواقع العملي.

كذلك، يلاحظ غياب وثيقة سياسية تعبر عن فكر النظام السياسي والمفترض ان يكون فكراً ديمقراطياً يتخلل جهاز الدولة وينعكس في ادائه.

 

كذلك، يلاحظ ان قدراً كبيراً من الالتزام بالديمقراطية او عدم الالتزام بها انما يعلق بارادة رئيس الحكومة وكونه شخصياً راغباً في الديمقراطية ام لا. حتى ان وسائل الاعلام الحكومية لا تتردد في توفير الانطباع بان النظام الديمقراطي كله موجود بناء على توجيهات رئيس الحكومة لا على ارادة الشعب او طبقاً للدستور، وهو ما يوحي باستمرار الروح الاستبدادية في النظر للنظام السياسي ويجعل من رئيس الدولة حاكماً آلهاً فوق الدستور والقانون. وتلك هي البيئة النفسية التي تحاصر رؤوساء الحكومات في العراق (بعد 9/نيسان) فتضعف من ميولهم الديمقراطية وتقوي من ميولهم الاوتوقراطية. انها الحالة الخطيرة التي تجعلني اصف عراقنا، انه فيه طائفة تفسد حتى القديسيين و (الماء الصافي).

 

ولا تسري خطورة الحالة على رئيس الحكومة في العراق بقدر ما تسري على سائر المواطنين الذين ينتفي لديهم الاحساس بالمسؤولية عن شؤون البلد باعتبار ان لها صاحباً واحداً هو المسؤول الوحيد والباقون موظفون غير مسؤولون لكونهم (عبد المأمور) وابرز اشكال تجسد هذه الروح فجاجة هو شكل تمهيد الطرق وتنظيف الاماكن فقط اذا كان رئيس الحكومة سيقوم بزياراتها. وهو ما يمثل مأساة في التفكير ما تلبث ان تتحول الى ملهاة حين لا يقوم رئيس الحكومة بزيارة الموقع المزمع..

 

يضاف الى ذلك، حقيقة ان جهاز الدولة العراقي يعرف سطوة كبير للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية. وهاتان سلطتا رقابة لا غنى لأي تجربة ديمقراطية عنهما. الا ان سطوة السلطة التنفيذية تؤثر على مقدار اداء هاتين السلطتين لمهامها الرقابية، اذ يبلغ الامر حد صياغة السلطة التنفيذية لتركيب البرلمان من خلال التدخل في العملية الانتخابية بحيث يبقى البرلمان اساساً فرعاً تشريعياً للسلطة التنفيذية اكثر من سلطة تشريعية في حد ذاته. ناهيك عن المستوى المتواضع لأغلب اعضائه القادرين على تمثيل مصالحهم الخاصة باكثر من قدرتهم على تمثيل المصالح الاجتماعية والوطنية.

 

كذلك، تعاني السلطة القضائية الضغوط غير المباشرة للسلطة التنفيذية والتي تضعف قدرات القضاء في حراسة التجربة الديمقراطية على الاقل من خلال كم القضايا المعروضة عليه بما يفوق طاقته. هذا مع تزايد ميل بعض دوائر السلطة التنفيذية للتدخل المباشر في شؤون القضاء من خلال نفر من القضاة الموالين سياسياً والموعودين بمناصب تنفيذية في الخدمة القضائية.

 

على ان تعويق تطور التجربة الديمقراطية لا يرجع فقط لنوعية جهاز الدولة بل هو يرجع بالمثل الى نوعية الصفوة السياسية العراقية بمعناها الواسع سواء في ذلك جناحها الجالس على مقاعد الحكم ام جناحها الجالس في مقاعد المعارضة. وذلك هو المعوق الثالث للتطور الديمقراطي في العراق.

 

فلئن كان للصفوة الحاكمة معايبها المعبرة عن الجانب الذاتي لتخلف جهاز الدولة العراقي وتوتر علاقته بالديمقراطية فكراً وممارسة ، فان للصفوة المعارضة ايضاً معايبها المؤثرة سلباً على العملية الديمقراطية. فالصفوة المعارضة في العراق يغلب على فكرها طابع الانشداد الى التحجر سواء في قوالبها الايديولوجية ام في معاركها السياسية والتي يدور جزء معتبر منها حول التاريخ. والكثير من شعاراتها يعكس عقلية جيل الاربعينات اكثر من عقلية التهيؤ للمستقبل بتفحص تعقيدات الحاضر والوطني. واللغة التي تطرح بها هذه الشعارات وتتناول بها مختلف قضايا المجتمع، هي لغة غوغائية في اغلب الاحوال تعكس تبرماً بالاوضاع اكثر مما تعبر عن وعي بالمشكلات ووصف لطرائق حلها. وهي صفوة قليلاً ما تمارس داخل احزابها الديمقراطية التي تنادي بها للمجتمع كله.

 

وفيما بين اطراف الصفوة والمعارضة ما صنع الحداد، حيث نادراً ما يجتمعون على موقف واحد متماسك للحكومة المناورة عليهم جميعاً. وفيما بينهم وبين جهاز الحكم معارك شعراء تحول الصراع الديمقراطي الى حالة من فقدان الاتجاه كما تستحق بجانب المصالحة الوطنية والاتفاق والتراضي كجانب هام في العملية الديمقراطية، بالاضافة لجانب الصراع.

