هل تآخى الإخوان والأمريكان ؟
أي معجزة هذه التي ربطت الإخوان والأمريكان برابطة التآخي ؟, وكيف اجتمعت الأضداد والنقائض العقائدية والفقهية في فرقاطة أمريكية تعمل بالوقود الطائفي وتقودها هيلاري كلينتون؟, فمنذ الربع الأول من القرن الماضي وحتى اليوم الذي انطلقت فيها الشرارة الأولى للربيع البترولي كان الإخوان من ألد أعداء أمريكا, وكانت أمريكا لا تطيقهم ولا ترتاح لهم, فكيف اعترف بهم البيت الأبيض ؟, وكيف اجتمعوا تحت قبته, وهل جاء الاعتراف بهم من باب الإقرار بحقوقهم المهدورة ؟, أم من باب الإعجاب بهم ؟, وهل تظاهرت أمريكا مرحليا بمعاداتهم لذر الرماد في العيون ؟, أم إنهم فرحوا بصعودهم إلى سدة الحكم على طريقة الكيانات الإقليمية المتسامحة معهم, والمتوافقة مع منهجهم الساعي لتوطيد أركان النظام العالمي الجديد ؟. لقد اكتشفت بريطانيا منذ زمن بعيد سلاحا رخيصا ومتيسرا لتشتيت الأمة العربية وبعثرتها, ووجدت ضالتها في التناقضات الطائفية المتفشية بين الجماعات العربية المتدينة, وعثرت عليها في الصراعات المذهبية الموروثة, فجندت طوابيرها لدراسة التاريخ العربي الإسلامي دراسة مستفيضة واسعة, وأوصتهم بالغوص في أعماق أعماقه السحيقة, وطلبت منهم التركيز على الخلافات المتجذرة, والمواقف المتنافرة, وإخضاعها للتحليل على وفق الأسس العلمية الحديثة, بقصد البحث عن الثغرات التي يمكن التغلغل من خلالها لتعميق الخلافات وتأجيجها, وزرع الفتن وتفعيلها.
مما يؤسف له إنها وجدت زعماء الطوائف والفرق متقوقعين على أنفسهم, غير عابئين بما تضمره لهم الأوكار الشريرة من خطط ومؤامرات ودسائس, فكانت الساحة مفتوحة لها لابتكار طوائف جديدة, واستحداث فرق مضافة إلى الفرق المتناقضة, وليس أدل على كلامنا هذا من المؤلفات الفقهية والتاريخية التي أنجزها المستشرق البريطاني برنارد لويس عن (مذهب الحشاشين) في الإسلام, وعن الفرقة (الإسماعيلية), والفرقة (النزارية), والفرقة (البهائية), و(البابية), و(السبعية), و(السماعلة), وهم غير الإسماعيلية, و(الزكرية), التي لم يسمع بها معظم القراء, ولسنا مغالين إذا قلنا: إن ما كتبه برنارد لويس وحده يعد من أقوى المدافع التي أسهمت ومازالت تسهم في تمزيق وحدة العرب. .
وهكذا كان المستشرقون هم اللبنة الأولى لبناء الأوكار التخريبية في قلب الوطن العربي, فاختارت أمريكا هذا السلاح المؤثر, وطورته وحسنته, فانتدبت برنارد لويس للعمل في البنتاغون, فغادر جامعة لندن, وأوصاهم باستعارة فكرة القتال الانتحاري من مذهب (الحشاشين) وادخالها في أجندة المافيات الجهادية, ومن لا يصدق ذلك يتعين عليه أن يبحث في مؤلفات برنارد لويس عن (مذهب الحشاشين), وأن يدقق باستراتيجيهم القتالية المبنية على تنفيذ عمليات الاغتيال, ومن ثم الإقدام على الانتحار تحت تأثير الأفيون مؤمنين بأكذوبة الانتقال مباشرة من المسرح الدامي إلى الجنة ونعيمها, متأثرين بقاعدتهم الفقهية التي تقول: ((لا حقيقة في الكون وكل شي مباح)), حتى إن كلمة (اغتيال Assassin) الشائعة في اللغة الانجليزية اشتقت من مذهب (الحشاشين), ثم انظر كيف انتقلت هذه الفكرة إلى الخلايا الانتحارية الإرهابية, التي استعارت هذه الفكرة, فجندت الشباب تحت تأثير أقراص الهلوسة, ودفعتهم لتفجير أنفسهم في الأسواق والمساجد على أمل تناول وجبة الإفطار على مائدة الأنبياء والرسل. .
ربما يطول بنا الحديث عن المعاول الغربية التي أسهمت في تدمير الثقافة العربية الإسلامية, وحولتها إلى قناطر عبرت فوقها لبسط نفوذها الاستعماري التوسعي, فما نريد قوله هنا: إن أمريكا قبلت بنصيحة المستشرقين الجدد بقيادة برنارد لويس, فهرعت لتوظيف الفئات الإسلامية المتطرفة, واستغلت التكتلات المتشددة في تأجيج الفتن الطائفية ونشرتها على نطاق واسع, فما نراه في اليمن والبحرين والعراق وليبيا ما هو إلا بداية خجولة للانفجارات البركانية المتوقعة, ولا ندري هل انشغل حكماء الإخوان بنشوة الاعتراف بشرعيتهم, فتجاهلوا ما تضمره الأوكار الشريرة من نوايا خبيثة. .
يقول هيكل: ((إن الاعتراف الأمريكي والغربي بالإخوان المسلمين لم يجيء قبولاً بحقٍ لهم, ولا تقديراً تجلت دواعيه فجأة أمام المعترفين, ولا عجباً ولا حكمةً, لكنه جاء قبولاً, ولو جزئياً بنصيحة المستشرقين, فوظفت أمريكا قادة من العرب وزعمائهم لتحقيق المطلب, وعلقت أهمية ظاهرة على جهود الأمراء والرؤساء في محاولة تغيير طبيعة الصراع الرئيسي في المنطقة, من صراع عربي إسرائيلي, إلى صراع عربي فارسي)), واكتشف معسكر الصقور في البنتاغون إن النجاح في تأجيج الصراع المدبر لا يمكن تحقيقه إلا بعد الاستئناس بآراء المستشرقين, فجاءتهم النصائح من دهاليز العفاريت المستشرقة لتحويل الصراع من (حكومات ضد حكومات), إلى صراع (مجتمعات ضد مجتمعات), ولتكن المواجهة مفتوحة بين المذاهب الإسلامية على مصاريعها, لأنها المواجهة الكفيلة بتفعيل العداء المباشر والأعمق والأوسع والمدمر. .
أدركت أمريكا إن المواجهات (السنية الشيعية) ظلت في مراحلها الفقهية المؤجلة, ولم تبلغ المستوى القتالي المطلوب, فبحثت عن الوقود الطائفي المخزون في أقبية المستشرقين لإشعال فتيل الحروب الطاحنة, وشرعت بتعبئته في مراجل المنطقة. فهل وقع الاختيار على الأخوان لتنفيذ مشاريع التمزيق والتفرقة ؟, وهل سيقبلون بالقيام بهذا الدور البغيض لحساب الأطراف الغربية المنتفعة ؟, أم إنهم غرقوا في نشوة الاعتراف ولم يسمح لهم الوقت بمراجعة البواعث الحقيقية, بدليل إنهم لم يعترضوا على تصريحات هيلاري كلنتون, عندما قالت: ((لقد تحولت مصر وتونس وليبيا من الدكتاتورية إلى حكم عصابات الغوغاء)) ؟. . .
ألم أقل لكم: الله يستر من الجايات ؟؟؟؟؟؟؟؟