الفرعون الجديد: إنذارات انفجار الحرب الأهلية مصر
غضب الثورة المصرية ممثلا في قوى الشعب والمجتمع المدني والليبراليين والعلمانيين، والذي تجلى واضحا على مدار يوم كامل من فجر 23 نوفمبر حتى فجر 24 نوفمبر، قد يبدو للمتفرجين من الخارج يمضي في سياق الغضب العادي الذي لا يتجاوز الهتاف والشتم والسب والاتهام بالخيانة والعمالة والدعوة لإسقاط الرئيس الإخواني محمد مرسي وجماعته ومناصريه من تيارات الإسلام السياسي، لكن المعايشة على الأرض داخل حوارات ونقاشات ورؤى الشباب داخل الميدان حملت إنذارات أخرى قد لا تحمد عقباها.
الإنذار الأول بدأ بعض شباب الثورة من صغار السن التفكير جديا في تهديدات العنف والبلطجة والدم التي تطلقها وتعتمد عليها قوى تيارات الإسلام السياسي لقمع المخالفين والمعارضين لها، لتظهر أفكار تكوينات بتنظيمات عمل تنهج نفس نهج هذه التيارات. فالصبر لن يطول إزاء استخدام هذه التيارات سلاح العنف والقتل ضدهم.
ولدت هذه الأفكار عقب تصريحات قيادات الإخوان المهددة والمتوعدة للمتظاهرين وما نشر عن استخدام الإخوان المسلمين وأنصاره السلاح الأبيض والرصاص الحي ضد التظاهرات التي خرجت في الإسكندرية وبورسعيد والسويس والمحلة لرفض الإعلان الدستوري الذي نصب فيه الرئيس مرسي فرعونا جديدا على مصر، حيث تساءل البعض إلى متى تصبح الثورة بين شقي رحى قوات الشرطة والجيش ومليشيات الإخوان؟ لماذا نظل هكذا عرضة للقتل والسحل والقمع مكتفين بالـ “الطوبة” و”الحجر” سلاحا في مواجهة الرصاص؟ إذا كان الجيش ممثلا في وزير الدفاع ورئيس الأركان يوافق على تحويل مصر لدولة دينية ديكتاتورية وقتل هوية الدولة المصرية اللبرالية؟ إذا كان وزير الدفاع يغض الطرف عن قرارات الرئيس واتفاقياته بنشر قوات أميركية على الحدود لحماية إسرائيل ونشر مجسات تجسس؟ وإذا كان ثلاثة أرباع الشعب يعاني من الجهل والفقر ويساق باسم الله والرسول فماذا ننتظر؟ هل ننتظر أن تضيع بلادنا ونجر من بيوتنا مسحولين ومقتولين باسم الدين أمام آبائنا وأمهاتنا؟.
تساؤلات لا تنتهي تشكل مخاوف مفزعة للكثير من شباب الثورة المصرية، الأمر الذي دفع بالبعض للتفكير جديا في تكوين تنظيمات للمقاومة والمواجهة؟ والإشكالية الرئيسية أن تكوين هذه التنظيمات سيكون سريا ولا يمكن توقع ما يمكن أن تكون عليه أهدافه واستراتيجية عمله خاصة أن جل هؤلاء الشباب الذي يفكر في ذلك ممن تتراوح أعمارهم ما بين 18 و22 عاما ويمثلون شرائح المجتمع.
الإنذار الثاني يتمثل في الوعي السياسي للباعة الجائلين، هؤلاء الباعة الذين كانوا مجرد “أرزقية” يأتون للميدان لبيع الشاي والقهوة والسندوتشات والصور والأعلام، أصبحوا جزءا أسياسيا من قوة الميدان نقاشا وحوارا وتأريخا وتوثيقا، حيث شكلوا الذاكرة التاريخية للثورة منذ انطلاقها، يتدخلون في الحوارات المفتوحة، ليكشفوا عن تفاصيل مذهلة يقسمون أنهم صادقون وشهود عيان عليها عن تواطؤ الجيش ضد الثورة في الميدان ودور الإخوان وقناصة حماس الملثمين في قتل وتصفية الكثير من شباب ثوار 25 يناير وحرق الأقسام ومقر الحزب الوطني المنحل على الكورنيش وغيرها، وأنهم كانوا مجرد قتلة وخطباء ومحرضين فقط لاستكمال الشباب الحقيقيين للثورة المصرية.
المفاجأة في الأمر أن أبناء هؤلاء الباعة وأصدقاءهم من أطفال المناطق والأحياء الفقيرة حول القاهرة، هم من يقودون المقاومة ضد تقدم قوات الشرطة إلى الميدان من شارعي القصر العيني ومحمد محمود، ويساعدون في عمليات الإسعاف وتبليغ سيارات الإسعاف وتيسير دخولها لموقع الأحداث.
