الرئيس نجا من الخسارة لكن المراوحة مستمرة
تراجعت نسبة تأييد أوباما مقارنةً بنتائج عام 2008، ولم يعد خطابه مؤثراً بالقدر نفسه، وهو لم يفعل أو يقل شيئاً لتسهيل طريقة حل الأزمة المالية التي ستواجهها إدارته الآن… لا تزال الانقسامات الحزبية والإيديولوجية قائمة في واشنطن
لم يسبق أن خُصص هذا الوقت الطويل وإنفاق هذا الكم من الأموال والطاقة خلال انتخابات رئاسية لم تحقق أي نتائج مهمة. أصبحت واشنطن اليوم نسخة مطابقة لما كانت عليه حين بدأت الحملة منذ أشهر، إذ يسيطر
الديمقراطيون على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ بينما يحصد الجمهوريون أغلبية المقاعد في مجلس النواب.
كان الجمهوريون يأملون تحقيق نتيجة مختلفة في الانتخابات، لكن لم تتحقق أمنيتهم، وكان الرئيس أوباما يتمنى تحقيق فوز ساحق ولكنه لم يحقق مبتغاه أيضاً، وعدا الرغبة في إعادة انتخاب باراك أوباما، بقيت نوايا الناخبين غير واضحة.
يمكن وصف الاستحقاق الأخير بالانتخابات الاستراتيجية، وقد فاز بها الخبراء الاستراتيجيون التابعون لأوباما.
لم يترشح الرئيس وفق سجل أو رؤية أو خطة واضحة للسنوات الأربع المقبلة، فكانت حملته عبارة عن استعمال السياسة لكسب تأييد الجماعات الداعمة لحزبه (من ليبراليين وعاملين وأنصار للبيئة وحركات نسائية وأقليات)، فضلاً عن التركيز على مساوئ خصمه ميت رومني. نجحت هذه المقاربة!
كشفت حملة أوباما عن عدم صحة نظرية انعدام الحماس في أوساط الناخبين الديمقراطيين، وفق هذه النظرية، كان ملايين الأشخاص الذين دعموا أوباما في عام 2008 ليمتنعوا عن الذهاب إلى التصويت يوم الثلاثاء مقابل تهافت الناخبين الجمهوريين للتصويت لرومني. كنتُ أصدق هذه النظرية وتوقعتُ أن يفوز الجمهوريون. لكن قرر الناس غير المتحمسين التصويت لأن جهود أوباما الانتخابية بقيت فاعلة بقدر ما كانت عليه في عام 2008.
كانت مقاربة أوباما للفوز بولاية ثانية تقليدية جداً ولطالما أثبت الزمن نجاحها: الفوز هو الأهم! تراجعت نسبة تأييد أوباما مقارنةً بنتائج عام 2008، ولم يعد خطابه مؤثراً بالقدر نفسه، وهو لم يفعل أو يقل شيئاً لتسهيل طريقة حل الأزمة المالية التي ستواجهها إدارته الآن. لا تزال الانقسامات الحزبية والإيديولوجية قائمة في واشنطن.
لو فاز رومني، لكانت خطة الجمهوريين تقضي بتجاهل جلسة الكونغرس التي ستُعقد خلال المرحلة الانتقالية بعد عيد الشكر وتأجيل مشاكل العجز والدين حتى السنة المقبلة. كانت هذه الخطوة ستسمح للرئيس الجديد والكونغرس بالتوصل إلى تسوية حول حجم الإنفاق والضرائب. قد يكون أوباما حكيماً بما يكفي لتبني خطة مماثلة. لن يزداد نفوذه في المرحلة المقبلة بما أن الديمقراطيين فازوا بمقعدين في مجلس الشيوخ ومجموعة صغيرة من أعضاء مجلس النواب الجديد.
هو سيحصل بهذه الطريقة على الوقت الكافي لتحسين علاقته مع الجمهوريين في الكونغرس. في المرحلة الراهنة، من المعروف أن تلك العلاقة سيئة للغاية. لم يتحسن موقف أوباما بسبب تلميحه المتكرر خلال السنتين الأخيرتين بأن الجمهوريين ليسوا وطنيين. لم يساعده أيضاً ميله إلى إلقاء المحاضرات على مسامعهم بدل التفاوض معهم في مسائل الميزانية وإجراء محادثات للحد من حجم الدين في عام 2011.
