هل استهداف غزة من ضمن الخطة الاخوانية – الغربية؟… وهل صفي الجعبري بقرار ” عربي _ أميركي”!؟
هل أتت عملية “عامود الغيمة” من خارج السياق؟
أم أنها جاءت ضمن خطة مدروسة في إطار حسابات اقليمية – دولية؟
يدور في الاروقة الفلسطينية حديث أبعد من حدود الأسئلة والشكوك، وتحضر سيناريوهات عن استهداف غزة.
لا تبدو المسألة بسيطة – بحسب ما يدور- عن استهداف قائد حمساوي بحجم أحمد الجعبري في زمن التهدئة مع إسرائيل، خصوصا أنّ تنقلاته كانت سرية للغاية داخل القطاع ولا يعرف تفاصيلها إلا عدد محدود وموثوق به.
قد تحمل الاجابة عمن هو الجعبري دلالات عن أسباب استهدافه، لأنه القائد الميداني العسكري لأبرز فصيل فلسطيني مقاوم، ويرتبط بعلاقات ممتازة مع إيران لم يعكرها التباين الحمساوي–الايراني حول سوريا.
فهل تمت تصفية الجعبري بعد اتخاذ قرار عربي- غربي – اسرائيلي لادخال حماس في دائرة الترويض –طوعا- بعد القضاء على صقورها الميدانيين، تحضيرا للتسوية التي تنخرط فيها جماعة الاخوان المسلمين (مرجعية حماس) مع الغرب؟
حديث الاروقة المذكورة يستند إلى اندماج تام لقيادات “حماس” بالاجواء الاسلامية في موجة الربيع العربي المتحالفة مع العواصم الغربية، من مصر “الاخوان” الى تركيا “العدالة والتنمية” وما بينهما او يحيط بهما في الخليج وصولا الى التحالف مع الدول الاوروبية.
كما يستعيد هؤلاء مرحلة ما قبل اوسلو، وكيف جرى القضاء على قيادات فتحاوية كان يمكن ان تشكل عقبة امام التسوية بين منظمة التحرير والاسرائيليين، للتشبيه بين المرحلتين.
لكن النتيجة كانت ان حسابات الحقل لم تأت كحسابات البيدر، بعد رد الفصائل الفلسطينية وفي الطليعة حركة الجهاد الاسلامي على الاستهداف الاسرائيلي، فوصلت الصواريخ الى تل ابيب، ورد بصورة تلقائية عناصر حماس في الميدان الى حد تنافست فيه الفصائل باطلاق الصواريخ على المستوطنات الاسرائيلية، وتوسعت العملية بغارات ورطت اسرائيل معنويا بعد استهداف تل ابيب ومستوطنات حيوية وسقوط قتلى وجرحى اسرائيليين.
يقول اصحاب هذا الرأي ان زيارة وزير الخارجية المصرية محمد عمرو الى غزة تاتي في محاولة لملمة الاحداث بعد ان خرجت عن السيطرة، وتسويق تسوية سريعة تحت عنوان التهدئة، اعترفت الاذاعة الاسرائيلية بأن القاهرة طرحت تنفيذها على مرحلتين.
واذا كانت قيادات في “حماس” بريئة من هذا الاتهام، قد يكون حلفاؤها الاقليميون عرابي السيناريو المذكور من دون علم الحركة، خصوصا ان معلومات كانت تحدثت عن عجز مصري في تنفيذ طلب اسرائيلي بالقضاء على مهربي السلاح الى غزة في سيناء، رغم ان مصر حاولت ضرب المهربين تحت عنوان “القضاء على التكفيريين” في الاشهر القليلة الماضية، لكن من دون جدوى. ويشير مطلعون الى ان استهداف مصنع الاسلحة في السودان يأتي في الخانة نفسها، لوقف مد الفلسطينيين بالسلاح المهرب عبر مصر الى القطاع.