الإنذار الثالث سقوط هيبة الموت والخوف بين المتظاهرين دون استثناء، سواء منهم من بلغ من العمر أرذله أو الشباب، نساء وفتيات أو ورجال وشباب، بل إن النساء خاصة الفتيات الصغيرات كن أكثر حماسة في معركتي القصر العيني ومحمد محمود، وفي الهتافات، وكشفن عن وعي بما يحاك ضدهن وضد مستقبلهن في ظل دولة الإخوان، وقالت إحداهن “ضربوا الأعور على عينه قال هي خربانة خربانة” مفسرة ذلك أنه لم هناك شيء للبكاء أو الخوف عليه طالما استمر حكم الإخوان والسلفيين، الذين يريدون لنساء مصر أن يصبحن جواري في أسواق متعتهن.
لقد أصبح الميدان مدرسة سياسية تضم مختلف شرائح المجتمع المصري، الشريحة الارستقراطية تتقاسم أرض الميدان جنبا إلى جنب أبناء الطبقة الوسطى والفقيرة، الشباب والصغار والعواجيز، لنرى فصولا أشبه بالفصول التعليمية لمناقشة وشروحات وتفسيرات قانونية وسياسية واجتماعية لما يجري على الساحة.
الإنذار الرابع تحالف الأحزاب اللبرالية ورموز العمل الوطني والثوري واجماعهم على مناهضة ومقاومة الرئيس وجماعته حتى إسقاط إعلانه الدستوري، وبدء اعتصام مفتوح لشبابهم وممثليهم في ميدان التحرير.
الإنذار الخامس تأييد ودعم الشارع المصري للمرة الأولى منذ انطلاق ثورة 25 يناير لتظاهرات ميدان التحرير واستمرارها، وتراجع الاتهامات الخاصة بتعطيل العمل وحركة الإنتاج وغلق الشوارع، ليلتف حول شعار التظاهرات “يسقط يسقط حكم المرشد”، وقد تجلى هذا التأييد والدعم في الاشتباكات التي وقعت في الإسكندرية والسويس والمحلة وبورسعيد حيث انضم الأهالي إلى المتظاهرين للنيل من “خرفان” الإخوان كما أطلقوا عليهم، وتم بالفعل ردع أي تحركات لهم على مدار يوم وليلة الـ23 من نوفمبر.
هذا الأمر يكشف غضب الشارع على الرئيس وجماعته وسياساته التي جلبت المزيد من البطالة والغلاء والفقر على كثيرين كانوا آمنين إلى حد ما في العهد السابق، وذلك يضرب معادلة الإخوان التي تعتمد على الحشد في مقتل، حيث ظهر أنهم مجرد قلة سواء في المحافظات أو القاهرة يمكن حصارهم والانقضاض عليهم كما حدث بالأمس في الإسكندرية وبورسعيد والسويس وغيرها، وأن سكاكينهم وسيوفهم ورصاصاتهم لم تفلح في إرهاب المواطنين.
الإنذار السادس يمثل ما يمكن أن يترتب على الإنذارات جميعها من نشوب حرب أهلية تتحالف قوى الشعب مع منظمات وأحزاب المجتمع المدني وشباب الثورة ضد قيادات جماعات الإسلام السياسي المؤيدة للرئيس الإخواني، لا يستبعد خلالها استخدام السلاح في ظل سيناريو مفتوح على مصراعيه للفوضى في مصر. خاصة بعد الشائعات التي بدأت تتردد في الشارع عن قوائم للرئيس وجماعته للقبض على رموز القوى المعارضة وتصفيتهم، وجاء خبر ضرب وتشويه المعارض البارز وعضو مجلس الشعب السابق أبو العز الحريري وزوجته وأيضا سحل المعارض حمدي الفخراني، وما نشر عن ضبط وإحضار أستاذ القانون وعضو حزب الدستور د.حسام عيسى بتهمة الدعوة لقلب نظام الحكم وإهانة الرئيس، ليؤكد النوايا المبيتة للرئيس وجماعته لتصفية المعارضة.
كل هذه الإنذارات تشكل إجماعا على أن مصر قادمة على مرحلة مفصلية في تاريخها أو بشكل أكثر دقة كارثة مأساوية، أولا أن تنجح تيارات الإسلام السياسي في تحويلها إلى أفغانستان تقطع فيها الأيدي والأنوف والآذان وتشوه فيها الوجوه وتهدم فيها الآثار وتجري في شوارعها عصا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إما تفشل في ذلك ويدفعها فشلها إلى العودة توجيه سلاحها الإرهابي والتخريبي إلى صدر مصر والمصريين كما هو حادث في سيناء، وثانيا أن ينجح الشعب ممثلا في قواه المدنية وأحزابه الليبرالية في الإطاحة بهم وتقليم أظافر التطرف والعنف من خلال ضرب رؤوس الفتنة والتطرف والعنف وإعادتها للسجون ومحاكمتها على جرائمها التي ارتكبتها أخيرا، وثالثا أن تشكل قوى الشباب تنظيمات تعمل بالسلاح ضد تيارات الإسلام السياسي في حال استمرارها في الحكم، وبالتالي لن توجه سلاحها لمقاومة هذه التيارات فقط ولكن أيضا ضد الشرطة والجيش اللذين يحميان هذا الحكم، لتبدأ دوامة من العنف المتبادل لن يستطيع أحد إيقافها إذا اشتعلت.