سيتوقف نجاح الولاية الثانية على براعته في التوافق مع الجمهوريين بالشكل المناسب، قد تكون الولايات الثانية مخيفة بالفعل. من هو آخر رئيس خاض ولاية ثانية ناجحة؟ ربما رونالد ريغان، ولكنه واجه بدوره فضيحة “إيران-كونترا”. ماذا عن بيل كلينتون؟ واجه هذا الأخير اتهامات كثيرة، ومن المعروف أن أوباما يفتقر إلى المهارات السياسية التي كان يتحلى بها هذان الرئيسان.
كان النجاح في كسب ولاية ثانية كافياً بالنسبة إلى أوباما، وكانت الانتخابات العادية كافية بنظره، لكن كانت طموحات الجمهوريين أكبر بكثير، فهم لم يطمحوا حصراً إلى السيطرة على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ بل أرادوا استعمال سيطرتهم على واشنطن للانقلاب على السياسات الليبرالية التي أقرّها أوباما خلال ولايته الأولى: برنامج الرعاية الصحية، وقانون “دود فرانك”، ومجموعة من الأوامر القانونية الأخرى.
لا يمكن التحدث بكل بساطة عن فشل الحزب الجمهوري، فأكثر ما أحبط الجمهوريين هو استحالة إقرار أجندتهم لفرض إصلاح ضريبي وتخفيض الدين كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. حتى عودة بول راين كرئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب (أُعيد انتخابه في مقعده النيابي ولكنه خسر منصب نائب الرئيس) لن تغير ذلك الوضع.
خلال استحقاقين انتخابيين، فشل الجمهوريون في تغيير ميزان القوى في واشنطن. ينجم ذلك بشكل أساسي عن الانقسام داخل الحزب بين الأعضاء التقليديين والمحافظين في “حزب الشاي”. ثمة تداخل بين الجماعتين. لكن في ما يخص اختيار المرشحين الجمهوريين، قد تكون الفجوة شاسعة والمشاعر عدائية. حين يفوز مرشحو “حزب الشاي”، يكون الدعم الذي يبديه أعضاء الحزب الجمهوري ظاهرياً في أغلب الأحيان، وحين يفوز الأعضاء التقليديون، يستاء أعضاء حزب الشاي أحياناً. من الواضح أن كل فريق لا يحترم الآخر.
عام 2010، خسر الجمهوريون في ثلاثة سباقات لعضوية مجلس الشيوخ على الأقل لأن مرشحي “حزب الشاي” كانوا ضعفاء، وهذا ما منع الجمهوريين من تسجيل تعادل. هذه السنة، خسروا استحقاقين كان يسهل الفوز بهما في مجلس الشيوخ لأن المرشحين المدعومين من “حزب الشاي” ارتكبوا إخفاقات كثيرة.
على الرغم من الخسارة، يجب أن يتماسك الجمهوريون اليوم لمواجهة النصائح السيئة المتعلقة بضرورة السعي إلى تخفيف نزعتهم المحافظة ولا سيما في الملفات الاجتماعية، لكن لم يخسر الجمهوريون منصب الرئاسة لأن رومني كان محافظاً أكثر من اللزوم، ولم يخسر جورج آلن انتخابات مجلس الشيوخ في فرجينيا لهذا السبب.
يجب ألا يمضي الجمهوريون أشهراً وهم يتذمرون مما حدث، فهم يملكون أمراً لا يمكن أن يضاهيه الديمقراطيون: لديهم طاقم عمل ممتاز. ربما كان بول راين وماركو روبيو وبوبي جيندال أصغر من أن يترشحوا للرئاسة في عام 2012 ولكنهم لن يبقوا كذلك في عام 2016، ولا ننسى سكوت واكر ونيكي هالي وكريس كريستي وبات تومي وحاكم إنديانا المنتخَب حديثاً مايك بنس. يبدو مستقبل الجمهوريين أفضل من وضعهم الراهن.
يجب أن يطبّق الجمهوريون نصيحة مهمة: يجب أن يتوقفوا عن تهميش اللاتينيين من خلال التقليل من شأن الوافدين، ففي الانتخابات الرئاسية، تراجع دعم اللاتينيين لهم من 40% في عام 2004 إلى 31% في عام 2008 ثم 27% هذه السنة. من الأصعب اليوم الفوز بانتخابات وطنية تزامناً مع تنامي عدد الناخبين اللاتينيين وتراجع حصة الجمهوريين.
لو فاز رومني بنصف الأصوات اللاتينية، لأصبح اليوم الرئيس المنتخب. تم إنفاق مليارات الدولارات واستمالة ملايين الأشخاص والتركيز على السياسة الوطنية خلال حملة رئاسية لم تحقق أي شيء. يعكس الرئيس الذي نجا من الخسارة استمرار وضع المراوحة بكل بساطة.