لكن قراءة أخرى تتمحور حول تهور اسرائيلي اراد من خلاله رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ان يثبت حكومته بعدما تعرضت للاهتزاز اثر الانتخابات الاميركية، واعتقد انها الفرصة المناسبة لتحقيق مكاسب في زمن الانشغال العربي والدولي بالاحداث السورية، فلم تصب الضربة مع رئيس الحكومة الاسرائيلية، وصدمه حجم الرد الفلسطيني الذي ولد ارباكا اسرائيليا مفتوحا على طول امتداد الازمة.
ويستند انصار هذا السيناريو الى مسارعة الحكومة الاسرائيلية في اليوم الاول من استهداف غزة الى الحديث عن القضاء على اكبر قيادي لحماس وضرب القدرة الصاروخية، اي تحقيق انجاز عظيم بحسب كلام نتانياهو.
امام القراءتين لا مكان عمليا للحديث عن اختراع حدث فلسطيني لتحويل الانظار عن احداث سوريا، رغم ان دمشق تستريح الان قليلا من الضغوط الاعلامية والنفسية والدولية، لتصبح ازمتها خبرا ثالثا في الوسائل الاعلامية بعد خبري احداث غزة واحتجاجات الاردن…
لكن السؤال ما هي المؤشرات بعد احداث غزة؟
من الصعوبة الخروج بتسوية سريعة ابطالها جماعة الاخوان المسلمين بتفرعاتهم المتعددة وحلفائهم الاقليميين مع الغرب حول العلاقة الفلسطينية–الاسرائيلية، او على الاقل تسويق التسوية ان حصلت.
لا احتكار للمقاومة لا من قبل حماس ولا غيرها في غزة، ما يعني ان فصائل اخرى فرضت نفسها كالجهاد، تختلف اجندتها وحساباتها الاقليمية عن حماس.
تفرض ايران نفسها جزءا اساسيا في المعادلة، وتحسب الان اسرائيل مئة حساب لضرب ايران خوفا من رد حلفائها على مستوى غزة باتجاه تل ابيب، بعدما كان الافتراض ان قوة المقاومة تكمن فقط بحماس الخارجة من الامرة الايرانية باتجاه الفضاء الاسلامي- العربي-التركي.
امتحان صعب لقيادة مصر الجديدة في ظل حكم الاخوان، ماذا ستفعل اذا توسعت الازمة؟ هل يبقى معبر رفح محصورا بادخال الحاجات الانسانية من دون الحاجات العسكرية؟
في كل الحالات سقطت حكومة نتانياهو بأول صاروخ طال تل ابيب، وكأن الحدث هدية قدمت الى الرئيس الاميركي باراك اوباما بكل سهولة، وازاح من درب مشروعه الاميركي عائقا امام التسوية التي يحضر لها في ولايته الثانية بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
اذا استبعد سيناريو “التواطؤ” لازاحة صقور حماس الميدانيين، وصحت القراءة الثانية، فان حسابات جديدة تفرض نفسها وتبدو سوريا جزءا منها، في اتجاهين: محاولة اعادة النظر بعلاقة الغرب مع الحالة الاسلامية الصاعدة، واحتمال استعادة مقاومي حماس وقائع الزمن الجميل يوم كانت دمشق تصنع صواريخ شام لامداد المقاومة الفلسطينية، وكان يبتكرها العقل الاساسي اللواء نبيل زغيب الذي قتل في تموز الماضي برصاص معارضين سوريين، علما ان دمشق هي اول عاصمة عربية استنكرت العدوان على غزة، ودعت الجماهير العربية الى التصدي.
ما بين القراءات والاشارات تبدو كل الاحتمالات واردة باتجاه تصعيد قد يفرض ترانسفير مدروس لاهل غزة باتجاه سيناء، عندها تصح السيناروهات المتداولة عن سايكس–بيكو جديد، او باتجاه لملمة الامور عند حدود قصف متبادل لا تسمح عواصم القرار ان يسرق الاهتمامات من الازمة السورية اقله حتى بضعة اشهر المسافة الزمنية الممنوحة للائتلاف السوري المعارض لاثبات نفسه قبل التسوية الروسية- الاميركية