 

ان لسان حال الصفوة المعارضة في العراق يكاد يختصر مشاكل البلد الهيكلية في ان الذين يجلسون على مقاعد الحكم هم اشخاص آخرون غير اشخاص من المعارضين. كما يكاد يختفي لدى هذه الصفوة المعارضة الاحساس بمسؤولية البحث عن الاستقرار السياسي كضمانة لاستمرار التجربة الديمقراطية نفسها وقطع الطريق على الاوتوقراطيين المدنيين والعسكريين الراغبين في تدميرها.

 

ان الصفوة المعارضة غير الناضجة سياسياً يمكنها ان تعرض التجربة الديمقراطية للخطر بمقدار ما. ان جهاز الدولة الاوتوقراطي يتمنى التوثب عليها، وتلك مقولة اكدتها الوقائع… واذ تتداخل الاخطار التي يشكلها جهاز الدولة الاوتوقراطي والذي يبعث داخل الاحزاب المعارضة لأضعافها مع الاخطار التي يشكلها الضعف الاصلي للصفوة المعارضة وعدم نضجها، فان الخطر الأكبر على التجربة انما يأتي من مصدر آخر هو ناتج هذا وذاك. وذلك هو العامل الرابع الذي يعوق التطور الديمقراطي في العراق.

 

انه حقيقة اللامبالاة الشعبية الواسعة وضعف المشاركة الجماهيرية في الحياة السياسية وضيق قاعدة المجتمع المدني وخمول مؤسساته في مواجهة سطوة اجهزة الدولة التنفيذية.فالحضور الجماهيري في كافة العمليات الانتخابية محدود من الاصل قبل ان يبعث جهاز الدولة بنتائجها تأثيراً او تزويراً.

 

والمشاركة الجماهيرية في الحياة الحزبية محدودة ايضاً، والنقابات التي تلتقي فيها الصفوة مع جماهيرها والتي عادة ما كانت منابر انشط من الاحزاب نفسها، اصبحت ميداناً لتوترات حادة خصوصاً النقابات المهنية التي تنبئ انشقاقاتها بحالة من (العصاب) اصابت الطبقة الوسطى العراقية. ونظام المجالس البلدية اصبح حكراً للحزب الحاكم وفرعاً تنفيذياً للجهاز الحاكم دون تنوع في مشاركة الصفوة ودون مشاركة جماهيرية ملموسة.

 

وبذلك، تكون القاعدة الشعبية للتجربة الديمقراطية ضيقة. وهو ما يجعل التجربة كلها في مهب الريح ويزيد من احتمالات سقوطها امام الهزات، سواء استرشدنا في ذلك بالاطروحات النظرية حول ضعف الاساس الاجتماعي للديمقراطية في هذا الجزء من العالم ام اكتفينا باستشارة الواقع.

 

ان ضعف المشاركة الشعبية في التجربة الديمقراطية- وبغض النظر عن اسبابها- معناه من حيث النتائج استعداد الناس لتقبل البديل الاوتوقراطي، خصوصاً في ظروف ازمة اقتصادية قد يتقدم لحلها دكتاتور يتحدث عن النظام والقانون ومحاربة الفوضى والفساد.

 

ويبقى خامس المعوقات، الا وهو ظاهرة العنف السياسي. فالعنف السياسي للجماعات المتصارعة في الدولة عادة ما كان في تاريخ مختلف النظم هو القشة التي قصمت ظهر الحكومة والشرارة التي اشعلت السهل كله، وهو الذريعة التي يتصد بها خصوم الديمقراطية في جهاز الحكم،حتى انهم يقتلعونها افتعالاً ان لم تتوافر تلقائياً…. وحتى ان لم يتمكن هؤلاء من الانقضاض على الديمقراطية تماماً، فهم يتمكنون على الاقل من حصارها في نطاق محدود  بذريعة انشار العنف.

 

كذلك، فان رد الفعل المتمثل في عنف الدولة يرسخ لدى رجالاتها عادة قمع الخصوم حتى اولئك الذين لا يلجأون للعنف. وتصبح الامور اكثر تعقيداً حين يمتد عنف الدولة الى عامة المواطنين في دوائر الشرطة وفي الشوارع وفي المجتمعات المناطقية، فتترسخ لديهم كراهية الدولة والاستعداد في مرحلة لاحقة لممارسة مختلف صور العنف ضدها.

 

انها الحلقة الجهنمية المعروفة التي تنسجها ظروف الازمة، وعقلية تحقيق الامن بترويع المواطنين الموجودة في قلب جهاز الدولة، وعقلية التصفيق للشباب الذين يمارسون العنف الموجود في قلب دوائر الاحزاب المعارضة والموالية، وتقترب الامور من حافة الكارثة حين يتزايد مزاج العنف في المجتمع على وجه العموم، بما في ذلك داخل العلاقات الاسرية التي اصبحت تعرف تصفية الخلافات بالعنف على نحو مسبوق. فاذا نسب كل هذا الى مجتمع كالمجتمع العراقي المتميز بحدة المزاج النفسي او الممارسة الواسعة للعنف السياسي على مدى تاريخه الطويل، لا تضع مقدار الخطر الكامن في اتجاه الامور على هذا النحو. وهو ما لا يهدد التطور الديمقراطي وحسب وانما مجمل النسيج الاجتماعي بما يجعل الازمة المنظورة ازمة تحلل مجتمع اكثر منها ازمة نظام سياسي.

[email protected]

 

 

 

Similar Posts

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *