رهان 14 آذار على سقوط النظام السوري: هدير من دون “موتور”
ما الذي تريده 14 آذار من حرب المقاطعة والتعطيل التي اعلنتها في وجه الحكومة والمجلس النيابي.. والحوار ايضا؟ هل صحيح ان هدفها المجيء بحكومة «حيادية» ام ان هناك اهدافاً اخرى تسعى اليها من وراء ذلك؟
وما هي حقيقة رهاناتها على سقوط النظام السوري؟
اسئلة كثيرة مطروحة حول موقف تيار «المستقبل» وحلفائه الذي تجاوز مؤخرا كل التفسيرات المنطقية وعمم «حرماً على الحوار مستعينا بحليفه سمير جعجع الذي يجهد اليوم لتنصيب نفسه بطريركا سياسياً على الموارنة خصوصا والمسيحيين عموما.
لا شك ان هناك اهدافاً مرئية وأخرى مضمرة من حرب المقاطعة والتعطيل التي تشنّها المعارضة، ولعل ابرز الاهداف المعروفة والمكشوفة: منع إقرار قانون جديد للانتخابات ليكون بديلاً عن قانون الستين الحالي، واغراق البلاد في شلل قاتل لاستثماره في الاستحقاق الانتخابي المقبل. اما ابرز الاهداف غير المرئية فيكمن في الخيط الذي يربط بين سعي هذا الفريق الى دفع البلاد الى مزيد من التأزيم والتصعيد ورهانه على سقوط النظام السوري ظناً منه ان هذا الامر سيحقق له نصراً ساحقاً على الفريق الآخر ويعيده الى السطة منفرداً ومستفرداً
. بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رفع فريق 14 آذار وتيرة تصعيده، فأعلن المقاطعة الشاملة للحوار تحت شعار اسقاط الحكومة واستبدالها بحكومة «حيادية» قبل اي شيء آخر. لكن الجواب جاءه هذه المرة من واشنطن والاوروبيين الغربيين «لا للفراغ، نعم لبقاء المؤسسات الدستورية»، وبدلاً من ان يقرأ هذا الموقف جيدا اندفع بشعاره الى اعلان مقاطعة الحكومة والعمل التشريعي ضارباً بعرض الحائط الاصول الدستورية والسياسية في آن معاً تحت ذرائع تبريرات تتنافى كلياً مع المنطق. وينقل عن الرئيس نبيه بري في هذا المجال قوله «لقد مضى على مقاطعة 14 اذار للحوار والحكومة والمجلس النيابي اكثر من عشرين يوما، فما الذي حصل، وماذا جنوا من هذه الخطوة؟».
ويستدرك قائلا: لو لم يأخذوا مثل هذا الموقف ودخلنا في جلسات حوار متقاربة (زمنياً) مثلما فعلنا في المجلس سابقاً لكنا توصلنا الى نتيجة ايجابية او اكثر.. واذا لم نصل الى شيء لكانوا على الأقل ربّما أحرجونا أو حشرونا، اما ان يعلنوا المقاطعة بهذا الشكل، فهذا أمر مستغرب». ويذهب مصدر سياسي آخر في 8 آذار الى القول «ان موقف المعارضة هذا غير منطقي على الاطلاق ولا يدلّ عن انه صادر عن مجموعة عاقلة، فقد يفتقد واحد او اثنان او اكثر للتوازن او الاتزان السياسي لكن من غير المعقول ان يكون مثل هذا الموقف صادر عن الجميع الا اذا كان هناك هدف مضمر آخر غير الشعارات والمواقف المعلنة، وهذا امر مرجح ومرجح بقوة».
ولا يبدو حتى الآن ان الفريق المعارض في صدد التراجع عن قرار المقاطعة والتعطيل، مع العلم ان الحكومة ردت وترد على ذلك بجلسات منتجة اكثر من تلك التي سبقت مثل هذا القرار كما ان الاكثرية بدلا من ان تتأثر بهذه الحملة ازدادت توحدا واشتدّ عودها اكثر بدليل ان النائب وليد جنبلاط اظهر المزيد من الصلابة والتشدد في التمسك ببقاء الحكومة وبرئيسها. والى جانب مقاطعة الحكومة تمضي المعارضة ايضا في مقاطعة المجلس والعمل المجلسي تارة بحجة مقاطعة كل ما يتصل بحضور او مشاركة الحكومة وتارة اخرى لأسباب تتعلق بالمحاذير الامنية. وفي كل الحالات ادى ويؤدي ذلك الى شلل العمل التشريعي واقرار العديد من القوانين التي تهم الوطن والمواطنين
. ولا يبدو ان المجلس سيتمكن من عقد جلسة تشريعية عامة على الاقل هذا الشهر طالما ان الرئىس بري اعلن مرارا حرصه على مشاركة وعدم غياب ايّ من المكونات السياسية اللبنانية باعتبار انه في الاكثرية النيابية الحالية كل المكونات الطائفية. وفي هذا المجال تجدر الاشارة الى ان المجلس سيعقد جلسة عامة في 27 الجاري بمناسبة زيارة الرئىس الارميني الى لبنان حيث سيلقي كلمة امام المجلس ولا يتوقع ان يغيب نواب 14 آذار عنها. فهل تشكل هذه الجلسة نقطة انعطاف لكسر مقاطعة العمل المجلس ام ان المعارضة ستستمر في ذلك؟ المرجح الا تعدّل من موقفها لأن كل الدلائل تشير الى انها تراهن على تعطيل عمل المجلس للابقاء على قانون الستين الانتخابي والحيلولة دون اقرار قانون جديد.
وفي المناسبة لفت اول امس كلام رئىس حزب «القوات» سمير جعجع بأن 14 آذار ستفوز في الانتخابات النيابية في اي قانون انتخاب يعتمد. ويقول المصدر السياسي في 8 آذار ان جعجع يحرص مرة اخرى على ان يظهر نفسه صاحب التنبؤات والعالم في الغيب ثم طالما انه واثق الى هذا الحد من نتائج الانتخابات وفق اي قانون يعتمد لماذا لا يوافق على مشروع قانون الحكومة. الحقيقة انه يقول مثل هذا الكلام لأنه متيقن بأن قانون الستين الحالي باق اذا ما استمرت المعارضة في مقاطعتها لا بل ان احد ابرز اهدافها هو الابقاء على هذا القانون المرفوض كليا من المسيحيين وعلى رأسهم بكركي. ثم هل يتجرأ جعجع ويعلن صراحة وجهارا انه مع قانون الستين الحالي نحن نتحداه ان يفعلها وسنسير معه.
لكن الجميع يعرف تماما انه لا يجرؤ على ذلك خصوصا ان هناك حرما مسيحيا كنسيا وسياسيا على مثل هذا القانون. وفي كل الاحوال فإن مقاطعة المجلس النيابي من قبل المعارضة بهذا الشكل يعتبر سابقة خطيرة في البلاد خصوصا ان الاسباب المعلنة (الوضع الامني) لا تنطبق على تحركات واجتماعات نواب 14 آذار في اكثر من مكان ومناسبة. وكما يقول الرئيس بري في مجالسه كان الاجدى لـ( 14 آذار ان يطالبوا بتقريب موعد الجلسة التشريعية العامة التي كانت مقررة في 7 و8 الجاري بدلا من الاعلان مسبقاً عن مقاطعتها لان انعقادها كان سيشكل مناسبة لمناقشة ومحاسبة الحكومة». ويبدو ان الرئيس ميقاتي غير منزعج من مقاطعة المعارضة، خصوصا ان المناخ الداخلي والخارجي يعزز استمرار حكومته.
اما الحديث عن استقالته فهو مجرد «مزحة» لان الرئيس ميقاتي تعلم جيدا من تجربة الرئيس عمر كرامي الذي قدم استقالته في العام 2005 تحت ضغط فريق 14 آذار في الشارع. ويومها فاجأ الجميع بمن فيهم الاصدقاء والحلفاء، ومع ذلك فان هذا الفريق لم يشفع له حتى اليوم. والى جانب حملة المقاطعة والتعطيل فان 14 آذار تراهن كثيرا على اسقاط او سقوط النظام السوري قبل نهاية العام او على ابعد تقدير قبل الاستحقاق الانتخابي، ويعلن بعض اعضائها صراحة عن الرهان على هذا الامر لفرض ايقاعهم السياسي واستعادة السلطة والحكم بشكل كامل ومن دون شريك او مشاركة. هكذا يفكر هؤلاء ويرسمون من الان ملامح الصورة بعد الانتخابات او ربما قبلها ايضا، متناسين اومتجاهلين كثيرا من الوقائع والحقائق الداخلية والاقليمية ايضا
. ويقول مرجع سياسي بارز «ان من يراهن على تحقيق انتصار ومكاسب سياسية كبيرة وانقلابية بعد سقوط النظام السوري هو واهم وواهم جداً. ومع ان فرضية سقوط النظام السوري خلال شهرين او اكثر هي نظرية ساقطة نسبة الى التجربة منذ بداية الازمة السورية وحتى الآن.. رغم ذلك لنفترض ان النظام السوري سقط فما الذي سيتغير في المعادلة اللبنانية؟ لقد كانت مصر تلعب دوراً اساسياً في اختيار رؤساء الجمهورية في لبنان مثلما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس الراحل فؤاد شهاب حيث استبدل عبد العزيز شهاب بشارل حلو بناء لنصيحة مصر انذاك…واليوم حصل تغيير في مصر فما الذي حصل ويحصل في لبنان؟
ثم لنفترض ان المعارضة السورية استلمت الحكم، وهذا يعني استلام الاسلاميين السلطة، فهل سيكون ذلك مكسبا لتيار المستقبل؟ ان التيار المذكور سيكون متضررا للغاية من ذلك، بل سيكون على رأس المتضررين من بين 14 آذار، لان الفريق اللبناني الاخر سيكون لديه اكثر من خيار اختيار التحالف مع الطرف السنيّ، ولن يبقى «المستقبل» سيّد الساحة السياسية السنيّة. واضافة الى ذلك فانه في حال سقوط النظام السوري، كما يراهن فريق 14 آذار، فان الفريق اللبناني الآخر سيطلب المزيد من الضمانات. وكما يقول الرئيس بري «ان مثل هذه الرهانات هي هدير من دون موتور».
ويؤكد «ان الضمانة للجميع هي الوطن ولا شيء آخر، وان لبنان تحميه وحدته الداخلية والائتلاف بين اطرافه وطوائفه وشرائحه وابنائه».